شيتاغونغ: القطاع الصناعي أم الأفراد! محدودية إمدادات الماء

تُعد صناعة تفكيك السفن واحدة من ملوثات الموارد المائية الرئيسية في شيتاغونغ. الصورة عبر فليكر من إلتقاط ستيفان م. غروسو. CC BY-SA 2.0.

تُعد صناعة تفكيك السفن واحدة من ملوثات الموارد المائية الرئيسية في شيتاغونغ. الصورة عبر فليكر من إلتقاط ستيفان م. غروسو. CC BY-SA 2.0.

هذا الجزء الثاني من المقال الذي كُتِبَّ في الأصل من قبل شمس الدين إليوس ونُشر من قبل اُنبايس ذا نيوز كجزء من سلسلة “مُدن غارقة”. أُعيد نشر نسخة محررة على جزئين من قبل جلوبال فويسز كجزء من اتفاقية مشاركة المحتوى. اقرأ الجزء الأول.

مع ابتلاع مياه الفيضان للمنازل وتراجع منسوب النهر، اختار مهاجرون كُثر من شتى أنحاء بنغلاديش الانتقال لمدينتي دكّا وشيتاغونغ بغرض العيش في “مناطق أكثر أمانًا”. إلا إن هذه الخيارات المتعلقة بالمناطق “أكثر أمانًا” تغرق أيضًا.

انتهى المطاف بالعديد من الناجين من الظواهر المناخية القاسية والكوارث في شيتاغونغ، ثاني أكبر مدينة في البلاد. تعيش نار نهار بيغوم مع أطفالها الأربعة وزوجها في مساكن عشوائية جوار نهر كارنافولي. أُجبرت على الهجرة للمدينة من لاكشميبور، مقاطعة ساحلية منخفضة جنوب شرق البلاد، بعد أن فقدت منزلها خلال 2019 بسبب التعرية الناتجة عن مياه النهر.

صُنفت شيتاغونغ كونها أحد المدن الساحلية الآسيوية التي تنحسر بمعدل أسرع 10 مرّات تقريبًا من ارتفاع مستوى سطح البحر. على غرار مدينة مانيلا في الفلبين التي غرقت بمقدار 20 مليمتر سنويًا على مدى 5 أعوام، من 2015 حتى 2020.

تواجه المدينة، العاصمة التجارية للبلاد، مشكلة استنزاف المياه الجوفية أيضًا. قبل 2010، كان بمقدور هيئة شيتاغونغ لإمدادات الماء والصرف الصحي توفير 190 مليون لتر فقط في اليوم، ليس حتى نصف إمدادات المياه المطلوبة البالغ قدرها 500 مليون لتر في اليوم. من هذه الكمية اليومية البالغة 190 مليون لتر، أُخِذَّ 100 مليون لتر في اليوم من مستودعات المياه الجوفية.

يقول كبير مهندسي هيئة شيتاغونغ لإمدادات الماء والصرف الصحي، ماكسود ألام، أنهم حاولوا التغيير للمياه السطحية من خلال مشاريع عدة. منذ 2017، تم استمداد 92% من احتياجات المدينة المائية من المياه السطحية. قال في مقابلة له مع اُنبايس ذا نيوز، “نحاول أن نعتمد على المياه السطحية فقط، وتدارك المشكلة.”

مع ذلك، لم يمض التحول بسلاسة حيث استمرَّ صراع العاصمة التجارية للبلاد مع تقلص إجمالي مصادر الماء. وجدت المصانع والشركات صعوبة في الحصول على الماء حتى بعد “الحفر بعمق 1500–2000 قدم تحت الأرض.” نتيجة لذلك، لجأت شركات أخرى مثل شركة GPH Ispat المحدودة، المتخصصة بتصنيع الصُلب، لتشييد سدودها الخاصة لتلبية احتياجات الماء لكل من عملياتها وموظفيها. وفقًا لصحيفة ذا ديلي ستار، فيما عَمَّل هذا كحل مؤقت، كان له أثر على قدرة الأقليات العرقية في الحصول على مياههم الخاصة في المنطقة.

اُتهِمَت المصانع العطشة، بالاستخراج العشوائي للمياه الجوفية، حيث أصبحت مصادر أخرى مثل نهر كارنابولي أكثر ملوحة. احتج الناس على هذا، كون استمرار استخراج الشركات الخاصة أدى لانخفاض إمداداتهم من المياه للري والشرب.

أخبر البروفسور محمد راشيدول حسن، رئيس قسم التخطيط الحضري والإقليمي في جامعة شيتاغونغ للهندسة والتكنولوجيا، اُنبايس ذا نيوز:

If industries continue to extract water in such a manner, there will be a huge catastrophe due to land subsiding. Already in many adjacent areas, agricultural lands are not getting water because of the extraction of the industries.

إن واصلت المصانع استخراج الماء على هذا النحو، ستحدث كارثة ضخمة جراء هبوط الأرض. تعاني الكثير من الأراضي الزراعية، في العديد من المناطق المجاورة، من انعدام الماء بسبب استخراج المصانع.

دون أي تدخل، من المتوقع فقط أن تسوء هذه المنافسة بين المصانع وسُكان شيتاغونغ على المياه الجوفية مع التخطيط لإنشاء أكبر منطقة صناعية في البلاد، بانغاباندو شيخ مجيب شيلبا ناغار. أشارت دراسة أجراها البروفسور محفوظور خان من جامعة دكّا وخبراء آخرين، “يتوقع أن يستقر في المنطقة أكثر من 580 مصنع، وفيها مصانع الملابس الجاهزة، والسيارات، والأغذية، والمواد الكيميائية.” أضافت، “لتشغيل هذا الموقع الصناعي كل يوم، سيكون هنالك حاجة لنحو 839 مليون لتر من الماء النظيف يوميًا بحلول 2040، الذي يُجمع من مصادر المياه السطحية المجاورة والمياه الجوفية.”

مع ذلك، تنظر الحكومة في مشروع من شأنه أن يجلب 900 مليون لتر في اليوم من نهر ميغنا للمنطقة الصناعية المخطط إنشاؤها لمحاولة الحد من الاعتماد من استخراج الماء. إنها خطوة مهمة، كما أشارت دراسة خان وآخرون، بصرف النظر عن صراع القطاع الصناعي وسكان المدينة على المياه الشحيحة، يُمثل وجود شركات تعتمد على استخراج المياه الجوفية، بشكل مكثف، خطرًا أكبر من تسرب مياه البحر وهبوط الأرض.

كما هو الحال، يُشكل اندفاع مياه البحر مشكلة خطيرة فعلًا في شيتاغونغ. تُظهر نتائج هذه الدراسة المنشورة في مجلة ايرث أن معظم النازحين عاشوا على الساحل على ارتفاع 5 أمتار فوق مستوى سطح البحر على أقصى تقدير. على مر السنين، حاولوا التعامل مع اندفاع مياه البحر بتحصين المداخل، ورفع طوابقهم، ورفع الطرق.

لم تسلم منطقة أغراباد، مقر مؤسسات تجارية ومالية محلية وعالمية، فضلًا عن أُسر شيتاغونغ الثرية، من هذه المشكلة. قال المهندس المعماري والمخطط البيئي رضا قيصر، رئيس تخطيط المدينة السابق لدى هيئة مدينة شيتاغونغ، “كان حي هيئة تنمية شيتاغونغ السكني أول حي سكني راقي في شيتاغونغ. جاء الناس من شتى أنحاء شيتاغونغ لرؤية الحي السكني الحديث الذي شيدته هيئة تنمية شيتاغونغ في قلب مدينة بنغلاديش التجارية خلال الستينيات.” أضاف قيصر:

All the ground floor of this posh residential area is now almost abandoned due to its constant inundation by saline water whenever there are high tides in the Bay of Bengal.

أصبحت الآن جميع الطوابق الأرضية في هذا الحي السكني الراقي شبه مهجورة لانغمارها المستمر بالمياه المالحة كلما ارتفع المد في خليج البنغال.

وصف قيصر أغراباد، في كتابه “التغيُّر المناخي وعواقبه على مدينة شيتاغنونغ البنغلاديشية”، على أنها منطقة شديدة الخطورة بسبب حدوث الفيضانات. شاركَّ كبير مهندسي هيئة مدينة شيتاغونغ كازي حسن بن شمس: “نحن نعاني في ظل الوضع الراهن. أنفقنا الملايين لرفع الطُرق بمقدار 3 أقدام خلال 2019 لكن الأمواج العاتية فازت مجددًا حيث غمرت المنطقة بأسرها هذا العام. يعود ذلك لارتفاع مستوى سطح البحر وبعض أعمال التنمية غير المخطط لها.”

البحث عن بدائل

طورت هيئة شيتاغونغ لإمدادات الماء والصرف الصحي أربعة مشاريع في 2009، و2011، و2013، و2015، ومن المقرر اكتمال مشروع بهاندال جوري لإمدادت المياه هذا العام. عُمومًا، تمكنت الهيئة من زيادة السَّعَة المائية لشيتاغونغ من 190 إلى 500 مليون لتر يوميًا خلال عقد من الزمن. قال أكم فضل الله، المدير العام لهيئة شيتاغونغ لإمدادات الماء والصرف الصحي، “نأمل قريبًا أن نبدأ بتشغيل مشروع بهاندال جوري الذي سيُنتج 45 مليون لتر يوميًا، مما سيُتيح لنا الاعتماد على المياه السطحية 100%. مع ذلك، نواجه بعض الصعوبات في بعض المحطات من جرّاءِ ارتفاع نسبة الملوحة.” تعمل هيئة شيتاغونغ لإمدادات الماء والصرف الصحي على معالجة مياه نهر هالدا وكارنافولي، بينما تعمل هيئة دكّا لإمدادات الماء والصرف الصحي على معالجة مياه نهري شيتالاكيا وبادما.

قبل ذلك، نفذت هيئة شيتاغونغ لإمدادات الماء والصرف الصحي ثلاثة مشاريع لمعالجة المياه كلفت حوالي 655 مليون دولار أمريكي من ثلاث جهات إقراض أجنبية —وكالة التعاون الدولي اليابانية، والبنك الدولي، وبنك الاستيراد والتصدير الكوري. يجب أن تبدأ الهيئة السداد في 2023 بدفع نحو 29 مليون دولار أمريكي سنويًا. على الجانب الآخر، يبلغ قرض هيئة دكّا لإمدادات الماء والصرف الصحي حوالي ملياري دولار أمريكي ويجب أن تُسدد سنويًا نحو 400 إلى 600 كرور تاكا بنغلاديشي أو 47 إلى 71 مليون دولار أمريكي.

أُفيد بأن هيئة شيتاغونغ لإمدادات الماء والصرف الصحي مررت عبء سداد هذه القروض للمستهلكين عبر رسوم المياه، رغم مزاعم عدم تحقيق بعض المشاريع النتائج المرجوة.

العولمة في ظل التغيُّر المناخي

تعمل بنغلاديش سنويًا على زيادة مخصصات المناخ في ميزانيتها الوطنية. أنشأت الحكومة صندوق الإنماء للتغيُّر المناخي بمبلغ 400 مليون دولار أمريكي من مواردها الخاصة لتمويل مشاريع التكيّف والتخفيف من آثار تبعات التغيُّر المناخي. غطى الصندوق الإنمائي للتغيُّر المناخي إجمالي 732 مشروع في شتى أنحاء البلاد منذ 2010، تُقدر قيمتها بحوالي 297 مليون دولار أمريكي. اكتمل من بينها إجمالي 377 مشروع بتكلفة قدرها 202 مليون دولار أمريكي، فيما لا يزال 355 مشروع بتكلفة 95 مليون دولار أمريكي قيد التنفيذ.

كما اعتمدت بنغلاديش خطة مستقبلية عنوانها خطة دلتا 2100 تهدف لخفض تأثُّر بنغلاديش بالكوارث الطبيعية وبناء قدرتها على الثَّبات أمام التغيُّر المناخي وغيرها من التحديات. حددت الخطة 34 مشروع متعلق بالمناخ وقد خلصت إلى احتياج 1.7% إضافية من إجمالي الناتج المحلي سنويًا للتكيّف مع التغيُّر المناخي والتأثيرات البيئية الأخرى. وفقًا لتقرير ميزانية المناخ (2021–2022)، سيتطلب تنفيذ المرحلة الأولية من الخطة 37 مليار دولار أمريكي خلال العقدين القادمين.

قال محمد شهاب الدين، وزير شؤون البيئة والغابات والتغيُّر المناخي، خلال مقابلة له على الهاتف مع اُنبايس ذا نيوز، “يُعرض التغيُّر المناخي ميزانية بنغلاديش للمزيد من الضغط.”

يأمل أن تفي البلدان المتقدمة –أكثر الدول المسببة لانبعاثات الغازات الدفيئة– بوعودها وتوفير تمويل العمل المناخي للبلدان النامية مثل بنغلاديش، التي ستتأثر بصورة كبيرة بالأزمة المناخية، على الرغْم من عدم مساهمتها الكبيرة للتلوث. قال الوزير، “تعهدت البلدان المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنويًا لتمويل العمل المناخي. دَفْعهّم المال سيساعد بنغلاديش على مواصلة تنفيذ مشروعات أكثر للتكيّف مع التغيُّر المناخي.”

نُشر هذا المقال في الأصل من قبل اُنبايس ذا نيوز كجزء من مشروع مُدن غارقة، الذي يتناول استجابة ست مُدّن لارتفاع مستوى سطح البحر. تم التحقيق بالتعاون مع المؤسسة الثقافية الأوروبية وقرعة الرمز البريدي الألماني.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.