- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

سوريا: الفرار من الموت إلى الموت

التصنيفات: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, تركيا, سوريا, أخبار عاجلة, الأعراق والأجناس, الدعم الإنساني, الهجرة والنزوح, حروب ونزاعات, حقوق الإنسان, سياسة, صحافة المواطن, علاقات دولية, كوارث, لاجئون, الجسر

أحد أفراد الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) يواسي رجل فقد عائلته بسبب الزلزال. الصورة من بيننا. [1] استخدمت بإذن.

نُشرت [1] هذه المقالة لأول مرة في موقع بيننا، وهي مجلة إعلامية ناطقة باللغتين العربية والإسبانية، في10 شباط/فبراير 2023، بقلم أيهم ساطي. يتم إعادة نشر نسخة محررة هنا، بموجب اتفاقية مشاركة المحتوى.

هل نقول للموت أرحل عنّا؟ أنّه لا يسمعنا، لا يستجيب! يرفض أن يتركنا يلاحقنا أينما ذهبنا. نفرّ منه باتجاه مناطق ودول أخرى أكثر أماناً، لكننا لا نستطيع الوصول إلى برّ الأمان.

هناك في تركيا بدأ زلزال الموت ليلاً في السادس من شهر شباط [2] – فبراير 2023، وما هي إلا ومضة عين حتى اهتزت الأرض، وانقلبت الأبنية بساكنيها، ثم امتد منها إلى سوريا [3] إلى اللاذقية [4]، وطرطوس [5]، وحماة [6]، وحلب [7]، ومنطقة شمال غربي سوريا.

في بلدات ومدن القهر السوري يعرف الناس جيداً الموت، اختبروه على مدى إحدى عشر سنة من الحرب [8]، اختبروا طعم الخوف وشكل الدمار، ليس بجديد على السوريين أن يشاهدوا أبنية مهدمة، وأن يسمعوا صراخ المستغيثين من تحتها، وأن ينتظروا استخراج الجثث من تحت الركام. لئن اختلف طعم الموت إلا أنه يبقى مرّاً.

هناك في جنوب تركيا كان يرقد أحمد سعد الدين السلامات، وزوجته سحاب رياض أبو حصيني، وابنتيهما ديمة وبانة، أنها أسماء وألقاب لهذه العائلة التي تساوي عددها عدد أفراد عائلتي، وهم من بلدتي تسيل في درعا [9] في الجنوب السوري، فروا من الموت السوري الطويل إلى تركيا، لكنهم وجدوه ينتظرهم هناك. مثل هذه الأسماء هناك آلاف وآلاف آخرين رقدوا بسلام في تركيا وسوريا.

لأحمد وسحاب بنتان جميلتان ديمة وبانة، تبلغان من العمر أقل من ست سنوات، عثروا على أربعتهم متعانقين تحت ركام منزل لجوئهم، احتضنوا بعضهم في الدنيا لسنوات، ورفضوا إلا أن يواجهوا الموت متعانقين في بلد آخر غير بلدهم، بعد أن عانوا ما عانوا من مرارة الفرار من الموت إلى مرارة النزوح واللجوء ثم إلى الموت.

ضرب الزلزال منطقة شمال غربي سوريا [10]، التي يحلو لروسيا والنظام السوري تسميتها بالمناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، ويحلو لنا أن نسميها مناطق محررة من سيطرة الديكتاتورية. كثيراً ما تردنا الأنباء [11] عن موت العشرات هناك على يد الطيران الروسي والسوري بشكل متكرر؛ الناس هناك ملّوا الموت اليومي ودمار المنازل والفرار إلى الخيام.

اليوم تعيش هذه المناطق في شمال غربي سوريا، كارثة إنسانية حقيقية [12]؛ حسب الأمم المتحدة كان هناك 14.6 مليون شخصًا [13] يحتاجون للمساعدة منذ سنوات، قبل الزلزال، بسبب تأثرهم بالحصار والقصف المتكرر. اليوم ينتقلون من تهجيرٍ إلى تهجير، ومن خيمة إلى أخرى، ومن ركام إلى ركام.

الأوضاع هناك مأساوية، حيث يعاني القطاع الطبي من حالة هشاشة كبيرة، وهناك شبه غياب لمقدرات الاستجابة الطارئ؛ أما المنظمة الوحيدة التي تعمل على إنقاذ الناس من تحت الأنقاض هي الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) [14]، والتي أعلنت هذه المناطق منذ اليوم الأول للزلزال مناطق منكوبة بسبب تواضع طاقة هؤلاء المتطوعين أمام حجم الكارثة، حيث هناك نقص في المعدات والآليات، إضافةً إلى غياب خطة عمل واضحة بسبب ضخامة الحدث.

تنادي فرق الإنقاذ من هم تحت أنقاض منازلهم، من فضلكم أجيبونا: هل بقي بينكم أحياء؟ يخبرنا العديد من الأصدقاء والزملاء في هذه المناطق المنكوبة أن أصوات العالقين تحت الأنقاض صمتتْ! بسبب تأخر عمليات الإنقاذ [10]. نحن السوريون معتادون على الصراخ وطلب المساعدة دون أن يسمعنا أحد.

يموت السوريون دائماً بصمت، يُسكت الموت صرخاتهم، يموتون دون أن يساعدهم أو يقف بجانبهم أحد، تارةً تحت القصف، وتارةً تحت التعذيب في السجون، ومراتٍ في البحار والمحيطات وهم يبحثون عن مناطق تعطيهم الأمان. انتظر هذه الشعب المكلوم 11 عاماً كي يساعده العالم ويطرق جرس إيقاف الحرب، ولكن الذي حدث فعلاً هو أنه تم قرع طبول الحروب في بلدان أخرى بدلاً من إيقافها.

بعد الزلزال مباشرةً، قال الرئيس التركي، أردوغان تلقينا مساعدات من أكثر من 45 دولة [15]، وعلى بعد كيلومترات قليلة، هناك في شمال غربي سوريا، لم تدخل أي مساعدات بل تُرك الشعب في أخطر ساعات الزلزال وما بعده ليواجه مصيره وموته المحتوم.

من بقي على قيد الحياة هناك ما زال خارج منزله، أطفال ونساء وغيرهم منذ لحظة الزلزال حتى اليوم ما زالوا في الشوارع وسط جوٍّ عاصف، لأن منازلهم إما تهدمت أو تصدعت، وما زال الخوف يعتصر قلوبهم. لا يتلقون أي مساعدات ولو كانت أولية، انقلبت حياتهم رأساً على عقب. الأطفال هناك ما زالوا لا يصدقون ما حدث ويعجزون عن استيعابه، يتساءلون فيما بينهم: هل سيعود الزلزال مرة أخرى؟

حتى لحظة كتابة هذه السطور، لقي أكثر من 1347 شخصاً حتفه وأُصيب ما يزيد على 2300 في محافظات حلب، واللاذقية، وطرطوس، وحماة، وفق ما أكدته [16] وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، ونوهت أنها حصيلة غير نهائية. أما منطقة شمال غربي سوريا فقد أفادت [15] منظمة الخوذ البيضاء بوفاة أكثر من 2037 شخصاً، وأُصيب أكثر من ثلاثة آلاف، كما أكدتْ أن العدد مرشح للارتفاع بشكل كبير، بسبب وجود مئات العوائل تحت الأنقاض.

يبدو أن مناشدات السوريين وصرخاتهم هذه المرة أعلى، يبدو أن حجم الكارثة الطبيعية أكبر من حجم الكوارث المصنوعة بأيدي بشرية، لكن يبقى السؤال المعلّق: هل يجيب السوريين أحد هذه المرة أم يبقى الحال على ما هو عليه، ونزعج العالم بصراخنا يوماً أو يومين وبعدها ينسانا!