ماذا يعرف العالم عن المجاعة السوفيتية، و’هولدومور’ الأوكرانية في الثلاثينيات؟

مشاة بجانب جثة رجل مات جوعًا في الطريق في خاركيف، أوكرانيا، الاتحاد السوفيتي عام 1932. صورة من المجال العام، من أليكساندر وينربيرغر —الأرشيف الأبرشيّ لفيينا (Diözesanarchiv Wien)/BA Innitzer من ويكيبيديا.

أحيا العديد من الأوكرانيين الذكرى التسعين لمأساة هولدومور، بمشاركتهم ذكريات عائلاتهم عن تجربة المجاعة المدبرة في أوكرانيا السوفيتية بين عامي 1932 و1933، التي قتلت الملايين من الأوكرانيين، ودفعني ذلك للتساؤل عن حجم معرفة الكوكب بها في وقتها.

هولدومور -مصطلح يمكن ترجمته إلى “مجزرة الجوع”- جزء من مجاعة أكبر ضربت المناطق الكبرى المنتجة للحبوب في الاتحاد السوفيتي، بما فيها كوبان جنوب روسيا، وكازاخستان، والقوقاز، لكن رد حكومة موسكو كان الاستهداف القمعي لفلاحي أوكرانيا وحرمانهم من الطعام، مما دفع بالمثقفين والحكومات لتصنيفها كإبادة جماعية. وفقًا لموسوعة بريتانيكا؛ “من قرابة خمسة ملايين وفاة في الاتحاد السوفيتي، أربعة ملايين كانوا أوكرانيين”.

قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2022، اعترفت أوكرانيا و14 دولة أخرى أن هولدومور كان فعلَ إبادة جماعية للأوكرانيين من قبل نظام جوزيف ستالين الاستبدادي. بحلول الذكرى التسعين، اعترفت أيضًا كل من ألمانيا وإيرلندا ومولدوفا ورومانيا والبرازيل وجمهورية التشيك والفاتيكان بالإضافة للمعارضة البيلاروسية في المنفى بالإبادة رافعين العدد إلى 22 دولة.

تضمنت الإجراءات القمعية المنظمة المرتكبة ضد الأوكرانيين في الاتحاد السوفيتي عامي 1932 و1933، الاستيلاء على الحبوب الأوكراني، وقطع الحدود بين أوكرانيا السوفيتية، وباقي الجمهوريات السوفيتية، وحرمان المناطق المتأثرة من الطعام.

في أوكرانيا، يصادف يوم ذكرى هولدومور في رابع سبت من نوفمبر/تشرين الثاني، لكن ذكرى هولدومور ليست شائعة خارج أوكرانيا، لذلك استخدم العديد من الأوكرانيين وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للتوعية حول المسألة، خصوصًا لاعتبارهم الاعتداء الروسي الحالي على البلاد استكمالًا لذات القمع السلطوي.

على سبيل المثال، وضحت الصحفية مارجو جونتار كيف استخدم جدها الأكبر حذاءه ليسرق الحبوب من مخزن ليطعم عائلته:

جدي الأكبر ميكولا كان رجلًا طويلًا وسيمًا. عندما بدأ السوفيت بتطبيق هولدومور -كانوا يأخذون الطعام من الأوكرانيين، كانوا يجوعوننا- وجد ميكولا وظيفة في مخزن للحبوب. كان كلما يذهب للعمل، يلبس حذاءً عاليًا ويتمشى في المخزن.

نشرت حسابات أخرى مقتطفات مؤلمة من قصص عائلاتهم المتناقلة.

مات الأخ الأصغر لجدتي من الجوع. ذهب والده، أي والد جدتي، إلى موسكو من أوكرانيا ليجلب الطعام لزوجته وأطفاله الخمسة. عندما عاد، كان ابنه فاسلي قد مات. كان الأصغر، الأضعف. لن نسامحك أبدًا يا روسيا

في المقابل، طرح المؤرخ تاراس بيلوس قصة غير مألوفة عن تهريب والد جدته الكبرى لكيس من الحبوب من منطقة ليبيتسك في روسيا إلى دومباس في أوكرانيا.

اليوم هو يوم ذكرى هولدومور.

ربما لدى معظم الأوكرانيين (باستثناء أوكرانيا الغربية التي لم تكن جزء من الاتحاد السوفيتي حينها) قصة عائلية عن هولدومور. أنا أيضًا، لكنها غير اعتيادية بعض الشيء.

بعد قراءة هذه الشهادات، بدأت أتساءل عما يمكن أن عرفه أسلافي، الذين عاشوا في ثلاثينيات القرن الماضي، عن هذه الأحداث. لم أستطع الحصول على شهادة مباشرة من جديّ وجدتيّ لأنهم متوفون، لذا قررت البحث في النسخ المحفوظة من جرائد تلك المرحلة، المتاحة في مملكة يوغوسلافيا في أرشيف المكتبة الوطنية الصربية المتوافر على الشبكة.

أشك قراءتها من قبل أحد أجدادي، فقد كانوا أطفالًا في 1932، لكن أعتقد أنها تعكس الوعي العام ضمن الإعلام اليوغوسلافي في بداية المجاعة.

نشرت أول مقالة من هذا النوع في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1932 في الصفحة الأولى من جريدة فريمي في بلغراد، وهي قصيرة بما يكفي لترجمتها بالكامل.

Ужасна глад у Совјетској Русији

Глад је већа од оне 1921  године

Варшава, 29 новембра. — Пољски листови објављују онеспокојавајуће вести о глади у Русији. Садашња глад, у погледу ужаса, надмаша глад иѕ 1921 године. Цене намирница  скачу из дана у дан, и достижу већ фантастичне бројеве. Пола килограма масла продаје  се данас ѕа 20 рубаља (400 динара), кило сапуна за  20 рубаља, четврт литра млека за  четири рубље…

Чак и страни инжињери пате од ове несташице, јер се у провинцији ништа не може купити, чак ни са страним валутама. Ова ситуација изазвана је нарочито отпором сељака против политике совјетске владе.

По пољским листовима странци говоре нарочито о запуштеном стању земљорадничке културе. Сама „Правда“ бележи, да је коров по њивама у Кавказу висок преко једног метра. (Време)

مجاعة مروعة في روسيا السوفيتية

مجاعة أسوأ من تلك في عام 1921

وارسو، 29 نوفمبر/تشرين الثاني. — تنشر الصحف البولندية أخبارًا مفزعة عن المجاعة في روسيا. تفوق المجاعة الحالية على صعيد الذعر مجاعة 1921. تزداد أسعار المنتجات الغذائية يوميًا بالغةً أرقام خيالية. اليوم، يباع نصف كيلوغرام من الزيت بعشرين روبل (400 دينار)، كيلو من الصابون بعشرين روبل، ربع ليتر من الحليب بأربعة روبل.

يعاني حتى المهندسون الأجانب من هذه الندرة لأنه لا يمكن شراء أي شيء في البلاد حتى بالعملات الأجنبية. سببُ هذه الأزمة هو معارضة الفلاحين لسياسة الحكومة السوفيتية.

تقتبس الجرائد البولندية شهادات الأجانب عن إهمال الزراعة. حتى [جريدة النظام السوفيتي] برافدا أشارت إلى بلوغ طول الأعشاب في الحقول القوقازية ما يفوق المتر. (فريمي)

يجب ملاحظة أن يوغوسلافيا كانت على دراية كبيرة بأوضاع روسيا السوفيتية بما فيها مجاعة 1921-1922، التي تسببت بها الحرب الأهلية الروسية. حينها استقبلت يوغوسلافيا أكثر من 40 ألف لاجئ، أو مهاجر روسي أبيض، من الفارين من الحكم الشيوعي في بداية العشرينات.

الأسعار المدرجة في المقالة باهظة، حتى إن اعتبرنا أن سعر الصرف الرسمي الروسي كان يزيد من تقييم الروبل. في 31 ديسمبر/كانون الأول 1931، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن “الروبل يساوي 50 سنتًا بشكل اسمي”. باستخدام حاسبة التضخم، يتضح أن القيمة الاسمية للروبل في عام 1932 كانت حوالي 11 دولارًا أمريكيًا بالنسبة للقيمة الحالية. بالتالي، فإن الأسعار المذكورة في المقالة، بعد التعديل للتضخم، ستكون على النحو التالي: كيلوغرام واحد من الزيت بحوالي 440 دولارًا أمريكيًا، كيلوغرام واحد من الصابون بحوالي 220 دولارًا أمريكيًا، ولتر واحد من الحليب بحوالي 176 دولارًا أمريكيًا.

كان “المهندسون الأجانب” المذكورون في المقالة بشكلون عاملاً رئيسيًا في الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، حيث يعتمد التحديث الصناعي، الذي كان أحد أولويات نظام ستالين، على المعرفة والتكنولوجيا المستوردة من الغرب، بما في ذلك إقامة خبراء أمريكيين لفترات طويلة للمساهمة في بناء المصانع السوفيتية، وكانت إحدى المسببات الرئيسية لمجاعة هولودومور، هي حاجة الاتحاد السوفيتي لزيادة صادرات الحبوب للحصول على عملات صعبة، للدفع للشركات الأجنبية مقابل واردات كتلك المتعلقة ببناء المصانع العسكرية والصناعية.

ذكرت صحيفة فريمي في عددها المنشور في 1 يناير/كانون الثاني 1933، وبمقالة تحمل عنوانًا مثيرًا للجدل “الحرب الأهلية في روسيا” مستشهدةً بصحيفة ألمانية، أن اضطرابات الفلاحين تجاوزت أوصاف “الاستياء” و”التمرد” و”الانتفاضة”.

Реон је цео југ и југоисток совјетске Уније. Званични назив овога што се тамо одиграва јестее борба против кулака. Међутим за све је јасно да су то не кулаци већ баш колхозници, тј. они сељаци који су вођени самом совјетском влашћу. И сада се совјетска власт ухватила у коштац са њима борећи се за свој даљи опстанак и живот!
Узроци су сасвим јасни: потпуна пропаст економске политике. Виљем Штајн, добро обавештени московски дописник „Фосише цајтунг“ пише: „Пропаст социјалистичке земљорадње више се не може оспоравати“. Исто тако добро обавештени „Социјалистички весник“ доноси чланак под насловом „Ишчезла је друга Пјатилетка“ и ту позивајући се на совјетску штампу прича о томе како се после „свечаних фанфара за време припрема друге пјетилетке” та реч потпуно изгубила из стубаца совјетских новина.
Пропаст на пољопривредном фронту и пропаст на индустријском фронту!
Зар то нису озбиљни узроци грађанског рата?

المنطقة المتأثرة (المقاطعة) هي جنوب الاتحاد السوفيتي وجنوب شرقه بأكملهما. التسمية الرسمية لما يحدث هناك هي مكافحة الكولاك (الفلاحين الأثرياء المعارضين للثورة). مع ذلك، من الواضح للجميع أن هؤلاء ليسوا كولاك، بل هم كولخوز، أي فئة الفلاحين الذين قادتهم السلطات السوفيتية من قبل، والآن تقاتلهم الحكومة السوفيتية في كفاحها لإطالة بقائها وحياتها! الأسباب واضحة تمامًا: الكارثة الكبرى التي تسببت بها سياساتها الاقتصادية. كتب فيلهلم شتاين، مراسل موسكو المطلع جيدًا لصحيفة فوسيشه تسايتونج، أن “انهيار قطاع الزراعة الاشتراكي لا يمكن إنكاره بعد الآن”. نشرت الصحيفة الاشتراكية المطلعة أيضًا مقالةً بعنوان “اختفاء الخطة الخمسية الثانية”، مشيرة إلى أنه بعد “الكثير من الجعجعة خلال إعداد الخطة الخمسية الثانية”، لم نعد بعد نسمع عن هذا المصطلح في الصحافة السوفيتية. كارثة في مجال الزراعة ومجال الصناعة! أليست هذه الأسباب كافية لبدء حرب أهلية؟

تغطي المقالة بعدها تفاصيل عن الحملة العقابية التي قام بها النظام السوفيتي بقيادة البلشفي الخبير وعضو اللجنة المركزية لمدة طويلة أناستاس ميكويان (1895-1978).

Сада су један део Украјине на левој обали Дњепра, затим Донски округ и Кубањ где је устало неколико хиљада козака, Вороњешка и Курска губернија, доњи ток Волге, северни Кавказ и Закавказје стављени под власт трупа ГПУ које се боре против оних који “искривљују партијску линију”. Целокупна ова војска била је под командом Микојана, чији се штаб, као и у добро старо време, налазио у нарочитој железничкој композицији. На расположењу “главнокомандујућег” било је око 20.000 комуниста, чланова партије, окривљених због проневера, крађа и сличних дела, хтела им се пружити могућност да својом ревношћу и добром службом оперу своје раније грехе, и да се истакну у борби за “социјалистичку отаџбину”.
Са овом војском тренираних чекиста и злочинаца – комуниста, Микојан је почео свој посао “умиривања” на простору већем но што је цела Средња Европа.

وُضع جزء من الأراضي الأوكرانية الواقعة على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو، وكذلك منطقة دون ومنطقة الكوبان حيث انتفض عدة آلاف من القوزاق، بالإضافة إلى محافظات فورونيج وكورسك، وحوض نهر الفولجا السفلي، وشمال القوقاز، وجنوب القوقاز تحت حكم قوات جي بي يو (خدمة الأمن والشرطة السرية السوفيتية من عام 1923 حتى عام 1934) التي تحارب “أولئك الذين يحرفون خط الحزب”. كان هذا الجيش بأكمله تحت قيادة ميكويان، كان مقره قطار خاص كما جرت العادة في الماضي. كان “القائد الأعلى” يتحكم بحوالي 20 ألف شخص من الشيوعيين، وأعضاء الحزب المتهمين بالاختلاس والسرقة وجرائم مماثلة من الذين أعطوا فرصة للتكفير عن ذنوبهم، والمشاركة في النضال من أجل “الوطن الاشتراكي”. مع جيش مؤلف من أعضاء مدربين من شرطة التشيكا السرية السوفيتية، ومن المجرمين الشيوعيين. بدأ ميكويان عمله في “تهدئة” هذه المنطقة التي تزيد مساحتها عن مساحة وسط أوروبا بأكمله.

كان الثأر وحشيًا لدرجة أنه حرض مظاهرة جماعية، من كل الحزب الشيوعي والمؤسسات الإدارية في مقاطعة ستافروبول. بعد أن أعدمت قوات جي بي يو 200 كولخوز (المزارعين الجماعيين) من أعضاء الكمسمول، حاول سكان سهول النوغاي (شمال القوقاز جنوب روسيا المعاصرة) الحصول على أية أسلحة لمواجهة توسع ميكويان الانتقامي من خلال نصب الكمائن، وشملت المقاومة اغتيال رئيس قوات جي بي يو في تفليس، تْبِلِيسِّي عاصمة جورجيا.

الصفحة الأمامية لصحيفة فريمي البلغارية من 1 يناير/كانون الثاني 1933 ، مع مقال "الحرب الأهلية في روسيا". الصورة مستندة إلى صحيفة رقمية من المكتبة الوطنية الصربية. الملكية العامة.

الصفحة الأمامية لصحيفة فريمي البلغارية من 1 يناير/كانون الثاني 1933، مع مقالة “الحرب الأهلية في روسيا”. الصورة مستندة إلى صحيفة رقمية من المكتبة الوطنية الصربية. الملكية العامة.

وفقًا لمقالة فريمي، حاولت موسكو تخفيف التوترات بإرسال أندريه بوبنوف (1883-1937) ليتولى زمام الأمور، فقام بإعدام أو اعتقال بعضٍ من أكثر أتباع ميكويان سيئي السمعة، في حين اتهمت صحيفة برافدا مسؤولي الحزب الشيوعي المحليين “بفشل خطة السياسة العامة، وفشل الخطة الخمسية وتأميم الأراضي”.

في نهاية المقالة، لفت المؤلف أ.ر.ك بارفينوف الانتباه إلى احتمال حدوث “تطهير”، حيث يرى غَضبى العمال والأعضاء العاديون في الحزب الشيوعي بضرورة اعتماد “قبضة من حديد” لتغيير مسار الأمور، وأشار إلى أن الخطاب المستخدم مشابه لتلك الخطابات التي سبقت بداية الثورة البلشفية وأن القيادة الشيوعية محبطة تنتظر حدوث تغييرات كبيرة.

تعطي المقالتان المذكورتان في هذا المنشور لمحة عن الأوضاع في تلك الحقبة، ويُتطلب المزيد من البحث لفهم الصورة الكاملة عن مدى معرفة العالم خارج الاتحاد السوفيتي عن أحداث الثلاثينات المروعة. تسببت مجاعة هولدومور بما يقدر بسبعة لعشرة ملايين ضحية جوع في البداية، وأيضًا نتيجة للآثار المترتبة عليها، وللوهلة الأولى، يبدو أن مظاهر التطهير العرقي والإبادة الجماعية لم يتم تغطيتها في الصحافة العالمية.

قتل التطهير الكبير الذي حذرت منه المقالة الثانية، ومعتقل سيبريا “الجولاج“، الذي ظل نشط حتى الخمسينات، بين مليونًا لمليوني إنسان بشكل مباشر (منهم القائد بوبنوف عام 1937).

إن فهم وتذكر هذه الأحداث هما خطوتان أساسيتان في منع تكرار أهوال مشابهة، خصوصًا في الوقت الذي تسرق فيه موسكو الحبوب الأوكرانية -مجددًا.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.