- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

“هذه الحياة العربية”: استكشاف شخصي للجيل العربي “الصامت”

التصنيفات: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, إيران, الأردن, السعودية, فلسطين, لبنان, آداب, أديان, النساء والنوع, تاريخ, حروب ونزاعات, سياسة, صحافة المواطن, الجسر

الكاتبة أمل غندور. الصورة مستخدمة بإذن.

تحمل الباحثة والكاتبة اللبنانية الأردنية، أمل غندور [1] في كتابها “هذه الحياة العربية [2]” القرّاء في رحلة تستكشف التاريخ المعقد للشرق الأوسط على مدى نصف القرن الماضي.

تقدم غندور، من خلال المسيرة التي عاشتها كفرد محظوظ من جيلٍ بلغ سن الرشد السياسي في ثمانينات القرن العشرين، منظورًا فريدًا لفهم تعقيدات المنطقة. بدءًا من فترة الهدوء الذي بزغ فجرها في السبعينيات، وصولًا إلى تعقيدات حقبة ما بعد الربيع العربي [3] والصمت المتواطئ لجيلها [4]، يغوص كتاب “هذه الحياة العربية” في استكشاف المنطقة والإضاءة على ماضيها وحاضرها الديناميكي.

في مقابلة عبر البريد الإلكتروني مع “جلوبال فويسز”، تتعمق غندور في مواضيع كتابها، وتتحدث عن الصراعات والتحديات المستمرة التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم.

تم تنقيح هذه المقابلة على النحو التالي توخيًا للإيجاز والوضوح.

مريم أبو عدس: تفيدين أن الانتفاضات العربية عام 2011 كشفت عن صعوبة تنحية [5] الدول [6] البوليسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كيف يمكن للمجتمع المدني والجيل القادم مواجهة هذه الأنظمة الاستبدادية بفعالية أكبر؟ 

Amal Ghandour (AG): In exploring how civil society might confront authoritarian regimes more effectively, we need to be sensitive to the richness of Arab contexts. For starters, we need to define it. This sphere typically includes NGOs, independent political parties, non-state trade and labor unions, professional associations, the independent press, even the private sector. But in most Arab countries, civil society is anemic and beholden to the state; many of its actors are neutralized and its space sprawling with NGOs working in their little silos.

To be effective in transformational change and/or countering repression, this civic ecosystem has to grow claws, and police states have proved very adept at clipping these. It’s a complex dynamic.

Politics is never static, and the reality is that ours are particularly fluid times. The uprisings may have failed [7] in this first round, but so have the regimes. We are at a kind of impasse. The ruling systems have a serious dilemma: they are quite capable of repression, but they are utterly incapable of delivering for the people.

But we really need to be careful not to generalize, and to take each country on its own. There is no one-size-fits-all answer.

أمل غندور: عند البحث في كيفية تصدّي المجتمع المدني للأنظمة الاستبدادية بفعالية أكبر، يجب أن نكون مدركين ومراعين لتعدد السياقات العربية وغناها. وعلينا في بادئ الأمر أن نعرّف المجتمع المدني. فهذا المضمار يشمل عادةً المنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية المستقلة والنقابات التجارية والعمالية غير الحكومية والجمعيات المهنية والصحافة المستقلة وحتى القطاع الخاص. ولكن في معظم البلدان العربية، يعاني المجتمع المدني من ضعف شديد وهو رهينة للدولة، إذ يتم تحييد الكثير من جهاته الفاعلة، فيما يعج بالمنظمات غير الحكومية التي تعمل ضمن صوامع صغيرة. لا بد لهذه المنظومة المدنية أن تُخرج مخالبها لتنجح في إحداث التحول المطلوب و/أو مواجهة القمع، وقد أثبتت الدول البوليسية أنها بارعة جدًا في قص هذه المخالب. إنها ديناميكية معقدة. وليست السياسة ثابتة على الإطلاق، والحقيقة هي أن عصرنا مرن ومتقلب بشكل خاص. ربما تكون الانتفاضات قد فشلت [7] في الجولة الأولى، ولكن الأنظمة فشلت أيضًا. نحن أمام طريق مسدود نوعًا ما، إذ أن الأنظمة الحاكمة تواجه معضلة خطيرة: فهي قادرة تمامًا على القمع، ولكنها غير قادرة مطلقًا على تقديم الخدمات للشعب. مع ذلك، يجب أن نتوخى الحذر حتى لا نعمم، وأن ننظر في كل بلد على حدة. فما من إجابة واحدة تنطبق على الجميع.

مريم أبو عدس: بناءً على بحثك في الماضي والتطورات الإقليمية اليوم، ما الاتجاه الذي تتصورين أن تسلكه المنطقة، وأين مكانة جيل البرجوازية العربية “الصامت في هذا المستقبل؟

AG: It’s early days. We need to appreciate the unpredictability of the moment and parse the region. Each country and corner of the Arab world has its own peculiarities, rhythms and prospects. Still, we can discern a couple of region-wide emerging patterns and trends.

We are in a post-ideological age strangely unencumbered by grand ideologies of any bent, including, I dare say, Islamism [8], which has been bleeding for quite a while now. The political arena has been wiped clean. It’s cathartic and disorienting.

In recent years, we have seen post-Islamism beginning to gain strength in the Middle East. And today, we see signs that the Saudi Kingdom and Islamic Republic are poised to lend momentum to its expansion.

Israel’s own trajectory strongly suggests that we are upon an extremely dangerous time for both Israelis and Palestinians. The impunity [9] with which the Israeli state is putting on full public display its racist, anti-Palestinian, and fundamentalist character is almost sure to provoke major crises between the river and the sea, whose consequences could well be seismic. And where does the silent Arab “bourgeoisie” fit in all this? I tend to be at my most skeptical when it comes to my “class.” We have proved ourselves hardcore pragmatists and committed incrementalists. We may be very well aware of the urgency of our problems, but unless our interests are genuinely threatened by the status quo or the situation becomes untenable, I suspect we will content ourselves with quiet advocacy — if that.

أمل غندور: ما زلنا في البداية. يجب أن نقدّر العجز عن التنبؤ باللحظة المقبلة وتحليل المنطقة. لكل بلد وركن في العالم العربي خصائصه وإيقاعاته وآفاقه الخاصة. ولكن يمكننا تمييز بعض الأنماط والاتجاهات الناشئة على صعيد المنطقة ككل. نعيش في عصر ما بعد الأيديولوجيات، والغريب أنه غير مثقل بأيديولوجيات كبرى من أي نزعة كانت، بما في ذلك الإسلاموية [10] التي بدأت تضمحلّ منذ فترة طويلة. لقد تم تنظيف الساحة السياسية. إنه أمر مطهِّر ومربك. في السنوات الأخيرة، شاهدنا مرحلة ما بعد الإسلاموية التي بدأت تكتسب الزخم في الشرق الأوسط. واليوم، نرى دلالات تشير إلى أن المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية على استعداد لدعم توسعها. حتى أن مسار إسرائيل نفسه يشير بقوة إلى أننا أمام مرحلة خطيرة للغاية بالنسبة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. فالدولة الإسرائيلية تجاهر علنًا بطابعها العنصري والأصولي والمعادي للفلسطينيين بدون أي عقاب [11]، ومن شبه المؤكد أن يثير هذا الإفلات من العقاب أزمات كبيرة بين النهر والبحر، مع احتمال أن تكون العواقب كارثية. وأين هي “البرجوازية” العربية الصامتة من هذا كله؟ يتعاظم عادةً ارتيابي إلى حده الأقصى عندما يتعلق الأمر “بطبقتي”. لقد أثبتنا أننا براغماتيون متشددون وتدرُّجيون ملتزمون. وربما ندرك جيدًا مدى إلحاح مشاكلنا، ولكن ما لم تكن مصالحنا مهددة حقًا بالوضع الراهن أو ما لم يصبح الوضع غير مقبول، أظن أننا سنكتفي بالمناصرة بهدوء – على أبعد تقدير.

غلاف كتاب “هذه الحياة العربية”. الصورة مقدمة من الكاتبة ومستخدمة بإذن.

مريم أبو عدس: كيف يفسر السرد التاريخي في الكتاب روايات العرب “غير الصامتين”، هؤلاء الأبطال المجهولون الذين تحدّوا الوضع الراهن؟ ما أكبر درس يمكن تقديمه لجيل جديد يخاطر بحياته على الخطوط الأمامية للاحتجاجات، أو يعمل على الدفاع عن الحيّز المدني في المنطقة؟

AG: Oh, boy! You’re breaking my heart here. I certainly hope that the book is not misunderstood as being in any way dismissive towards the many unsung (and sung) heroes that grace our contemporary history. They count and have their place in our story even if their efforts, in the end, did not succeed in guiding us towards a more promising present.

But I certainly think that these heroes in their context and time deserve more attention, and we have recently seen superb scholarship with such purpose and emphasis. Elizabeth Thompson’s How the West Stole Democracy from the Arabs  [12]stands out in this genre.

As for the lessons for those fighting on the frontlines, there are few. One of the most consequential constants in our Arab predicament is incessant, often aggressive, foreign interference in our affairs. Those activists you mention have no genuine regional or international allies, and when they do, it’s a fleeting, cynical and capricious alliance. That presents a genuine dilemma. You can’t insulate the political battlefields.

Protests alone, no matter how loud and frequent and big, will not deliver regime change or systemic reforms. Mobilization is not organization, and fury is not strategy. The key to sustained grassroots pressure is organized politics: mass disobedience campaigns, sit-ins, strikes, agitation, worker and professional bodies joining and fueling dissent. Of course, police states are particularly adept at breaking or fragmenting it.

We have seen activists in more than one Arab country quickly grow very confident, even euphoric, at the first sign of seeming trouble for regimes. They tend to underestimate the resilience of the system, overestimate their own strength and misjudge the level and extent of dissent required to force a serious conversation with the state.

So, apathy has no place in this picture. Every inch counts and every small victory matters to people’s quality of life.

أمل غندور: يا إلهي! أنت تفطرين قلبي. آمل بالتأكيد ألا يُساء فهم الكتاب على أنه يستهين بأي شكل من الأشكال بالأبطال المجهولين (وغير المجهولين) الكثُر الذين يزيّنون تاريخنا المعاصر. فهم مهمّون ولهم مكانهم في قصتنا، حتى لو لم تنجح جهودهم في النهاية في توجيهنا نحو حاضر واعد أكثر. لكنني أعتقد حتمًا أن هؤلاء الأبطال، في سياقهم وعصرهم، يستحقون المزيد من الاهتمام، وقد رأينا مؤخرًا دراسات مذهلة مخصصة لهذا الغرض وتصب في محور التركيز هذا، ومن أبرزها كتاب إليزابيث طومسون “كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب [12]“. أما بالنسبة إلى الدروس التي يمكن أن يتعلمها الذين يقاتلون على الخطوط الأمامية، فهي قليلة. إنّ أحد أهم الثوابت في مأزقنا العربي هو التدخل الأجنبي المستمر، والعدواني غالبًا، في شؤوننا. وليس لدى هؤلاء النشطاء الذين ذكرتهم حلفاء إقليميون أو دوليون حقيقيون، وإن وجدوا، فهذا التحالف يكون عابرًا وأنانيًا ومتقلبًا. إنها معضلة حقيقية. لا يمكن عزل ساحات القتال السياسية. إن الاحتجاجات وحدها، مهما كانت صاخبة ومتكررة وكبيرة، لن تؤدي إلى تغيير النظام أو إصلاح الجهاز بأكمله. فالتعبئة لا تعني التنظيم، والغضب لا يعني استراتيجية. لكن السبيل للحفاظ على الضغط الشعبي هو السياسة المنظمة: أي حملات عصيان جماهيري، واعتصامات، وإضرابات، وتحريض، وانضمام الهيئات العمالية والمهنية إلى المعارضة وتأجيجها. وبالطبع، الدول البوليسية بارعة بشكل خاص في إخضاع المعارضة أو تفكيكها. لقد رأينا نشطاء في أكثر من بلد عربي يزدادون ثقةً بالنفس سريعًا، لا بل تتملّكهم النشوة، عند أول بادرة اضطراب ظاهري داخل الأنظمة الحاكمة. وبالعادة يستهينون بمرونة النظام، ويبالغون في تقدير قوتهم، ويسيئون تقدير مستوى المعارضة ونطاقها المطلوب لفرض محادثة جدية مع الدولة. لذلك، لا مكان للخمول في هذه الصورة. كل شبر مهم وكل انتصار صغير مهم لضمان جودة حياة الناس.

مريم أبو عدس: عندما نسجتِ طفولتك في السياق السياسي لتاريخ المنطقة، كم كان صعباً تقديم سرد تاريخي للأحداث مع تجنب استرجاع الذكريات من منظور وردي متفائل؟ كيف أثّر ذلك في عملية التأليف؟

AG: Memory is a deceptive friend. You think it’s there to give your past depth and perspective, but oftentimes it plays tricks on you. I was aware that, in looking back on my childhood and teenage years, my recollections might paint them as happier and perhaps more hopeful than they actually were. My renderings of old Amman [13] and Beirut [14], as well. I wanted to be faithful to that uncertainty in the text. And so, my descriptions are often infused with a tentativeness that is alert to the passage of time and the mind’s hesitations.

أمل غندور: الذاكرة صديق مخادع. تعتقدين أنها تعطي ماضيك عمقًا ومنظورًا، ولكنها في أكثر الأحيان تخادعك. كنت أدرك أنه عند استرجاع سنين طفولتي ومراهقتي، قد ترسمها ذكرياتي بصورة أسعد وربما أكثر تفاؤلًا مما كانت عليه فعليًا. هذه حال أخباري عن عمان [15] القديمة وبيروت [16] أيضًا. أردت أن أكون مخلصة لتلك الشكوك في النص. وهكذا، غالبًا ما جاءت أوصافي ممزوجة بتردد يأخذ في الاعتبار مرور الوقت وتردد العقل.

مريم أبو عدس: كيف يمكن للكاتبات أن يروين قصصهن بشكل أكثر فعالية في منطقة تخضع فيها النساء لمستويات عالية من الرقابة الذاتية، ويتعرّضن لهجمات جسدية ورقمية على حريتهن في التعبير؟

AG: That’s a very good question, and, alas, I have no easy answers. The truth is that we (Arab men and women) live in very difficult settings. The rules for one and all are onerous. What little breathing space we enjoy is, to a large extent, determined by family, education, income, locale, social context, character. And what is quite bad for society at large is even worse for us women, for all the obvious reasons.

It’s just a very hard slog. And there is no path to progress but persistent, relentless, nimble pushback. Look at what Iranian women have achieved in education and the literary field, for example, over the past 40 years in spite of the Islamic Republic’s belligerence and society’s own prejudices. Look at them now. Is it an unvarnished triumph? Of course not; but it certainly is a feat. And it’s instructive, not only about what can be accomplished but also about what it takes to make strides.

Recently, throughout the Arab world, new media platforms and digital rights organizations have emerged. This young generation is truly intrepid, showing a lot of grit and creativity in both wrongfooting and circumventing social strictures and state controls.

I am not entirely pessimistic on this front. It’s an evolving story. There truly is nothing static about it.

أمل غندور: هذا سؤال جيد جدًا، وللأسف، ليس لدي إجابات سهلة. الحقيقة هي أننا (الرجال والنساء العرب) نعيش في بيئات صعبة للغاية. فالقواعد المطبّقة على الفرد وعلى الجماعة مرهقة. وإذا حدث أن تمتّعنا بفسحة صغيرة للتنفس، تكون خاضعة، إلى حد كبير، للعائلة والتعليم والدخل، والمحلة، والسياق الاجتماعي، والشخصية. وما هو سيء للمجتمع ككل هو أسوأ بالنسبة إلينا نحن النساء، وذلك لأسباب واضحة. إنها مهمة شاقة جدًا. وطريق التقدم الوحيد هو المقاومة بذكاء والمواظبة بلا هوادة. انظري إلى ما حققته المرأة الإيرانية في التعليم والمجال الأدبي، على سبيل المثال، على مدى السنوات الأربعين الماضية على الرغم من عدوانية الجمهورية الإسلامية وتحيزات المجتمع نفسه. انظري إليهنّ الآن. هل هو انتصار مطلق وناصع؟ بالطبع لا، لكنه بالتأكيد عمل فذ. وهو أيضًا توجيهي، ليس بشأن ما يمكن تحقيقه فحسب، ولكن أيضًا حول ما يلزم لتحقيق خطوات مهمة. في الآونة الأخيرة، ظهرت في جميع أنحاء العالم العربي منصات إعلامية جديدة ومنظمات حقوق رقمية. هذا الجيل الشاب جريء حقًا ويُظهر قدرًا كبيرًا من العزيمة والإبداع في إيقاع الخصوم في مواقف صعبة، والتحايل على القيود الاجتماعية وضوابط الدولة. لستُ متشائمة تمامًا على هذا الصعيد. إنها قصة تتطور وتتغير. لا يوجد شيء ثابت فيها.