تحول الهند لمرحلة الطاقة النظيفة، أمر ممكن أم وعود فارغة؟

The 1 MW India One Solar Thermal Power Plant in Abu Road, Rajasthan generate heat and power for 25,000 people. Image via Flickr by Brahma Kumaris. CC BY-NC 2.0.

محطة للطاقة الشمسية الطاقة في الهند مع إنتاج 1 ميغا واط في أبو رواد، رجاستان، تكفي 25 ألف شخص. صورة “براهما كوماريس” من فليكر (CC BY-NC 2.0)

 أُجريت حوارات هذا التقرير عبر الهاتف والبريد الإلكتروني وكذا الحضور الشّخصي خلال أعمال البحث في شهر فبراير/شباط 2023.

يبدو توجه الهند منذ جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، والتّقلبات في سوق الوقود الأحفوري، وإعلان الهند صفر انبعاثات سنة 2070، وترأسها لقمة العشرين، جليًا في تعهد البلد لمحاربة التّغير المناخي، وتعجيل انتقالها نحو الطّاقات النّظيفة.

وعود طموحة؟

للتمكن من تحييد الكربون، يعني وقف انبعاث الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، من الضروري أن يكون تغيير عادلاً ومُنصفًا لاقتصاد يعتمد على الوقود الأحفوري أو الطّاقات النّظيفة. أحصى تقرير يحمل عنوان “مسيرة الهند إلى الكربون الصفري” تطلب الهند لحوالي 10,1 مليار دولار لتحقيق غايتها عام 2070.

يقول “هارجيت سينغ”، المسؤول عن الاستراتيجيات السياسية الشاملة في شبكة العمل المناخي الدولي: “من الأكيد أنّ الأمر صعب لتحقيق أهداف الدولة الاقتصادية، وتوسيع نطاق حصول مواطنيها على الطاقة بطريقة فعالة، وأسعار معقولة، في الوقت ذاته مواصلة المسيرة لتحقيق غاياتها المناخية الطموحة”.

ينوه “سينغ” على أنّه خلال مسار الانتقال هذا، من الضروري ضمان دعم الفقراء، إذ يعدّون الركيزة الأساسية للمستقبل البيئي والتّطور المُستدام للبلد.

تعهدت الهند بإنتاج 50 بالمائة من الكهرباء من مصادر الطاقة المُتجددة سنة 2030، ما يقلل من الانبعاثات المتراكمة بمليارات الأطنان، ويخفض كثافة الانبعاثات في نتاجها المحلي الإجمالي بنسبة 45 بالمائة.

رغم وضعها للطاقات المُتجددة بين أولوياتها السبعة الرّئيسة، خصصت الميزانية السنوية، لفترة 2023-2024، لوزارة الطّاقات الجديدة والمتجددة 102,2 مليون روبية هندية فقط (أي ما يعادل 124 مليون دولار أمريكي)، أو ما يعادل 2,2 بالمائة من الميزانية الإجمالية، المتمثلة في 45 تريليون روبية هندية (ما يعادل 545 مليار دولار أمريكي)، على أنّ هذه الأموال تمثل نسبة 48 بالمائة زيادة مقارنة بميزانية 2022.

لكنها أدرجت سلسلة من المبادرات الهامة في مجال التّطور البيئي والمُتمثلة في تخزين الطاقة، والهيدروجين البيئي، والإعفاء من رسوم استيراد المعدات، والآلات الأساسية لإنتاج خلايا بطاريات الليثيوم الخاصة بالعربات الكهربائية، وتمويل عجز الاستدامة (VGF) لمشاريع تخزين الطاقة في بطاريات ذات سعة 4 جيغاواط للساعة، وإنشاء نظام نقل بين الولايات لشحن وتزويد الشبكة بحوالي 13 جيغاواط من الطّاقة المُتجددة النّابعة من منطقة الهيمالايا في لاداخ.

التوفيق بين أمن الطاقة والنّمو البيئي

وصل تركيب قدرة الطاقة الخضراء في الهند إلى 174,53 جيغاواط في شهر فبراير/شباط 2023، ما يعادل نسبة 42,5 بالمائة من القدرة الإجمالية لإنتاج الكهرباء والمُتمثل في 410 ميغاواط. تشمل حاليًا حافظة الطاقة المتجددة للبلد 63,30 جيغاواط من الطاقة الشمسية، و46,85 جيغاواط من المحطات الكهرومائية الكبيرة، و41,93 جيغاواط من الطاقة الهوائية، و10,73 جيغاواط من الطاقة الحيوية، و4,94 جيغاواط من المحطات الكهرومائية الصغيرة، و6,78 جيغاواط من الطاقة النووية. تضع هذه الأرقام الهند في المرتبة الرابعة عالميًا من حيث تركيب قدرة الطاقة المتجددة.

إضافة إلى ذلك، كان تصنيف الهند، خلال السنوات العشر الماضية، في المرتبة الثالثة عالميًا كملوث للانبعاثات خلف الولايات المتحدة الأمريكية، والصين. كانت مُتطلبات الطاقة للدولة الأكثر ارتفاعًا في العالم خلال عشرية 2020، وبارتفاع يعادل أكثر من 3 بالمائة سنويًا، حسب الوكالة الدولية للطاقة. يتوقع التّقرير أن تصبح الهند الأكثر كثافة سكانية في العالم عام 2025، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى طلب متزايد للطاقة في التوازي مع نمو الإعمار والتصنيع.

لتحقيق غايتها، تتطلب من الهند امتلاك 275 جيغاواط من قدرة إنتاج الكهرباء القائمة على الفحم عام 2030، أي ما يعادل ارتفاع 35 جيغاواط مقارنة بعام 2021. حسب التقرير، يكمن التّحدي الرّئيسي للهند في تلبية الطلبات المتنامية على الطاقة وهذا باللجوء إلى الطاقات المُتجددة والتقليل من استعمال الفحم والذّي يمثل حاليًا أكثر من نصف إمدادات الكهرباء في البلاد.

جعل فريق العمل بخصوص تحول الطاقة (ETWG) لمجموعة العشرين، المنعقدة مؤخرًا في بانغالور، من هذا التوفيق الحساس بين أمن الطاقة، والنمو الأخضر من بين المواضيع الرئيسية في المناقشات. خلال الاجتماع، وضح “ر. ك. سينغ”، وزير الكهرباء والطاقات المتجددة أنّ لأمن الطاقة الأسبقية على حساب التحول إلى الطاقة النظيفة.

أعلن “سينغ” عدم إمكانية فرض أولوية البيئة على الأشخاص الذين لا تصلهم إمدادات الطاقة، على حساب حاجاتهم الفورية، مثل استعمال الحطب كوقود للطبخ. توصل المشاركون في الاجتماع إلى اتفاق: الاستمرار في استعمال الوقود الأحفوري في معظم مناطق البلاد خلال 15 إلى 20 سنة المقبلة، في الوقت ذاته بذل المجهودات في زيادة استعمال الطاقات المتجددة.

وعود وتحديات التكنولوجيا القائمة على الطاقة الشمسية

تلعب التكنولوجيا القائمة على الطاقة الشمسية الكهروضوئية دورًا هامًا في انتشار الطاقات المتجددة في الهند، بخفض الاعتماد على الفحم في الوقت ذاته. مع حوالي 300 يوم من أحوال الطقس الصافية والمُشمسة في السنة، تستقبل الهند قُرابة 5 كوادريليون كيلو واط في الساعة من الطاقة الشمسية في السنة. إذا تم استغلال هذه الطاقة خلال عام واحد، ستتعدى احتياطات الإجمالية لطاقة الوقود الأحفوري للبلاد، حسب ما يقوله الخبراء.

يمكن أن تتحول الطاقة الشمسية مباشرة إلى كهرباء باستعمال خلايا كهروضوئية، ويمكن لهذه الكهرباء بعد ذلك أن تكون متصلة بالشبكة التقليدية، للتقليل من استعمال الطاقة القائمة على الفحم. يمكن استعمالها أيضًا خارج الشبكة بتخزينها في بطاريات، واستعمال مُحول لتشغيل أجهزة مختلفة، مثل الإنارة العمومية ومضخات المياه، ومخازن التبريد، وأجهزة أخرى منزلية أو صناعية.

في تغريدة على تويتر، نوه “غوراف باندي”، العضو في الكونغرس، على امتلاك الهند لمشاريع كبيرة من الأنظمة الشمسية، يُطلق عليها الحظائر الشمسية، وتوجد أهمها في بادلا، وبافاغادا، وكورنول، وريوا:

اليوم، دخلت “ريوا” في التاريخ.

لقد أُطلق على “ريوا” اسم “مآ نرمادا” والنمر الأبيض.

كما أُسند إلى اسمها مشروع الطاقة الشمسية الأكبر حجمًا في قارة آسيا: لقد كرس الوزير الأول “ناريندرا مودي” مشروع “ريوا” للطاقة الشمسية الكبير للبلاد.

———–
1) “بادا” (راجستان) 2245 ميغا واط، هو أكبر حظيرة شمسية في العالم.

2) “بافاغادا” (كارناتاكا) 2050 ميغا واط، هو ثاني أكبر حظيرة شمسية في العالم.

3) “كورنول” أولترا (أندرا) 1000 ميغا واط، هو سابع أكبر حظيرة شمسية في العالم.

4) “ريوا” أولترا (م. ب) 750 ميغا واط، ثاني عشر أكبر حظيرة شمسية في العالم.

مُعظم الحظائر 61 الموافق عليها من قبل وزارة الكهرباء والطاقات المتجددة، في طور التنفيذ، بقدرة مُقترحة تصل إلى 40 جيغا واط، ومن هذا المجموع، دخل آنفًا حيز التشغيل 10 جيغا واط. أعلنت الوزارة أن الحصول على المساحات الضرورية هي إحدى التحديات الهامة لتطوير الحظائر الشمسية.

حددت لجنة الطاقة الشمسية الوطنية هدفها بمقدار 40 جيغا واط لتركيب الألواح الكهروضوئية، غير أنه لغاية شهر سبتمبر/أيلول 2022، تم تركيب 10,4 جيغا واط فقط في الهند.

“يجب أن يخصص البلد أهمية كبرى للألواح الكهروضوئية، التي تعرف حاليًا نجاحًا عالميًا”، يقول “سانتيبادا غون شوندوري”، الجامعي ورئيس لجنة الخبراء في الطاقة (حكومة الهند). غير أنه يلاحظ أن نظام القياس الصافي الضروري لصلاحية الألواح الكهروضوئية مُرخص بها فقط في بعض ولايات البلاد مثل راجستان، وغوجرات، وكارناتكا. حسب رأيه، من الضروري دعم السياسة الوطنية للألواح الكهروضوئية. كما يقترح كذلك أن تطبق شركات التوزيع سعرًا مُوحدًا. أضاف “شوندوري” أنه في غياب وجود حلول للقرض البنكي من أجل تركيب الألواح الكهروضوئية، يبقى التمويل عائقًا.

إضافة إلى ذلك، ازدهرت المحطات الشمسية العائمة مع انتشار اللوائح الكهروضوئية في السطوح المائية مثل “كاندوا” في “ماديا براداش” حيث تم إنشاء أكبر محطة شمسية عائمة في العالم بقدرة يصل حجمها إلى 600 ميغا واط. يقول “شوندوري”: “بعدما نعثر على سطح ماء مناسب للتركيب، يبقى التحدي في السعر المرتفع لأنظمة تثبيت اللوائح العائمة”.

India's first floating solar plant of 10 KW capacity in Kolkata. Image by NBIRT. Used with permission.

أول محطة شمسية عائمة في الهند بقدرة يصل حجمها إلى 10 كيلو واط، بكالكوطا. صورة “ن. ب.”، معهد “فور رورال تكنولوجي”، استُعملت بترخيص.

يجب أن تتطور أنظمة تخزين الطاقة الشمسية لتحسين أمن واستمرارية الطاقة. تقليديًا، تُستعمل بطاريات الرصاص كوسيلة للتخزين الفعال، غير أنها تمثل خطرًا على الصحة بسبب خطر التلوث بالرصاص؛ أما بطاريات الليثيوم، التي تُستعمل عادة، فهي أكثر غلاءً، حيث ارتفع سعر الليثيوم، بصفة مُعتبرة.

في تغريدة على تويتر لموقع الأخبار البديلة “ذي بيتر إينديا” بخصوص بطاريات الصوديوم أيون ذات السعر المُنخفض وكذا الجدل المتزايد حول التنقيب عن الليثيوم، قال:

حل هام يتمثل في استعمال المُخلفات الزراعية لصناعة بطاريات العربات الكهربائية “الأكثر نظافة”.

———-
(1/2) كبدائل لبطاريات الليثيوم-إيون العادية، يمكنها تقليل اعتماد الهند على الواردات كما يمكن استعمالها في تطبيقات تجارية مثل الألعاب والتركيبات الشمسية والهوائية والاستثمارات، إلخ.

يعرض هذا الفيديو من قناة يوتيوب “آي تاك”، المختص في التكنولوجيا والاستدامة، خصائص بطاريات الصوديوم-إيون:

رغم أن الهند تعتمد حاليًا على واردات الأرجنتين وأستراليا للحصول على السبائك اللازمة، غير أن اكتشاف احتياطات الليثيوم في وادي “جامو” و”الكاشمير” يمثل أملاً للمستقبل.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.