توجيه الجامعة العربية ضربة موجعة لملف حقوق الإنسان في تطبيعها مع الأسد

دمار في مدينة إدلب ناجم عن ضربة صاروخية روسية في 14 مارس/آذار 2019، أدت إلى سقوط قتلى وتدمير حي بالكامل. الصورة من موسى محمد. استخدمت بإذن.

على الرغم مما الّم بالسوريين من معاناة من جرّاءِ الزلزال المدمر الذي هز كل من تركيا والمنطقة الشمالية الغربية من سوريا في 6 شباط/ فبراير، الذي أدى إلى تأثر أكثر من 18 مليون شخص، ما بين قتيل، وجريح، بالإضافة إلى تشرد الملايين، إلا أن ما طفا على السطح، مخططات نظام الأسد في توظيف المأساة لتحقيق مآربه الخاصة، حيث كان الزلزال بمثابة سلم للخروج من العزلة المفروضة عليه من جرّاءِ العقوبات الدولية بسبب انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان.

قام النظام باستغلال الزلزال لفتح الأبواب أمام تطبيع العلاقات مع دول الجامعة العربية، التي قامت بدورها بانتهاز الفرصة التي أتيحت لها لتعجيل جهود التطبيع، فقدمت المساعدات الإنسانية كذريعة لإعادة الاتصالات مع النظام. 

اجتمع أعضاء الجامعة العربية في7 مايو/أيار 2023، حيث تم الاتفاق على إعادة عضوية سوريا في الجامعة العربية. لقطة من فيديو لقناة الجزيرة. استخدام عادل.

أعلنت الجامعة العربية في بيان رسمي في 7 أيار/ مايو بقرارها لعودة سوريا إلى حضن العائلة العربية، بعد قطع دام لأكثر من 12 عاما، في ضربة مؤلمة لقضايا حقوق الإنسان في المنطقة، حيث رمت الجامعة العربية بعرض الحائط سنوات من المجازر، والتعذيب، والاختفاء القسري، والتشريد الذي سببها نظام الأسد للشعب السوري.

 عقد من القمع الوحشي والأزمة الإنسانية

انطلقت شرارة الحرب في سوريا في عام 2011، نتيجة للقمع الوحشي من نظام الأسد لمظاهرات سلمية في مارس/آذار 2011، التي بدأت حربا طاحنة، ما زالت تدور رحاها حتى الآن. 

وفقًا لتقارير حقوق الإنسان، ارتكب نظام الأسد العديد من جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري منذ بداية الحرب. تتضمن هذه الجرائم قصف المناطق المدنية بلا تمييز، واستهداف المرافق الطبية والعاملين فيها، ومنع وصول المساعدة الطبية لأولئك الذين يحتاجون إليها، بالإضافة إلى الترويع داخل السجون مع الإعدامات الجماعية الخارجة عن القضاء، والتعذيب، والاختفاءات القسرية، والعنف الجنسي.

 لم تنحصر جرائم النظام بهذا الحد، بل انتهك النظام القوانين الدولية بشكل صريح باستخدامه أسلحة كيميائية ممنوعة دوليًا ضد المدنيين عدة مرات، من ضمنها مجزرة عام 2013 في الغوطة، التي أسفرت عن مقتل مئات المدنيين من بينهم أطفال. ليس هذا فحسب، بل استخدم المجاعات كأداة من أدوات القتل ضد الشعب السوري، فمنع وصول المساعدات الإنسانية للمناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، مما دفع المدنيين إلى الجوع وسوء التغذية.

كانت نتائج هذه الجرائم كارثية على الشعب السوري؛ فقد تسببت بنزوح أكثر من 14 مليون سوري، منهم 6.8 شخص في الداخل؛ إضافة إلى ذلك، 70% من الشعب بحاجة إلى مساعدات إنسانية طارئة، حسب آخر تقرير من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في آذار/مارس 2023.

اكتشفت العائلات السورية مصائر ابناءها إثر نشر صور قيصر المروعة في عام 2014. لقطة من فيديو من ميدل إيست أي. استخدام عادل.

ردًا على هذه الجرائم، قامت عدة دول ومنظمات دولية بفرض عقوبات على النظام السوري منذ عام 2011، من ضمنها الاتحاد الأوروبي الذي استهدف النظام السوري بتجميد الأصول ومنع السفر ضد الأفراد والكيانات المشتركة في انتهاكات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على المؤسسات والأفراد الداعمة لنظام الأسد بموجب قانون قيصر عام 2019، القانون الذي سمي تيمنا بمنشق عن الجيش السوري، قام بتوثيق تعذيب المدنيين والمعتقلين بآلاف الصور المروعة.

سباق التطبيع مع نظام الأسد

أوقفت الجامعة العربية عضوية سوريا عام 2011. إلا إن المجتمع الدولي، وحتى القوى المناوئة للنظام، عدلت مواقفها الجامدة تجاهه منذ عام 2017؛ لا سيما بعد أن حقق النظام السوري مكاسب عسكرية بدعم من حلفائه الأساسيين، روسيا وإيران، ضد التنظيمات الإرهابية المسلحة، من ضمنها داعش، حيث حولت بعض الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، تركيزها إلى محاربة وهزيمة داعش، وتركت جانبا مسألة إزاحة الرئيس بشار الأسد عن السلطة.

تم الترحيب بحرارة بالرئيس بشار الأسد عن زيارته للإمارات، حيث التقى بالشيخ محمد زايد آل نهيان في 19 مارس/آذار 2023. فيديو من جلف نيوز. استخدام عادل.

على مدار الأعوام الماضية، شهد التواصل العربي مع نظام الأسد تحسناً بطيئا؛ حيث كانت هناك عدة محاولات دبلوماسية بارزة لإعادة بناء جسور التواصل مع دمشق.  في عام 2018، أعادت الإمارات العربية المتحدة والبحرين العلاقات الدبلوماسية مع سوريا

عقب الزلزال، أبدت السعودية الاهتمام لتقارب العلاقات مع سوريا، تجسيدا للتحولات الدبلوماسية والتحالفات الجديدة التي تنساب في الشرق الأوسط، أبرزها التطور في العلاقات السعودية الإيرانية، التي تؤثر على المنطقة بأسرها، ومن ضمنها سوريا.

وصول لاجئين سوريين وعراقيين من تركيا إلى سكالا سيكامياس في جزيرة ليسفوس، اليونان. فريق الإنقاذ من “برواكتيفا أوبن آرمز“. الصورة من تصوير Ggia – عمل خاص، CC BY-SA 4.0، استخدام عادل.

ينبع هذا التطبيع من حاجات ومصالح مختلفة في الأروقة العربي؛ من ناحية، تأمل الحكومات العربية أن ينزع التطبيع فتيل التوترات الداخلية الناتجة عن وجود ملايين اللاجئين السوريين في بلادهم، بضمان عودة السوريين إلى ديارهم، بالإضافة إلى كبح تدفق المخدرات غير المشروعة، إلى الأردن، والعراق، في مسارها لدول الخليج. من ناحية أخرى، تتطلع السعودية للحد من التدخلات الإيرانية بأمن المنطقة، بمها فيها كل سوريا، واليمن. 

يُشكل التطبيع معضلة دبلوماسية وأخلاقية للعالم، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي قد تجد نفسها مضطرة لفرض عقوبات على حلفائها في الشرق الأوسط لإدارة العقوبات على سوريا؛ كما سيؤدي تنازل الغرب إلى خسارة شرعيته الأخلاقية، خاصة لأن العواقب الحقيقية ستكون على ملف حقوق الإنسان في المنطقة وحول العالم؛ إذ أن التطبيع مع الأسد دون المساءلة عن جرائم النظام أو الإصلاحات الأساسية اللازمة، سيؤثر على تحقيق العدالة للسوريين، وسيؤثر على السلام في سوريا، ومنح البلاد فرصة للازدهار بعد الحرب، حسب تحذيرات هيومان رايتس ووتش، كما أن مثل هذا التنازل يوجه رسالة مرعبة  للحكومات الديكتاتورية حول العالم، مفادها بأنه يمكن للتعدي على حقوق الإنسان أن يمر بدون محاسبة، وهي مسألة حساسة خاصة بوجود الحرب الأوكرانية الروسية على المسرح العالمي.

ردود الفعل للتطبيع مع الأسد

 توالت ردود الفعل الغاضبة بعد إعلان الجامعة العربية عودة سوريا إلى صفوف الجامعة العربية على أرض الواقع وعلى الإنترنت؛ سارعت المعارضة السورية بانتقاد تطبيع الدول العربية مع نظام الأسد، حيث حذر بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على تويتر بعواقب التطبيع المجاني مع النظام.

في ذات الوقت، تظاهر آلاف السوريين في عشرات المدن والبلدات في الشمال السوري تحت شعار “لا للتطبيع مع الأسد المجرم”، احتجاجًا على استئناف العلاقات بين دول عربية عدة ونظام الرئيس بشار الأسد.

أما على الواقع الافتراضي، فقد تساءلت روعة أوجيه، الصحفية اللبنانية في الجزيرة عما إذا كانت الجامعة ستحاسب النظام:

كما قام الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان، إبراهيم زيدان بالتذكير بجرائم الأسد:

تساءل بروفيسور العلوم السياسية في جامعة واشنطن، مارك لينش عن استغراب البعض لقرار جامعة الدول العربية:

 في نفس الوقت، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية رفض بلادها لهذا التطبيع.

بعد إعادة عضوية سوريا إلى الجامعة العربية، تبقى التساؤلات حول الأثر الفعلي لهذا القرار على الصراع السوري المستمر وعلى الملايين من السوريين الذين دفعوا ثمنا باهظا نتيجة هذا الصراع. لا زال هناك غموض عما إذا كانت الجامعة ستحاسب النظام السوري على أفعاله، أم ستسود المصالح المختلفة، مما يهدد حقوق الإنسان في سوريا والمنطقة عمومًا، مع احتمالات تأثيرات على العالم باسره.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.