الأردن: دِفاعًا عمن؟ الاحتجاج على حالة الطوارئ الدائمة

يَعبُّر شخص بين صفين من قوات الشرطة وسط هتافات المُحتجين، غَيْر مُبالٍ بالاحتجاج. الصورة من التقاط ريا شاربين. مُستخدمة بموجب رُخصة نَسب المُصنَّف - الترخيص بالمثل 4.0 دولي.

يَعبُّر شخص بين صفين من قوات الشرطة، وسط هتافات المُحتجين، غَيْر مُبالٍ بالاحتجاج. الصورة من التقاط ريا شاربين. مُستخدمة بموجب رُخصة نَسب المُصنَّف – الترخيص بالمثل 4.0 دولي.

تُفضِّل كاتبة هذا المقال عدم الكشف عن هويتها لدواعٍ أمنية.

من على شُرفةٍ صغيرة لمنزلًا متهالك في قلب مدينة عمّان، كنتُّ أشاهدُّ الاحتجاجات المستمرة في الشارع أسفلّي حينَّ سألَّ صوتٌ قادمٌ من يميني، “لمصلحة أي وكالة تعملين؟”.

قلتُّ، “ويكيبيديا”، وأضفتُّ، “وأين تعمل أنت؟”، نظرَّ إلّي بإمعان وأجاب “الأمن الوقائي”. حافظتُّ على هدوئي وضحكتُّ قائلة: “نعم، خمنتُّ ذلك. عليكَّ تغيير طريقة لباسك، جميعكم [عناصر المُخابرات] تبدون متشابهين”. قالَّ ساخرًا من كلامي، “هل كلنا نرتدي قُمصانًا بيضاء؟”.

لم أرغب بإيقاف المحادثة بعد، فاستفسرت، “كم مضى على عملِّكَّ مع أمن الدولة؟”. أجاب مازحًا، “منذُّ أن كانَّ البحر الميتُّ حيًا”. قلتُّ، “ليرقد البحر الميتُّ بسلام”. سألني، “ما أسمُّكِ؟” صمتُّ قليلًا، كان عليّ التفكير سريعًا بالاسم الذي سأقوله، قلتُ أخيرًا، “عائشة!”.

وقف هناك مع زملائه، يراقبون الاحتجاج من أعلى دونَّ تركيز. انطلقت هتافات الحشود فور انتهاء صلاة الجمعة في مسجد الحُسيني وَسْط مدينة عمّان.

وقعَّ هذا الاحتجاج قبل عام، يوم الجمعة الموافق 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عندما اجتمعَّ عدد من الأحزاب السياسية المحلية وأفراد الحِراك للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وأنشطة الفساد المُسربة (مع الإشارة مُباشرة لوثائق باندورا المسربة مؤخرًا آنذاك)، وتحديدًا للمطالبة بإلغاء قانون الدفاع. أُقِرَّ قانون الدفاع في مارس/آذار 2020، قبل عامين ونصف، لتخفّيف الآثار الصحية والاقتصادية السلبية الناجمة عن جائحة كوفيد-19.

فيما يُقيم المحتجون صلاة الجمعة، يُهيئ أفراد الشرطة أنفسهم قبل الاحتجاج.

فيما يُقيم المحتجون صلاة الجمعة، يُهيئ أفراد الشرطة أنفسهم قبل الاحتجاج. الصورة من التقاط ريا شاربين. مُستخدمة بموجب رُخصة نَسب المُصنَّف – الترخيص بالمثل 4.0 دولي.

يرفع المحتجين لافتات تقول "وثائق باندورا"، و"لا للاتفاقية الأمريكية"، و"الحُرية للمعتقلين".

يرفع المحتجين لافتات تقول “وثائق باندورا”، و”لا للاتفاقية الأمريكية”، و”الحُرية للمعتقلين”. الصورة من التقاط ريا شاربين. مُستخدمة بموجب رُخصة نَسب المُصنَّف – الترخيص بالمثل 4.0 دولي.

أوامر الدفاع دون أي ضوابط وموازين

عند تفعيله، مَنَحَّ هذا القانون رئيس وزراء الأردن سُلطة واسعة لإصدار أوامر قانونية — تُعرَف باسم “أوامر الدفاع” — سريعًا مع التنفيذ الفوري. تُلغي أوامر الدفاع القوانين العادية، وتُنَفَّذ فورًا دون أي ضوابط وموازين.

تتضمن أوامر الدفاع فرض استخدام الكمامات (أمر الدفاع رقم 20) وتُجَرِّم نشر الأنباء “المروجة للخوف” المتعلقة بالجائحة (أمر الدفاع رقم 8). ثمةَّ حاليًا 36 أمر دفاع، لا يزل العديد منها ساريًا؛ أُلغيَّ بعضها لتسهيل حركة الناس والتجارة.

تقول لافتّة أحد المحتجين، “تُسْتَخْدَم أوامر الدفاع كجِباية ولتكميم الأفواه”. استخدمت السلطات الأردنية أوامر الدفاع لقمع الكثير من أشكال الاحتجاج والتجمُّع. اُستخدِمَّ أمر الدفاع رقم 16 تحديدًا لاتهام واعتقال المُحتجين والناشطين بذريعة واهية تتمثل في أن تَجَمُّعهِم يُفاقم من الوضع الوبائي. هذا رُغم حقيقة توقف وزارة الصحة عن إصدار التقارير اليومية لحالات ووفيات كوفيد-19 وإقرارها بأن الفيروس سيُصبح مُتَوطَّنًا.

تُشكك منظمات حقوق الإنسان في ضرورة قانون الدفاع، لكن، وفقًا لتقارير حديثة، تعتزم الحكومة الإبقاء عليه، مالم تُعلن منظمة الصحة العالمية عن نهاية الجائحة.

رولا الحروب، الأمينة العامة لحزب العُمال الأردني، أثناء إجراء مقابلة إعلامية. تحمل رولا لافتة تقول، "تُسْتَخْدَم أوامر الدفاع كضريبة ولكتم الأصوات".

رولا الحروب، الأمينة العامة لحزب العُمال الأردني، في أثناء إجراء مقابلة إعلامية. تحمل رولا لافتة تقول، “تُسْتَخْدَم أوامر الدفاع كجِباية ولتكميم الأفواه”. الصورة من التقاط ريا شاربين. مُستخدمة بموجب رُخصة نَسب المُصنَّف – الترخيص بالمثل 4.0 دولي.

يجتمع المراسلين حول عضو في حزب الشراكة والإنقاذ.

يجتمع المراسلين حول عضو في حزب الشراكة والإنقاذ. الصورة من التقاط ريا شاربين. مُستخدمة بموجب رُخصة نَسب المُصنَّف – الترخيص بالمثل 4.0 دولي.

حالة الطوارئ تحت ستار الحماية الاجتماعية

فيما أعلن الملك عن خطة لإيقاف أوامر الدفاع في الأشهر المقبلة خلال مايو/أيار 2022، واصلت الحكومة تبرير تنفيذها للقانون مُدعيةً حمايتهُ لأعمال النّاس، وإبقائه لهم بعيدًا عن السجن. يُشيرُّ ذلكَّ لأمر الدفاع رقم 28، الذي يحظر سَجْن الأفراد الذي لديهم دَيْن يقل عن 100 ألف دينار أردني، باعتبارها واحدة من قلائل الدول التي لا تزال تسجن النّاس بسبب الديون غير المسددة.

أُصدِرَّ أمر الدفاع في أواخر مارس/آذار 2021، بعد 12 يوم فقط من إصدار منظمة مراقبة حقوق الإنسان تقرير دامغ حول وضع اعتقالات الدَيْن في الأردن. كان من المقرر انتهاء أمر الدفاع في نهاية 2021، لكنه مُدِّدَّ حتى سبتمبر/أيلول 2022، ومن ثم حتى نهاية 2022 مجددًا.

تزعم الحكومة أن هذا آخر تمديد محتمل لأمر الدفاع، ما يعني كفاية التعديلات المُدخلة على قانون اعتقالات الدَيْن لإبعاد الناس عن السجون. مع ذلك، تُفيد تقارير أن ما يزيد عن 148 ألف شخص يواجهون عقوبة السجن في حال أُهمِلَّ أمر الدفاع الخاص.

علاوة على ذلك، يحظر أمر الدفاع رقم 6 الشركات من خفض الأجور ويُلزِمها بالاحتفاظ بالموظفين حتى القضاء على فيروس كورونا. إلا أن المنظمات غير الحكومية الأجنبية حصلت على استثناء وتمكنت من تسريح موظفيها حتى عندما كان أمر الدفاع قائمًا.

يؤكد رئيس الوزراء بشر الخصاونة أن أمر الدفاع رقم 6 حافظَّ على أكثر من 100 ألف وظيفة.

في الآونة الأخيرة، أعرب رئيس اتحاد العمال المحلي عن دعمه لقانون الدفاع، مُدعيًا بأنه يؤدّي دورًا مهمًا في حماية العمال في ضوء ارتفاع الأسعار والبطالة.

غردت المراسلة هبة الحياة عبيدات ردًا على دعمه:

The public landscape and the prevailing silence may imply that it is a genuine opportunity to exploit it and intrude by using power in the wrong place. However, only the political “teenager” can see this explanation, because this silence will be followed by a latent explosion after the citizen realizes that he has lost everything he owns.

– Hebatulhayat Obeidat (@hebatulhayat) October 21, 2022

قد يوحي المشهد العام والصمت السائد بأنه فرصة حقيقية لاقتناصها والتَّدخُّل في المكان الخطأ باستعمال القوة. مع ذلك، يُمكن لِسْيَّاسِي “المُراهق” وحده رؤية هذا التفسير، لأن هذا الصمت سيتبعه انفجارٌ كامن بعد أن يُدرِكَّ المواطن أنه خسرَّ كل ما لديه.

مُحتج يرفع لافتّة تقول، "المساعدات والمنح في بطون الفاسدين".

الصورة من التقاط ريا شاربين. مُستخدمة بموجب رُخصة نَسب المُصنَّف – الترخيص بالمثل 4.0 دولي.

لا مكان للمُحبط واليائس

اليوم، لا يُذكَّرْ الكثير عن قانون الدفاع، ويُمكن للمرء أن يؤكد بسهولة أن الموضوع ليس من شأن عامة الشعب. تُستخدم الحماية الاجتماعية كحُجة لاستمرار حالة الطوارئ.

تمادى نائب رئيس المركز الوطني لمجلس أمناء منظمة حقوق الإنسان ليزعم أن قانون الدفاع ضَمَنَّ حماية حقوق الإنسان في ظل هذه الظروف “الاستثنائية”.

غردَّ سلطان العجلوني، مؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي، مُعلقًا على حُجج تمديد قانون الدفاع حتى 16 أكتوبر/تشرين الأول:

I say mix this positivity with water… Oh wait you saw the dams, there was no water. Then spray this positivity on us from planes or inject it in us instead of the covid vaccine and this would be an argument in favor of extending the defense law.

– Sultan Ajloni (@AjloniSultan) October 16, 2022

أقول لكم أن تخلطوا هذه الإيجابية مع الماء… مهلًا، جففتم السدود ولم يعد هنالك ماء. إذًا قوموا برشنا بهذه الإيجابية من الطائرات أو لقحونا بها عوضًا عن تلقيحنا بلُقاح كوفيد، بذلك سيكون هناك حُجة لتمديد قانون الدفاع.

مع استمرار القمع، أكدَّ الملك عبد الله الثاني في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، في أثناء افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس النواب التاسع عشر أن البلاد “ليست مكانًا للمُحبطين واليائسين“.

في المقدمة، يتمركز ضابط الأمن العام أثناء الاحتجاج. في الخلف، تعرض واجهة متجر صورًا للملك وولي العهد على جانبي لافتة المتجر.

في المقدمة، يتمركز ضابط الأمن العام أثناء الاحتجاج. في الخلف، تعرض واجهة متجر صورًا للملك وولي العهد على جانبي لافتة المتجر. الصورة من التقاط ريا شاربين. مُستخدمة بموجب رُخصة نَسب المُصنَّف – الترخيص بالمثل 4.0 دولي.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.