يتقدم نفوذ الصين سريعًا في صناعة السيارات، حيث يمثل إحدى النجاحات الجيدة المرتبطة “بمبادرة الحزام والطريق” “Belt and Road Initiative“، وتعتبر أوزبكستان من بين البلدان المستفيدة من هذا المشروع الضخم.
أصبحت الصين، التي تتقدم بخطوات كبيرة في هذا القطاع، رائدة عالمية في سوق صادرات السيارات. في عام 2022، تجاوزت ألمانيا وأصبحت ثاني أكبر مصدر للسيارات في العالم. علاوة على ذلك، باع مُصنع السيارات الصيني “بيد” سيارات كهربائية أكثر من مُصنع “تيسلا”، وشهدت صادراته ارتفاعًا بحوالي 307 بالمائة خلال العام ذاته. يعتزم “بيد” كذلك إنشاء مصانع في الخارج، ويأمل في تجاوز اليابان قريبًا، بإرسال سيارات إلى آسيا وأوروبا؛ تمثل أوزبكستان، التي تُعد وجهة استراتيجية، أول مكان تتوغل فيه “بيد” خارج الصين.
أصبحت السيارات الهجينة، والكهربائية ذات صنع صيني جزءًا من مشهد شوارع “طقشند”. أعلنت المؤسسة العامة الأوزباكستانية “أوزفتوسانوآت” (“أوز أوتو”) مؤخرًا عن شراكة مع “بيد أوتو”، لصناعة السيارات محليًا، وإنتاج محركات بنزين، وكهربائية، وبطاريات. مع أكثر من 70 فرع، و27 ألف موظف، تعد “أوز أوتو” أكبر شركة قابضة للسيارات في آسيا الوسطى.
يعد قرار تحديد إنتاج السيارات في أوزبكستان جزءًا من استراتيجية واسعة، رامية لتطوير القطاع الصناعي للبلاد. بالفعل، في عام 2022، كانت أوزبكستان، البلد الأكثر كثافة سكانية في آسيا الوسطى، مع حوالي 35 مليون نسمة، أول مستورد للسيارات الصينية. بينما تواصل بكين تعزيز حضورها على مستوى صناعة السيارات الدولية، يُنتظر أن تتطور شراكات، مثل تلك المبرمة مع “أوزفتوسانوآت”.
الميزة التنافسية للصين: أكثر صديقة للبيئة وأقل تكلفة
على غرار “بيد”، دخلت كذلك علامات تجارية أخرى للسيارات الصينية إلى السوق الأوزبكية وهذا دليل على الاهتمام المتنامي للمستهلكين الأوزبكيين للسيارات الكهربائية والهجينة الصينية. كانت “إكسيد” قد اعتزمت الشروع في إنتاج سيارات في أوزباكستان مطلع 2023، بينما توغلت “شيري” السوق بأربعة نماذج من السيارات. إضافة إلى ذلك، يفترض على مؤسسة مشتركة تدعى “أوز فوتون” أن ترى النور بالشراكة مع الصينيين، لإنتاج شاحنات ذات قدرة متوسطة وحافلات صغيرة. أخيرًا، من المتوقع كذلك أن تدخل علامة تجارية صينية أخرى في أوزباكستان، “أوشان”، لتركيب وبيع سياراتها بأسعار تقدر بين 13- 30 ألف دولار أمريكي.
بالتوازي، فتحت علامات تجارية أخرى للسيارات الكهربائية الصينية مثل “جيتور”، و”جيلي”، و”هفال”، و”هونغكي”، و”إيكسبانغ”، و”تشانغان”، و”دونغفانغ” وكالات للسيارات ومكاتب بيع في أوزبكستان. تعد تكلفتها الرخيصة، واستقلاليتها، وسهولة استعمالها، الميزات الرئيسية التي تشجع المستهلكين الأوزبكيين على اختيار السيارات الكهربائية الصينية.
بدلاً من محاولتها منافسة علامات تجارية أوروبية في تطوير صناعتها للسيارات التقليدية، اعتمدت الصين استراتيجية أكثر فعالية، التركيز على السيارات الكهربائية، وبالتالي تكتسب المؤسسات الصينية ميزة تنافسية وتربط علاقات وطيدة بأسواق البلاد النامية. يتمركز هذا التوسع في منظور استراتيجية “بيد” لبكين الرامية إلى توطيد العلاقات الاقتصادية بين الصين والبلدان الأخرى الممتدة على طريق الحرير القديم.
احتكار وطني بحلة جديدة
لحد الآن، كانت تهيمن على سوق السيارات الأوزبكستاني “شيفروليه” المصنعة من “أوز أوتو”، العلامة السابقة لجنرال موتورز الأوزباكستانية. بحكم الرسوم الجمركية، والرسوم الضريبية المرتفعة على السيارات الأجنبية، لم تكن هناك منافسة حقيقية أمام المُصنع الوطني؛ فمثلاً، ترتفع الرسوم الجمركية وحدها لحوالي 120 بالمائة من القيمة الأولية للسيارة، تمثل هذه الحماية عائقًا أمام أي منافسة سليمة.
على المستوى الوطني، تعد “أوز أوتو موتورز جي أس سي”، الشركة التي تستغل “جنرال موتورز الأوزباكستانية” لاعبًا رئيسيًا في صناعة السيارات منذ 1994؛ وتحوز على حوالي 95 بالمائة من حصة السوق بقدرة إنتاجية سنوية تصل إلى 280 ألف سيارة تقريبًا. رغم أنها تستفيد من إعفاءات ومزايا ضريبية من قبل الدولة، مثل مبلغ 177,6 مليون دولار أمريكي الذي منحته لها خلال السداسي الأول فقط لعام 2021، غير أن “أوز أوتو” لا ترغب بتمرير هذا التوفير للمستهلكين.
بالفعل، تُباع سيارات المؤسسة بأسعار مرتفعة جدًا للمستهلكين الأوزبكيين مقارنة بأسعار التصدير؛ اتُهمت الشركة بإساءة استخدام وضعها الاحتكاري، وضلوعها في ممارسات مثل بيع سيارات “غير كاملة”، والتسليم المتأخر، أو حتى فرضها نفقات غير ضرورية. رغم العديد من الدعوات للتغيير التي أطلقتها مجامع مختلفة، لم يطرأ أي تطور فعال في قضايا “أوز أوتو”، إضافة إلى ذلك، يستمر وجود غياب التنافس على حساب المستهلكين والوحدات التجارية الأخرى في البلاد.
نظرًا لوضعية السوق ونمو سكان أوزباكستان، ليس بمقدور “أوز أوتو” توفير السيارات بما فيه الكفاية، في حين أنه يوجد طلب كبير للسيارات بأسعار معقولة. يعد إذن قرار شراكة المؤسسة مع مُصنع السيارات الصينية “بيد” لإنتاج سيارات كهربائية في أوزباكستان تطورًا ملحوظًا في صناعة السيارات في البلاد؛ غير أنه يخشى البعض أن يتحول قطاع السيارات الكهربائية إلى طريقة جديدة لاحتكار الدولة. من المحتمل أن يؤدي النفوذ الممكن “لأوز أوتو” على الحكومة، لفرض رسوم مرتفعة جدًا على السيارات الكهربائية المستوردة، مما يجعل المنافسة صعبة جدًا للمؤسسات الأخرى في المستقبل.
عبر مدون كبير أوزباكي، “أوميد غافوروف”، مع أكثر من 100 ألف مُتابع على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، عن وجهة نظره مع التصريحات على حسابه:
BYD машинасининг эгаси сифатида айтишим мумкин, сифат бўйича бу энг яхши компаниялардан бири. Ҳамкорлик учун айнан BYD танлангани яхши бўлибди.
Аммо, агар бу келишув бошқа электромобиллар импортига салбий таъсир қилса бу жуда ёмон. Биз монополиядан чарчадик.
كوني مالك لسيارة “بيد”، لا يسعني إلا أن أؤكد أنها من بين المؤسسات الجيدة للسيارات الكهربائية بخصوص النوعية والسعر؛ إذن هو أمر جيد أن تُختار “بيد” للمساهمة.
غير أنه إذا كان لهذا الاتفاق تبعيات سلبية على الواردات من السيارات الكهربائية الأخرى، فهذا مؤسف، فنحن لم نعد نطيق الاحتكار.
مساعدة أوزباكستان في “تخضير” صناعتها للسيارات
سجلت عاصمة أوزباكستان، طشقند، معدلات لا سابقة لها في بناء وهدم وتشييد المنازل الجديدة؛ وكانت من بين نتائج هذه الوضعية تدهور نوعية الهواء على وجه الخصوص بسبب تلوث انبعاثات السيارات. في تقريرها لعام 2021، بخصوص نوعية الهواء في العالم، أعلنت “إيك إير” أن طشقند ثاني مدينة من حيث التركيز السنوي حيث بلغ معدله 2,5 ميليثيوم من الجسيمات العالقة، التي من شأنها الضرر بالصحة كثيرًا.
تأخذ السلطات الأوزباكستانية هذا الخطر الصحي محمل الجد. في شهر ديسمبر/كانون الأول، وقع الرئيس “ميرضيايف” مرسوم يرمي لإطلاق مخطط عمل للتحول نحو اقتصاد أخضر، وضمان نمو أخضر لغاية عام 2030.
يُضاف هذا المخطط لإجراءات سابقة. منذ عام 2019، أُلغيت الرسوم الجمركية والضريبية على السيارات الكهربائية المستوردة، كما ألغيت تكاليف تسجيل سيارة كهربائية في شرطة المرور. حاليًا، وحدها الرسوم على القيمة المضافة، تبلغ 15 بالمائة من القيمة الجمركية الإجمالية، ضرورية للتخليص الجمركي الخاصة بسيارة كهربائية. علاوة على ذلك، اتخذت الحكومة قرارًا لمنح دعم عمومي لإنتاج سيارات كهربائية في البلاد بغية تقليص الانبعاثات الضارة، ودعم تطوير اقتصاد أخضر.
أخيرًا، من المفترض أن يكون تطور منشآت البنية التحتية للسيارات الكهربائية هامًا خلال السنتين المقبلتين. إلى غاية 2025، من المفترض أن تنشأ 2500 محطة شحن على الأقل، حيث ستكون إجبارية على مستوى المراكز التجارية الجديدة، وأماكن الترفيه والتسلية، ومحطات البنزين، والفنادق، وجميع المنشآت التحتية المُحاذية للطرقات السريعة من شهر يناير/كانون الثاني 2024.
تبادل رابح–رابح؟
يشكل انتشار صادرات السيارات الصينية وصناعتها في الخارج من بين النجاحات العالمية المرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق”، وتتيح بلوغ أهداف عديدة، أولها المساهمة في التعريف بالسيارات الصينية في الخارج، أولوية بكين منذ زمن بعيد. كما يجدر التذكر أن هذا التوسع يشكل جزءًا من العناصر الرئيسة “لمبادرة الحزام والطريق”، بما فيها تطور وسائل النقل، وتطور التعمير المستدام، وتعزيز الفكرة العامة التي تقول إن “مبادرة الحزام والطريق” تجلب حلولاً ميسرة في البلدان المستضيفة.
وفقًا لمؤشر الصين، بخصوص تحليل عالمي عن نفوذ الصين في جميع البلدان والقطاعات، تعتبر الصين في أوزباكستان ذات نشاط كبير في مجال التقنية وتطبيق القانون. بالنسبة للمستهلكين الأوزبكيين، تبدو مبادرة الصين جالبة لحلول ملموسة فيمَا يخص الحصول على سيارة، ولكن أيضًا في مكافحة تلوث الهواء، وبصفة غير مباشرة، تغيير ثقافة احتكار الدولة والرشوة.