- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

“فن السرقة؟”: مشكلة التصويت عبر الإنترنت في روسيا

التصنيفات: أوروبا الشرقية والوسطى, أوكرانيا, روسيا, أفكار, انتخابات, سياسة, صحافة المواطن, الغزو الروسي لأوكرانيا
[1]

مبنى الكرملين [2] بعدسة لاريوكستر [3]، منشورة برخصة المشاع الإبداعي CC BY 2.0. [4]

توجهت روسيا إلى مراكز الاقتراع لأول مرة في زمن الحرب في 11 سبتمبر/أيلول. سعت الانتخابات الأخيرة في البلاد لإبراز صورة محلية من القوة والسيطرة، في الوقت الذي كانت تقدم فيه واجهة من الديمقراطية الزائفة للمجتمع الدولي. في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا، وازدياد التعصب تجاه المعارضة المحلية، وتجريم أي شكل من أشكال الاحتجاج، تساءل العديد من المحللين [5] عما إذا كانت النتائج [6] مهمة على الإطلاق.

بالنسبة للمعارضة الروسية، كانت انتخابات المحافظين [7] ورئاسة البلدية [8] لعام 2022 بمثابة فرصة للتعبير عن عدم الرضى عن الحزب الحاكم والحرب في أوكرانيا. لا يزال التصويت عبر الإنترنت نادر الاستخدام نسبيًا على الصعيد العالمي. قد استخدمته إستونيا [9] الدولة المجاورة (لروسيا) بنجاح، ولكن في روسيا أصبح موضعًا للذم والقدح. قد أدى ذلك إلى ظهور تعليقات [5] مفادها أن التصويت عبر الإنترنت بمثابة “معزز للنكهة” والذي بإمكانه جعل الأنظمة الديموقراطية أكثر ديموقراطية، وعلى المقابل من ذلك، جعل الأنظمة الاستبدادية أكثر استبدادًا.

استفتاء عام 2020

اُستخدم التصويت عبر الإنترنت على وجه الخصوص في استفتاء على التعديلات الدستورية عام 2020 [10]؛ مما مكن فلاديمير بوتين في نهاية المطاف من تمديد فترة رئاسته متجاوزًا عدد فترات الولاية الحالية. أما قبل ذلك، اُستخدم التصويت عبر الإنترنت في تصويت إقليمي محدود.

أصبح النهج الروسي الحالي للتصويت عبر الإنترنت محل انتقاد باعتباره غير آمن بالقدر الكافي [11]، ومُفتقر للرقابة السليمة، وعُرضة لممارسة الإكراه ضد الناخبين. يتطلب التصويت على الإنترنت من المستخدمين زيارة منصة Gosuslugi [11]، في موسكو، أو منصة mos.ru للإدلاء بأصواتهم. يُمكن إعادة التصويت لمرات غير محدودة، وتتصف إجراءات المصادقة بالضعف [12]، وتتسم عملية فرز الأصوات بعدم الشفافية [13]، كما كانت هناك تقارير لأفراد تمكنوا من التصويت مرتين (عبر الإنترنت والحضور شخصيًا) [14].

لم توجه الدعوة إلى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا للإشراف على استفتاء عام 2020، وكانت المنظمة قد أدانت سابقًا الانتخابات الرئاسية المنعقدة عام 2018؛ لافتقارها إلى حرية الاختيار السليمة [15]. أبلغت منظمة مراقبة الانتخابات المحلية غولوس [16] عن انتهاكات عدة في عام 2020، ومنذ ذلك الحين وصمها الكرملين بكونها “عميلة أجنبية” [17] في محاولة منه لقمع الانتقادات الداخلية.

روّجت روسيا للتصويت عبر الإنترنت كوسيلة آمنة للإدلاء بالأصوات خلال جائحة كوفيد 19 في موسكو ونيجني نوفغورود [18]. بلغ عدد الأصوات عبر الإنترنت أكثر من مليون صوت في انتخابات وُصفت كونها “مسرحية [19]” أكثر من كونها تنافسية. كما كان متوقعًا، تأكدت جدارة الرئيس بوتين بتمديد فترة مكوثه في المنصب، من بين العديد من التعديلات الدستورية الأخرى.

يصعب جدًا قياس مدى تأثير التصويت عبر الإنترنت في الاستفتاء؛ لأنه كان يمثل عددًا صغيرًا مما مجموعه 74 مليون بطاقة اقتراع. إضافة إلى ذلك، دعت المعارضة بما في ذلك السياسي أليكسي نافالني وحزب يابلوكو إلى عدم المشاركة [20]. مع ذلك، تظل آثار استفتاء 2020 ملحوظة في تطبيع التصويت عبر الإنترنت، وفي جهود الدولة الروسية للترويج له.

 خلاف حول مجلس النواب لعام 2021

روّجت [21] السلطات الروسية لعملية التصويت عبر الإنترنت مرة أخرى على نطاق واسع في عام 2021، والتي أحدثت المزيد من الجدل. رأت المعارضة الروسية انتخابات مجلس النواب لعام 2021 كفرصة للتعبير عن استيائها من حزب روسيا الموحدة الحاكم، خاصة في ضوء سجن أليكسي نافالني. وتجدر الإشارة إلى نظام “التصويت الذكي” لفريق نافالني، وهو نظام يُوصي الناخبين بمرشحي المعارضة المحليين الأوفر احتمالاً للفوز، والذين ينبغي أن يمنحوهم أصواتهم. أسفر هذا النهج التكتيكي عن بعض الانتصارات المحدودة للمعارضة [22] في انتخابات مجلس النواب لعام 2019 في مدينة موسكو، وكان هناك بعض الأمل في إمكانية البناء على ذلك الأساس.

انتهت الانتخابات، رغم ذلك، بشكل متوقع بأغلبية ساحقة لحزب روسيا الموحدة. احتدم الجدل حول الانتخابات على مدار الأيام الثلاثة للتصويت في المراكز الانتخابية التقليدية، حيث سلّطت شبكات المعارضة الضوء على العديد من الانتهاكات، والتي اتسمت عمومًا بملء الصناديق ببطاقات الاقتراع المزورة بشكل صارخ.

على الرغم من ذلك، مع بدء عملية الكشف عن الأصوات، بات من الواضح أن بعضًا من إجراءات نظام التصويت الذكي قد نجحت، كما ظهر في الدعم المتزايد للحزب الشيوعي، الذي دعا نظام التصويت الذكي الخاص بنافالني إلى التصويت له بشكل رئيسي (فيما يزيد على 60 بالمائة من المقاعد). على الرغم من الانتهاكات المعلنة، كانت هناك أدلة تشير إلى الابتعاد عن حزب روسيا الموحدة في المناطق التي كانت تُعد سابقًا مواقع للسيطرة، بل وكان هذا أكثر بروزًا [23] في موسكو. كما أصبح غياب الأرقام الخاصة بمعدلات عملية التصويت الرقمية أكثر جلاءً مع مرور الوقت [24]. أسفر ذلك عن بدء افتراض الشخصيات المعارضة البارزة تعمد التأخير [25]. كما كان الأمر غريبًا أيضًا؛ لأنه من المفترض أن يكون فرز الأصوات الإلكترونية أسرع من عد الأصوات الورقية، وفي الدول الديمقراطية التي تستخدم التصويت عبر الإنترنت (مثل دولة إستونيا المجاورة)، يجري الإعلان عن الأصوات الرقمية أولاً.

أصبح اثنان من المرشحين محورين رئيسيين في موجة الاضطراب: الذي يصف نفسه بالديمقراطي الاجتماعي والمحاضر الجامعي ميكائيل لوبانوف [26] (المنتمي للحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية) وأناستازيا بريوخانوفا [27] (مستقلة) البالغة من العمر تسعة وعشرين عامًا، والتي مُنعت من الترشح لمجلس مدينة موسكو في عام 2018؛ كجزء من حملة تطهير واسعة ضد أعضاء المعارضة.

استخدم أنصار المعارضة، مثل عضو المعارضة الشعبي مكسيم كاتز وزميل أليكسي نافالني، لوبوف سوبول وسائل التواصل الاجتماعي؛ لانتقاد التصويت الإلكتروني قبل إعلان النتائج، في استهجان للوقت الذي استغرقه إعلان النتائج كإشارة إلى “تحرى” السلطات للأصوات اللازمة [28] لمحو مراكز الصدارة العظيمة التي حققها كل من لوبانوف وبريوخانوفا من الأصوات الورقية [29]. تبينت صحة مخاوفهم، حيث شهد مرشحو المعارضة في موسكو شطب مراكزهم المُتصدرة؛ مما أثار مزيجًا من السخط والسخرية.

مما يثير الدهشة إلى حد ما، أن الغضب انتشر إلى ما بعد القاعدة الشعبية للمعارضة؛ مما أثار استياء أحزاب المعارضة التي يتساهل معها الكرملين والتي لا تعترض على الوضع القائم، بما في ذلك السياسي القومي المتطرف متقلب المزاج (الراحل حاليًا) فلاديمير جيرينوفسكي [30]، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي [31]. أدعى جيرينوفسكي أن الأصوات قد سُرقت، وحذر من “سيناريو بيلاروسي [32]” (في إشارة إلى موجة الاضطرابات الشعبية التي استهدفت نظام لوكاشينكو). رفض الحزب الشيوعي في البداية الاعتراف بشرعية نتائج التصويت عبر الإنترنت [33]، وسعى إلى قيادة احتجاجات في العاصمة – ولكن رفضت السلطات إعطاء تصريح لها.

كان اعتراض كل من الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية والحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي علنًا ضد التصويت عبر الإنترنت بمثابة تمرد كبير. مع ذلك، لم يؤد هذا إلى شيء يذكر فيما يتعلق بتغيير النتيجة، وأكدت اللجنة الانتخابية في النهاية الأصوات.

انتخابات 2022 للمحافظين ورئاسة البلدية

عقب تجربة عامي 2020 و2021، استمرت انتخابات رئاسة البلدية والمحافظين هذا العام بصورة قد تضاهي مستقبل التصويت في روسيا.  اُستخدم التصويت عبر الإنترنت في سبع مناطق أخرى لانتخابات المحافظين (كالينينغراد، وكالوغا، وكورسك، ونوفغورود، وبسكوف، وتومسك، وياروسلافل) وكذلك في موسكو لانتخابات رئاسة البلدية. ستتضمن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 التصويت عبر الإنترنت لأول مرة بعد موافقة الكرملين على استخدام التصويت الإلكتروني في جميع الانتخابات اعتبارًا من مارس [34]/آذار.

كما كان الحال في الانتخابات السابقة، قدم الرئيس بوتين عرضًا للإدلاء بصوته عبر الإنترنت مرة أخرى وقال [35]:

“September 11 is the single voting day in Russia. But it is also possible to cast a vote in advance and remotely, which is exactly what I did now. It is a very convenient, reliable form of vote. To those who can and want to use it — I recommend.”

إن 11 سبتمبر/أيلول هو يوم التصويت الموحد في روسيا. كما أنه من الممكن الإدلاء بالأصوات مُقدمًا وعن بعد، وهذا بالضبط ما فعلته الآن. التصويت مريح وموثوق للغاية. أوصي به لمن يستطيع، ويرغب في استخدامه.”

تعرض نظام التصويت عبر الإنترنت لهجمات إلكترونية؛ مما تسبب في انقطاع قصير في 9 سبتمبر/أيلول (كان يوم الانتخابات في 11 سبتمبر/أيلول، ولكن كان من الممكن الإدلاء بالأصوات عبر الإنترنت في 9 و10 سبتمبر/أيلول).

رغم ذلك، جرى الإدلاء بأكثر من 600 ألف صوت في الساعات الأربع الأولى من التصويت في موسكو. لجأت أناستازيا بريوخانوفا إلى وسائل التواصل الاجتماعي [36] للسخرية من هذه الأرقام، مشيرة إلى أنها شكلت أكثر من نسبة 65 في المائة من الأصوات في مجموع الانتخابات الأخيرة. في النهاية، أدلى ثلاثة أرباع الناخبين بأصواتهم عبر الإنترنت في موسكو؛ مما أدى إلى زيادة نسبة الإقبال إلى أكثر من الضعف مقارنة بعام 2017 (34 في المائة، متجاوزة نسبة 15 في المائة). من جديد، تعرض غالبية مرشحي نظام “التصويت الذكي” للهزيمة، وتزامن ذلك مع تقارير عن مخالفات في عملية التصويت التقليدية [37].

أشارت منظمة غولوس إلى الافتقار إلى الثقة في التصويت عبر الإنترنت في تقريرها [38] الانتخابي. تشكل هذا جزئيًا على الأقل من خلال تجربة 2021، واستمر في عام 2022:

Remote electronic voting (DEG) has become the focus of public attention. Its results overturned the distribution of parliamentary seats in many districts of Moscow, and observers noted that the current system is not transparent and destroys the remnants of confidence in the elections. In turn, voters, especially in Moscow, actively reported that they were being forced to participate in remote voting.

أصبح التصويت الإلكتروني عن بعد (دي إي جي) محور اهتمام الرأي العام. قلبت نتائجه توزيع المقاعد البرلمانية في العديد من أحياء موسكو، وأشار محللون إلى اتسام النظام الحالي بعدم الشفافية، وتدميره لما تبقى من ثقة في الانتخابات. من جهة أخرى، أفاد الناخبون، وخاصة في موسكو، بصورة نشطة عن إجبارهم على المشاركة في التصويت عن بعد.

نتيجة لذلك، عزز حزب روسيا الموحدة هيمنته على السياسة الداخلية.

الدروس المستفادة للمستقبل؟

يمثل التصويت عبر الإنترنت مصدر عدم ثقة كبير بين أحزاب المعارضة الروسية المشرذمة. يُسهل التصويت عبر الإنترنت، بحسب اعتقادهم، من عمليات التزوير بشكل كبير للغاية، كما ويُستخدم جنبًا إلى جنب مع سياسات الإقصاء، والمرشحين المفسدين، والترويع. من المرجح أن يؤدي ذلك إلى زيادة اللامبالاة وانعدام الثقة بين أوساط العامة.

برغم انعدام الثقة المحلية، فإن التصويت عبر الإنترنت جاء ليبقى [34]. مع ذلك، قررت [39] روسيا عدم استخدام الأصوات الالكترونية التي تعرضت لانتقادات شديدة في “الاستفتاءات” على الأراضي المحتلة بأوكرانيا [40]، على الرغم من التقارير المغلوطة التي تشير إلى عكس ذلك [41]. كان السبب رسميًا نتيجة “المستويات المنخفضة من الرقمنة [42]” – وهي طريقة غريبة للإشارة إلى عدم امتلاك المواطنين الأوكرانيين في تلك المناطق لحسابات روسية على منصة Gosuslugi.

يُظهر امتناع روسيا عن استخدام الأصوات الإلكترونية في هذه الحالة بعض الرغبة على الأقل في الحفاظ على مظهر عام من النزاهة في النظام للجمهور المحلي. مما يزيد الطين بلة هو أنه بدلاً عن عرض النتائج بشك متزايد، قدمتها بعض وسائل الإعلام الأجنبية على أنها موافقة محلية [43] على نظام سلطوي متعاظم القوة.