كيف هو حال الكاريبي في اليوم العالمي ضدّ الفساد؟

صورة عن موضوع الفساد من فليكر (CC BY-NC 2.0)

في عام 2023، تكون مضت 20 سنة من تبني اتفاقية الأمم المتحدة لمُكافحة الفساد؛ ورغم أنّ آفة الفساد تشكل تهديدًا لاستقرار الأشخاص والمُساواة بينهم عبر العالم كلّه، إلاّ أنّ حجمها في بلدان جزر الكاريبي هي مسألة ذو أهمية كبيرة ومُستعجلة. يسعى اليوم العالمي لمُكافحة الفساد الذّي احتفل به في 09 من شهر ديسمبر/كانون الأوّل من عام 2022، إلى “إبراز العلاقة المعقدة بين مكافحة الفساد والسّلام وبين الأمن والتّطوّر”:

At its core is the notion that tackling this crime is the right and responsibility of everyone, and that only through cooperation and the involvement of each and every person and institution can we overcome the negative impact of this crime. States, government officials, civil servants, law enforcement officers, media representatives, the private sector, civil society, academia, the public and youth alike all have a role to play in uniting the world against corruption.

 يكمن جوهره في مواجهة هذا الجرم، لأنّ هذا حقّ ومسؤولية الجميع، ولا يتحقّق ذلك إلاّ عن طريق التّعاون ومشاركة جميع الأشخاص والمُؤسسات حتّى نتمكّن من تجاوز الآثار السّلبية لهذا الجرم؛ وللدّول، وموظفي الدّولة، وعناصر الأمن، وممثلي الإعلام، والقطاع الخاص، والسّلك الأكاديمي والعامة والشّباب دور يلعبونه من أجل أن يتوحد الجميع لمُكافحة الفساد.

على مدى سنة 2023، سيكون على المُنظّمين أن يتمعنوا ويتدبروا بخصوص التّطورات التّي ساهمت فيها الاتفاقية من أجل تسهيل ومراجعة الثّغرات القائمة في معركة الفساد هذه والمُستمرة. لهذا الغرض، نحن في “جلوبال فويسز”، قررنا مراجعة روايتنا المُتعلّقة بالفساد من أجل الوصول بصفة آنية إلى الأضرار التي لحقت بجزر الكاريبي بسبب هذه الآفة وكذا التّطورات التّي توصلت إليها على مرّ السّنين.

كان موضوع الفساد حاضرًا دائمًا في تقاريرنا للمنطقة في كلّ نهاية عام وكنا نقدم تقريرًا سنويًا للأخبار التّي كنا نُغطيها. في عام 2014، كان الكاريبي أحسن تصنيفًا (وبالتّالي فهو يكون البلد الأقل فسادًا)؛ وفي مؤشر مدركات الفساد والشّفافية الدّولية صُنّف “الباربادوس” في المركز 17 من مجموع 174 بلد، علمًا أنّه نزل في التّصنيف مقارنة بالعام قبله. في المُقابل، صُنّفت “جامايكا” و”ترينيداد وتوباغو” في المركز 85، وصُنّفت “غويانا” في المرتبة 124، وهايتي” في المرتبة 165 وبالتّالي يكون البلد الأخير المُصنّف لمنطقة الكاريبي، والإقليم الأكثر فسادًا في جزر الكاريبي.

بعد مرور سبع سنوات، نلاحظ في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2021، أنّ التّصنيف لم يتغيّر كثيرًا، “باربادوس” تحت قيادة الوزيرة الأولى “ميا موتلي”، حصل على نتيجة جيّدة إذ صُنّف في المرتبة 29، بينما وقعت جزر “الباهاماس” في المرتبة 30. بعض بلدان جزر الكاريبي صُنّفت في المراتب 30 و40 و50، و”جامايكا” في المرتبة 70 و”ترينيداد وتوباغو” في المرتبة 82، و”غويانا” حسّنت تصنيفها في المرتبة 87، أمّا “هايتي” وُجدت مرة أخرى في آخر التّصنيف إذ احتلت المرتبة 167 على أنّها سجلت تصنيفًا أحسن من العام قبله.

مع ذلك، فإنّ منظمة الشّفافية الدّولية كانت دائمًا تحرص على أن يكون مؤشرها لمدركات الفساد السّنوي مقياسًا لمستويات الفساد المُعاين في القطاع العمومي لكلّ بلد وليس لحالات الفساد في حدّ ذاته. تضمّ طريقتها قائمة البيانات لكلّ منطقة ثمّ تعيد قياسها وتضيف أخبارًا آخذة بعين الاعتبار درجة من الشّك وعدم اليقين. تخضع النّتائج لمراقبة الجودة بصرامة وفيها “الحسابات الحرة بمُوازة مع تلك التّي قام بها باحثون مقيمون ومستشارون جامعيون لا ينتمون لمنظمة الشّفافية الدّولية”.

تشمل مصادر البيانات الفساد وتعسّف الوظيفة العمومية والمحسوبية ونهب الأملاك العامة، كما يشمل هذا النّهج دراسة قُدرات بلد باحترام آليات الاندماج، ومُتابعة الموظفين الفاسدين، وجعل الإجراءات أكثر شفافية وأقلّ بيروقراطية واحترام القوانين المُتعلقة بالذّمة المالية واحترام حقوق المواطن فيما يتعلّق بالحصول على المعلومات وحماية الصّحفيين والمُندّدين بالفساد. لقد حصلت الكاريبي تطورًا نسبيًا في هذه المجالات، هذا ما يُفسر نوعًا ما تصنيفها الحسن.

في أواخر عام 2019، مثلاً، أطلقت “جامايكا” بوابة عداد للمُساءلة، وهو موقع إنترنت تتمثل مهامه في مُتابعة أنشطة الحكومة وتشمل حالات الفساد، كما يمنح المواطنين الوصول إلى الممثلين السّياسيين دون إشكالية ويمدّهم بتعليمات حول تسيير الحكومة. إنّها مُبادرة غير مُنحازة غير حكومية وغير ربحية، تمّ صياغتها طبقًا لمفهوم Account-A-Meter الذّي يسمح للجميع، مواطنين كانوا أو منظمات من المجتمع المدني وحتّى الصّحفيين والحكومة عينها، مُتابعة الاختراقات السّياسية والقواعد القانونية وهذا بالوصول مُباشرة إلى المتورطين في الفساد.

مع ذلك، نجد “جانيت كالدر” وهي مُنشئة الموقع، لا تعدّه وسيلة لمُكافحة الفساد رغم أنّها تعترف بكونه يكشف عن مُمارسات الفساد؛ بل تراه شكلاً لضمان المُساءلة. صرحت في حوار مع “جلوبال فويسز” عام 2020:

I don’t think you can ‘fight corruption.’ Corruption happens in the dark. […] Let's hold people accountable for not doing their job, not honouring the rules and policies that are in place! Once you start doing that, it takes care of a lot of the corruption. […] Accountability is not just a key — it is the master key to change.

لا أعتقد أنّه سيسمح “بمُحاربة الفساد”. فالفساد يكون في الظلام. […] نعمل على أن يتحمل النّاس مسؤولياتهم إذا لم يقوموا بأعمالهم أو أنّهم لم يحترموا القواعد والسّياسات السارية المفعول! مجرد القيام بهذا الأمر فسنكون قضينا على معظم الفساد. […] المُساءلة ليست فقط المفتاح، بل هي المفتاح الأساسي للتّغيير.

في عام 2020، أدمجت “جامايكا” كذلك “إجماعًا وطنيًا ضدّ الجريمة” وهو اتفاق بين الحكومة والمُعارضة الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وهو يفتح المجال لتعزيز القوانين ضدّ الجريمة والفساد. غير أنّ تحدي هذه الإجراءات تتمثل في مُتابعة، كما يمكن توقعه، لجنة مُراقبة يديرها رئيس الغرفة التّجارية “لجامايكا”، هذا الأخير أعرب عن انشغاله أمام عدم احترام المهل للعديد من الإجراءات الخاصة.

الأمر ذاته كان في العديد من أقاليم المنطقة، لكن “جامايكا” لم تنجح دائمًا في مُتابعة الأشخاص المُشتبه فيهم بالفساد، كما أنّ مصالحها الأمنية عروفة بفسادها. في “ترينيداد وتوباغو”، يبدو أنّ معالجة قضايا الفساد غير قانوني؛ ورغم أنّ البلد وافق على قانون تسوية الأسواق العامة سنة 2020، إلاّ أنّه لا يزال منشغلاً بأحكام مواد التّي حسب المنتقدين يمكنها تسهيل تطوّر الفساد.

مؤخرًا، أضاع نائب رئيس الفيفا السّابق، “جاك وارنر”، المولود في “ترينيداد”، حقّ الاستئناف لدى المجلس الخاصّ لتسليمه للولايات المتحدة الأمريكية في قضية تكوين جماعة أشرار وتبييض الأموال؛ ورغم أنّ النّائب العام “ريجينالد أرمور” لم تكن لديه النيّة في تجميد عملية تسليم المجرمين، فإنّ مواطنو “ترينيداد” يشكون في تطبيق العدالة.

كلّ هذا الأمر وانطلاقًا من الانتخابات حتى النّظام القضائي، لوحظ نوعًا من الفساد في المنطقة؛ وخلال أشهر عديدة من عام 2018، عرف النّظام السّياسي في “غويانا” وضعية هشة، عقب تصويت سحب الثقة في مجلس النواب، حيث صدرت اتهامات ضدّه بالفساد.

في كلّ أرجاء المنطقة، يوجد كذلك انشغال بخصوص حرية الصّحافة، إذ يرتكز كثيرون على الحرية الرّقمية والحماية الشّخصية وقوانين الجرائم الإلكترونية، ولكن كلّ تحدّ من هذا النّوع يوجد فيه أمل. كان شباب الكاريبي سبّاقون في الحركة لمكافحة الفساد، كما  لعبت قطاعات منظمة “الشّفافية الدّولية” دورًا للقضاء على سرّ ممارسات الفساد.

مع ذلك، لا يزال كثير ممّا يجب القيام به لتفكيك الأنظمة، حيث تم توارث أغلبيتها، وأتاحت غرس ثقافة الفساد في المنطقة. من الممكن أن تشرع بلدان الكاريبي في القضاء أخيرًا على فكرة شمول الفساد لمجال الأعمال، مثلما أوضحه في العديد من المرات مؤشر مدركات الفساد السّنوي لمنظمة الشّفافية الدّولية الذّي جاء عكس التّوقعات.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.