- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

المشرّعون الأتراك يصادقون على مشروع قانون جديد للأخبار الزائفة

التصنيفات: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, تركيا, احتجاج, الإعلام والصحافة, انتخابات, حجب, حرية التعبير, حقوق الإنسان, حكم, سياسة, صحافة المواطن, قانون, أدفوكس

صورة التقطها “جيل لامبر” [1]، استُعملت بترخيص من “أونسبلاش” [2]

في 13 من شهر أكتوبر/تشرين الأوّل، صادق المشرعون الأتراك على مشروع قانون يتعلّق بمُكافحة الأخبار الزائفة والكاذبة، غير أنّ الهيئات المحليّة للمُجتمع المدني وصفت مشروع القانون بمشروع رقابة مُقنّعة، أو أخبار مُضلّلة تُستعمل لقمع اختلاف الآراء والانتقاد. يُؤكّد [3] مُنتقدو المشروع بأنّ أحكام المشروع المكون من 40 مادة، التّي صادّقها [4] مجلس النواب التّركي، تُشكّل تهديدًا لحُريّة التّعبير، حيث يُمكن أن ينتج عنها عواقب وخيمة قبيل انتخابات 2023 في تركيا.

تُوجد سلسلة من القُيود الجديدة [5] والمُقلقة في مشروع القانون، مثل المسح الإجباري للمُحتويات، واختراق خصوصية مُستعملي الشّبكة العنكبوتية، والكثير من الإجراءات التّنظيمية المُتعلّقة بالمنصات الرّقمية. من بين المواد التّي تُثير قلقًا، المادة 26، حيث تنصّ أحكامها [6] “يتعرض كلّ من ينشر علنًا معلومات خاطئة بخصوص الأمن الدّاخلي والخارجي لتركيا، والأمن العامّ وزعزعة الأمن، للحبس لمدة سنة أو ثلاث سنوات، بحجة إثارة القلق، والخوف، والرّعب في أوساط المُجتمع، ومواجهة عقوبة السّجن تتراوح مُدّتها من سنة إلى ثلاث سنوات”. تدخل القيود الجديدة هذه حيّز التّنفيذ [7] تاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأوّل.

كردّ لمشروع القانون هذا، أعلن [8] تحالف دوليّ من 22 منظمة للدّفاع عن حقوق الصّحافة، أنّ المشروع “في تعريفه للأخبار المُضلّلة صِيغ و”لغرض مُعيّن” بصفة غير واضحة، وسُيّس من قبل السّلطة القضائية التركية، وقد يضع الملايين من مُستخدمي الإنترنت في خطر مواجهة العقاب الجنائي، ومن الممكن أن يؤدّي لرّقابة شّاملة وشخصية قبل انتخابات 2023″؛ حيث من المزمع أن تنظم تركيا الانتخابات الشّاملة خلال شهر يونيو/حزيران من سنة 2023.

كما جاء مشروع القانون هذا بعد [9] الإعلان الأخير لسلطة التكنولوجيات والإعلام والاتصال (BTK) التّابعة للحكومة عن جمع البيانات الفردية للمُستخدمين، يعدّ هذا خرق كبير للخصوصية ذلك منذ عام 2021. وصف نائب حزب الشّعب الديمقراطي (CH) المُعارض “أونورسال أديغوزال” عواقب هذا المشروع مثابة “أكبر فضيحة للتّنصت في تاريخ الجمهورية”.

تمّ اقتراح مشروع القانون هذا من طرف رئيس حزب العدالة والتّنمية التّركي (AK) وحليفه من أعضاء حزب الحركة القومية (MH) إذ شرعوا في العمل عليه منذ عام 2021 [10]. أكّد [11] كلا الحزبين أنّ مشروع القانون هذا هو مُشابه للقانون الأوروبي الحالي، كقانون NetzDG [12] الألماني، غير أنّ المُنتقدين يعارضون ذلك [13]، بسبب عدم وضوح الصياغات القانونية [14]، التّي يمكنها أن تستعمل كأسلحة مبهمة، مثل الأخبار المُضللة والكاذبة، وأخبار لا أساس لها، وأخبار زائفة وأمنية، والنّظام العام والسّلام العام.

في حوار [15] خصصته صحيفة “ذي غارديان”، قال “إيمري كيزيلكايا”، مدير الفرع التركي في المعهد الدّولي للصّحافة، إنّ مشروع القانون “يُجرّم ما تُسميه السّلطات بالأخبار المُضلّلة دون تحديد حقيقة ما يعنيه فعلاً هذا المُصطلح. سيقرّر قاض كيفية تعريف الأخبار المُضلّلة ونّية استخدامها، وهذا ما قد يمنح الحكومة فعلاً سلطات تعسفية بخصوص انتقاد الصّحافة”.

عارض أعضاء من أحزاب سياسية مُعارضة بشدة لمشروع القانون هذا؛ إذ قبل المُصادقة عن مشروع القانون، قام النّائب “بوراك إيرباي” بتحطيم هاتفه [16] بمطرقة خلال مُداخلته في مجلس النواب؛ وقال “إيرباي” قبل التّصويت “اكسروا الهواتف بهذه الطّريقة، حتّى لا تُجبروا على استعمالها”.

في 14 من شهر أكتوبر/تشرين الأول، قال [17] مُشرّع آخر إنّه من الممكن جدًا أن يلجأ الأتراك لصندوق الاقتراعات خلال الشهر المُخصّص للانتخابات دون استعمال المنصات الاجتماعية “تويتر” أو “فيسبوك” أو “واتساب”. قال النّائب “غارو بايلان” بخصوص مشروع القانون [15] ذاك الذّي يسمح لمُفتشي الضّرائب وكذا لحزب BTK بإغلاق المنصات الاجتماعية التّي لا تستجب لشروط الحكومة في تزويدها ببيانات مُستخدمي الشّبكة العنكبوتية: “قانون الرّقابة هذا يُعطي الفرصة للدولة لحجب فيسبوك، وتويتر، وواتساب”.

القانون الجديد هذا للرّقابة على شبكات التّواصل الاجتماعية والمُصادق عليه من قبل مجلس النواب يسجل نقطة بداية – من طرف الرّئيس “أردوغان” – بخصوص الفترة المُقبلة للانتخابات في تركيا. ستكون الانتخابات لسنة 2023 الأكثر ظُلمًا في تركيا مُقارنة بالانتخابات الأولية الحُرة والمُنصفة والتّي جرت عام 1950 في البلاد.

طالب “بايلان” من المحكمة الدّستورية برفض مشروع القانون ذاك؛ وقال [17]: “البارحة، صادق مجلس النواب على مشروع القانون المُتعلّق بالأخبار الزائفة، وأنا أشعر بالخجل كوني عضو في الجمعية الوطنية التّركية […]. لا يُمكن لمجلس النواب العدول عن مشروع القانون هذا، ولكنّ يمكن للمحكمة الدّستورية؛ وحتّى بوجود قُضاة في المحكمة الدّستورية، عليهم رفض مشروع القانون الذي يُعتبر مُنافي للدّستور”.

في 18 من شهر أكتوبر/تشرين الأوّل التمس [19]حزب “الجمهورية الشّعبية” (CH)، وهو أكبر حزب مُعارض، لدى المحكمة الدّستورية، إلغاء مشروع القانون لاسيما المادة 29 منه.

الرّقابة على وسائل الإعلام وأكثر من ذلك

لا يُضرّ مشروع القانون هذا بالصّحفيين فقط، بل من المُمكن أن يُحمّل مُستخدمي الإنترنت مسؤولية مشاركة أي منشور، بسبب الصّياغات القانونية المُبهمة. شرح [20] “إيمري إيلكان ساليكا” رئيس تحرير المنصة الإعلامية المُتعلّقة بالتّحقق من الأحداث “Teyit.org” في حوار مع جريدة DW التّركية: “إنّ كلّ مُستخدم لمنصة الإعلام الاجتماعي سيكون مسؤولاً عن أيّ منشور في حدود ما يُخوّله القانون؛ كما من المُمكن أن يُواجه العلماء والاقتصاديون الأحرار [21] عواقب توقعاتهم وتحاليلهم.

في 19 من شهر أكتوبر/تشرين الأوّل، وقّع أكثر من 200 من الكُتاب المشهورين الأتراك على بيان [22] مُدينين مشروع القانون الجديد وكتبوا: “إنّه سيضع البلاد في عُتمة شديدة”.

توجد تقييدات كثيرة مثل إلغاء [20] الأحكام الخاصة بأخلاقيات المهنة حسبما جاء في المادة 34 من مشروع القانون المُصادق عليه مُؤخرًا إذا اكتُشف أنّه يخترقه. تُضيف هذه المادة إلى العقوبات المُقرّرة في مُختلف الجنح؛ وحسب المادة 299 من قانون العقوبات فإن كلّ من يشتم الرّئيس، يمكنه أن يتعرّض للسّجن لمدة أربع سنوات [23]؛ لحدّ السّاعة امتثل طُلاب [24]، وفنانون [25]، وصحفيون [26]، ومحامون [27] أمام قاضٍ. من جهة أخرى تفرض [20] المادتين 36 و37 على التّطبيقات الإعلامية مثل “واتساب” و”سينجنال” و”تليغرام” و”سكايب” تعيين المُمثلين المحليين. يفرض القانون الجديد على المنصات الرّقمية تسهيل الإمداد بالبيانات الخاصة لمُستخدميها إذا طالبتها الحكومة بها.

إنّ التّحكم في منصات وسائل الإعلام الاجتماعية “يُمثل فصلاً جديدًا وصارمًا قبل فترة الانتخابات لسنة 2023″، تقول [5] “سارة كلارك”، المسؤولة عن منطقة أوروبا وآسيا الوُسطى في موقع “المادة 19″ في بيان مُشترك مع منظمة “هيومان رايتس ووتش”. حسب [28] “يامان أكدينيز”، أستاذ القانون ومُؤسّس “جمعية من أجل حرية التّعبير” تشكل “شبكات التّواصل الاجتماعي تهديدًا للحكومة في التّحكم بوسائل الإعلام عامة”، باعتبارها الوسيلة الوحيدة التّي بقيت للنّاس من أجل الحصول على الأخبار كما تُتيح لهم حرية التّعبير…

قبل انتخابات 2015 في تركيا، كثّفت [29] الدّولة عمليات القمع تُجاه وسائل الإعلام عن طريق “حملات إخبارية وترهيب جسدي”. نظّم “عبد الرّحيم بوينوكالين” النائب البرلماني لحزب AKP، وزعيم فئة الشّباب، حملة عنيفة هاجم فيها مقر صحيفة “حرية دايلي نيوز”، الجريدة ذات التوجّه اليساري. لم يُعاقب “بوينوكالين” آنذاك، وبعد مرور سبع سنوات، تمكّن من الحصول على قرار [30] من المحكمة الجنائية لحجب كلّ خبر يشمل تورطه في ذلك الهجوم، بحجة سلب حقوقه الذاتية. بعد صدور القرار القضائي، تمّ حجب أكثر من مائة خبر يشمل ذكر اسمه على الإنترنت.

وزارة الحقيقة في تركيا

تُعتبر الإجراءات الأخيرة مثابة قمة جبل الجليد؛ في شهر أغسطس/آب، شكّلت مديرية الاتصال “مركزًا لمُحاربة الأخبار المُضلّلة”. بالموازاة مع الصّياغات القانونية المُبهمة الخاصة بمشروع القانون المُصادق عليه في 13 من شهر أكتوبر/تشرين الأوّل، لم تتسم الإجراءات التّي اتخذها المركز بالشّفافية إلاّ قليلاً. في بيان نشره “المعهد الدّولي للصّحافة” في تلك الفترة، أعرب عن انشغاله وأنكر اختصاص هذه الهيئة الحكومية “مُحاربة الأخبار المُضلّلة”، ويقول البيان:

The establishment of the centre should be seen in the context of the government’s recent attempts to control the information environment as the country heads towards the next elections.

وجب الأخذ بعين الاعتبار إنشاء المركز حسب السّياق والمُتمثل في المُحاولات الأخيرة للحكومة من أجل التّشديد والتّحكم في الأخبار في الوقت الذّي يتجه البلد إلى الانتخابات المُقبلة.

يضمّ هذا السّياق الحالي مشروع القانون الخاص بالأخبار المُضللة المُصادق عليه مُؤخرًا، وتعديلات قانون الخاص بأخلاقيات المهنة للصّحافة والتّي عرضتها [31] وكالة الإشهار والصّحافة (BİK) خلال شهر يوليو/تموز من سنة 2022، وكذا مشروع القانون الخاص بشبكات التّواصل الاجتماعي [32] وقيود أخرى خاصة بالإنترنت [33]. لحدّ السّاعة، قدّم المركز نشرتين أسبوعيتين مع قائمة من الأخبار والتّي يصفها بالأخبار الكاذبة للأسبوع. في النّشرة الثّانية استند المركز إلى فاجعة انفجار منجم الفحم [34] داخل مُنشأة تابعة للدّولة حيث ذهب ضحيتها 41 من العمال. أكّد المركز أنّ الأخبار التّي تناولت موضوع الانفجار، والتّي يُتهمّ فيها مؤسسات الدّولة بعدم التطبيق الصحيح لإجراءات الأمن، كاذبة [35] وأنّ الدّولة اتخذت الإجراءات اللّازمة لتفادي هذا النّوع من الحوادث.

في شهر أكتوبر/تشرين الأوّل، وبعد تقديم عريضة للمحكمة الدّستورية لإلغاء المادة 29 لمشروع القانون الجديد، وصف [36] نائب الرّئيس للحزب المُعارض CHP “أنجين ألتاي” القانون الجديد، “قانون ستالين” وقال إنّ مشروع القانون الجديد يمنح الدّولة “عرض أكاذيبها وكأنّها هي الحقيقة”.

إنّ المُقاربة بين “ستالين” ومشروع القانون الجديد ليست غريبًا؛ “ستالين” كان أوّل من ابتكر [37] المُفردة “dezinformatsiya” [أخبار كاذبة] وأدمجها [38] في “وكالته الحكومية، ودافع بشدّة عن أكاذيب ضدّ المُعارضين السّياسيين، وخدع المواطنين بحملات كاذبة على نطاق كبير”. إذا ذهبنا بعيدًا عن تركيا الحالية، فإنّ أحداث السّاعة تُقرّ بأنّ “ستالين” وآخرين [39] انتهجوا هذا الطّريق منذ عشرات السنين، ولكنّ على نطاق غير مسبوق.