توتر العلاقات بين السويد وتركيا بعد إحراق سياسي يميني متطرف للقرآن

تراجعت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والسويد بعد قيام السياسي الدنماركي اليميني المتطرف المناهض للمهاجرين، راسموس بالودان بحرق مصحف أمام السفَارة التركية في ستوكهولم في 11 يناير/كانون الثاني. أدانت تركيا سريعًا، وكذلك بيان مكتب رئيس الوزراء السويدي الذي وصف الفعل بأنه “غير محترم” لكن الصدع لا يزال قائمًا.

انسحبت تركيا من اجتماع كان مقرر في بروكسل، بين السويد وفنلندا وتركيا في فبراير/شباط، كان يهدف لإنهاء المواجهة الدبلوماسية بشأن محاولة فنلندا والسويد الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أعلنت السويد وفنلندا قرارهما بالانضمام إلى الناتو. مع ذلك، يجب الموافقة على القرار بالإجماع من قبل جميع الدول الأعضاء 30. قالت تركيا، العضو في الناتو خلال العام الماضي، إن لم تلب البلدين مطالبها، فلن توافق على العرض، “مستشهدة بتاريخهما في استضافة أعضاء الجماعات الكردية المتشددة، وتعليق السويد مبيعات الأسلحة لتركيا منذ عام 2019 بسبب عملية أنقرة العسكرية في سوريا”، وفقًا لصحيفة الجارديان. بالإضافة إلى تركيا، استخدمت المجر حق النقض ضد قرار البلدين بالانضمام إلى التحالف. أشارت فنلندا إلى أنها ستنضم إلى التحالف دون السويد إذا استمر الخلاف.

ألغت تركيا أيضًا الزيارة المقبلة التي سيقوم بها وزير الدفاع السويدي في 27 يناير/كانون الثاني كون الاجتماع لم يعد مهمًا. في حديثه في مؤتمر صحفي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في غياب الاحترام تجاه المسلمين وتركيا “لن ترى [السويد] أي دعم منا بشأن قضية الناتو”. كما ردد بيان صادر عن وزارة الخارجية التركية كلمات الرئيس ووصف الفعل بأنه “تافه” و”غير مقبول”. جاء في البيان أن “هذا العمل الحقير هو مثال آخر على المستوى المقلق الذي وصلت إليه الإسلاموفوبيا، والحركات العنصرية والتمييزية في أوروبا”.

بعد حرق القرآن في ستوكهولم، عقد متظاهرون سلسلة من الاحتجاجات خارج القنصلية العامة السويدية في اسطنبول، حيث أحرق المشاركون العلم السويدي، ورددوا هتافات ضد السويد، وعلقوا لافتة على نافذة القنصلية كتب عليها “نحن لا نشارك رأي الأحمق الذي يحرق الكتب”، لكنها لم تفعل الكثير لتهدئة التوترات. في 25 يناير/كانون الثاني اعتقل رجل خارج مبنى القنصلية في اسطنبول بعد توجيه مسدس إلى المبنى. بينما قالت مؤسسة ديانة، أعلى هيئة دينية في تركيا، إنها ستسعى لاتخاذ إجراءات قانونية لحرق الكتاب المقدس. قال علي أرباش، مدير الهيئة: “سنرفع صوتنا ليس فقط ضد حرق القرآن في السويد، ولكن أيضًا ضد الهجمات المعادية للإسلام في الدول الأوروبية”.

أدانت عشرات الدول الإسلامية الأخرى إحراق الكتاب المقدس. دعا البعض لمقاطعة البضائع السويدية، بينما دعا البعض الآخر إلى إغلاق البعثات الدبلوماسية السويدية.

عرض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس وجهة نظر مختلفة حول الأحداث الجارية. قال برايس في مؤتمر صحفي: “حقيقة الأمر هي كون هذا الفرد خاص، ومحرض، وربما سعى عمدًا لتفريق شريكين مقربين لنا – تركيا والسويد. قد يكون قد سعى عمدًا للتأثير على المناقشات الجارية بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي “.

كاريكاتير اليوم

بعد وقت قصير من الحادث، ظهرت مزاعم بأن الصحفي السويدي تشانغ فريك هو الشخص الذي يقف وراء أفعال بالودان في وسائل الإعلام. وغرد فريك قائلاً إنه حاول إقناع بالودان بعدم حرق الكتاب.

وقال فريك في مقابلة مع Insider.ru، منصة الصِّحافة الاستقصائية، المسؤول السابق عن شركة Ruptly، التابعة لروسيا اليوم، إنه رغم دفعه لثمن تصريح تنظيم الاحتجاج، “لم يطلب من أي شخص حرق الكتاب الديني”.

في مقابلة أخرى مع SVT الإعلامية السويدية، قال فريك إن الفعل يتعلق بحرية التعبير “هذا يتعلق بحرية التعبير. هل يجب أن نحد من حريتنا في التظاهر والتعبير بسبب قوة أجنبية؟ إذا لم يكن لدينا تشكيل رأي حر، يمكنك إغلاق وسائل الإعلام الحرة.”

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحرق فيها بالودان، ذو الجنسية السويدية القرآن في مظاهرة. كما أدين بالعنصرية في عام 2021 على الرغْم عدم تنفيذه لعقوبة بالسجن.

جاء حرق بالودان للقرآن في أعقاب حادثة أخرى وقعت في 12 يناير/كانون الثاني، علق فيها المتظاهرون دمية للرئيس التركي على عمود إنارة خارج قاعة مدينة ستوكهولم. في أعقاب الحادث أعربت تركيا عن رفضها لقرار الحكومة السويدية بعدم إجراء مزيد من التحقيقات مع الجناة.

كما جعل تنظيم الاحتجاجات، من قبل مجموعة مرتبطة بحزب العمال الكردي (PKK)، مصنف كمنظمة إرهابية في تركيا وحلفائها الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الحادث أكثر شخصية لحكومة تركيا.

لا يكمن السبب الحقيقي، وراء قرار تركيا منع محاولة السويد الانضمام إلى الناتو، في الاحتجاج أو حرق القرآن. بحسب الصحفي والباحث جوني يلدز، فإن “قرار تأخير أو منع العضوية السويدية والفنلندية، لا ينبع من الاحتجاجات المناهضة لتركيا أو أردوغان في ستوكهولم، أو حرق نسخة من القرآن من قبل سياسي يميني متطرف. إن منع أنقرة للوصول إلى [فنلندا والسويد] هو خطوة تكتيكية تهدف إلى موازنة علاقتها مع روسيا، واستخدامها كوسيلة ضغط ضد الغرب لانتزاع التنازلات.” لولا ذلك، لكانت تركيا قد انسحبت من الناتو كمسألة مبدأ، بالنظر إلى المشاعر السائدة المناهضة لأردوغان، والمعادية لتركيا في دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، كما كتب يلدز.

قال أومر تاشبينار الزميل البارز غير المقيم في مركز معهد بروكينغز للولايات المتحدة وأوروبا، في مناقشة أجريت مؤخرًا حول Medyascope إن تركيا مهتمة أكثر بالجلوس مع إدارة بايدن ومعرفة ما إذا كانت العلاقات بين البلدين ستتحسن.

يتم استخدام عضوية السويد وفنلندا كورقة مساومة في أيدي تركيا، التي تم تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات. أوضح تاشبينار: “يعتقد [الرئيس] أردوغان أن الأهمية الاستراتيجية لتركيا قد زادت [في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا]، وأن الغرب بحاجة إلى تركيا في هذه المرحلة”. في حديثه في نفس البرنامج، قال مدير برنامج تركيا التابع لمعهد الشرق الأوسط، وزميله الأسبق في مبادرة أوروبا الحدودية غونول تول، إن تركيا كدولة “قوة وسطى”، “تستخدم التوترات بين القوى الأكبر لفتح طريق لمناوراتها الخاصة، لذلك فتح أردوغان مجالًا للمناورة في الساحة الدولية مع روسيا وحلف شمال الأطلسي ضد بعضهما.”

ينظر آخرون إلى التوترات الدبلوماسية الأخيرة على أنها “محاولة لصرف انتباه الناخبين عن أزمة تكلفة المعيشة وإبراز صورة كرجل دولة دولي”، قبل الانتخابات العامة في 14 مايو/أيار، كما وصفتها رويترز. يوافق سنان أولجن الدبلوماسي التركي السابق.

كتب أولجن في مقالته لصحيفة Project Syndicate، “من خلال الإعلان عن معارضته للعطاءات الفنلندية والسويدية، بدلاً من اختيار الدبلوماسية الهادئة، يأمل أردوغان أن تساعد القضية في تعزيز دعمه أمام العامة” قبل الانتخابات.

من بين أولئك الذين يعتقدون أن أردوغان ينتهز الفرصة قبل التصويت العام، عضو مجلس النواب اللتواني لوريناس كاشيوناس، رئيس اللجنة البرلمانية للأمن القومي والدفاع. يتوقع كاسيوناس أن تنضم كل من السويد وفنلندا إلى الناتو قبل قمة الحلف المقبلة في فيلنيوس في يوليو/تموز، ولكن بعد الانتخابات الوطنية في تركيا. كما يتوقع وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو اتخاذ قرار بعد الانتخابات المحلية. في الوقت الحالي، تم تعليق المفاوضات، والوقت الوحيد هو الذي سيحدد ما إذا كان موقف تركيا المناهض لحلف الناتو قد تم إطلاقه حقًا بسبب المشاعر المعادية للإسلام، أو ببساطة الضغط قبل الانتخابات والمناورات الاستراتيجية.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.