هذا المقال هو جزء من سلسلة بقلم “ج. ناثان ماتياس” المخصص عن رحلة دراجة لأكثر من 800 كيلومتر في شهر يونيو/حزيران 2023، لجمع تبرعات لمشروع “رايزينج فويسز”، برنامج لمنصة “جلوبال فويسز” مخصص للغات السكان الأصليين المهددة بخطر الانقراض وكذا شبكة العدالة البيئية بكاليفورنيا الوسطى. للمبادرة انقر هنا.
عندما انتقل “فرانسيسكو غونزالس” إلى “أرفين”، كاليفورنيا سنة 2005، بعدما كان يقطن في ضواحي “لوس أنجلس”، بقي مشدودًا إلى مناظر الجبال والحقول الخضراء وأشجار البرتقال المحيطة بالمدينة. “اعتقدت أن المكان ليست به أضرار”، قال وهو يشير إلى المنزل الحضري الصغير حيث استثمر فيه مدخرات معاشه بعد سنوات من العمل بصفة موظف في الصيانة، ثم أشار “فرانسيسكو” إلى برج التنقيب عن النفط في الجهة الأخرى للطريق، وهز كتفيه. غاز الميثان وغيره، حتى وإن كانت على عمق 30 متر في البئر، أشعر بالصداع بسبب الدخان.
اليوم هو الأول ليوم قصص رحلة الدراجة لأكثر من 800 كلم، نقوم بها أنا و”إيفان سيغال” انطلاقًا من “باكرسفيلد” إلى غاية “ساكرامينتو” ثم “الباهية”، متتبعين طريق مسيرة فلاحي 1966. توقفنا في مدينة عبور أمام حقل من النفط المهجور، مالكه مفلس، كنت أشعر أنني على مفترق الطرق بين عقود مستقبلية ضائعة وآمال متجاوزة ووعود مؤجلة.
إذا سمعت الحديث عن “إرفين” بكاليفورنيا، من الممكن أن يكون ذلك من خلال رواية “جون ستاينبيك”، “عناقيد الغضب”، حيث كان مخيم “ويدباتش” وهو مكان حقيقي، معروف بالمخيم الفيديرالي للمهاجرين. عندما وصلت عائلة “جواد” إلى كاليفورنيا هربًا من الكارثة المناخية في أوكلاهوما، تحول مخيم “ويدباتش” إلى مرجع مختصر في بحثها عن البقاء في العيش بكرامة.
في أيامنا الحالية، يزور الناس مخيم “ويدباتش” لسببين، يزور السياح، مثلنا، الموقع التاريخي لإلقاء النظر على سكنات المهاجرين خلال حقبة الأزمة الاقتصادية الكبرى؛ ووراء الأبواب المغلقة بالمفتاح، يمر قط غير مبال بين أشباح “دوست بول” مثلما هو الحال في “بوستفر جونس”، الأبيات الشعرية من “تي. أس. إيليوت”، قط في المدينة. بعد مرور 90 سنة تقريبًا، لا يزال المخيم متوفر للعمال الفلاحين المهاجرين، ويقدم 88 مسكنًا من غرفتين أو أربع غرف، تسيرها محافظة “كيرن”.
عند الاستماع إلى “فرانسيسكو” يتحدث عن ملاك الآبار النفطية المتواجدين بعيدًا عن المنطقة، من الصعب عدم التفكير في “ستاينبيك”، الذي كتب في عام 1939 عن الأرض والسلطة في الوادي الأوسط: “لم يعد الملاك يعملون في المزارع، يكسبون على الورق، ينسون الأرض، رائحتها والشعور بها، يتذكرون فقط أنهم يمتلكونها، وما يربحون ويخسرون مع الأرض”.
تم اكتشاف النفط في محافظة “كيرن” عام 1899، وتحول لمصدر هام لثراء المنطقة؛ حتى مع انخفاض احتياط البترول، لا زالت تجلب الصناعة النفطية أكثر من 200 مليون دولار أمريكي كضرائب للمحافظة والمدارس المحلية. يستخرج العديد من ملاك الآبار البترول لأطول فترة ممكنة ثم يفلسون بعدها، تاركين للمقاطعة العبء الكبير، والمكلف لحل المشاكل البيئية. تبقى العديد من الآبار عاملة لفترة طويلة، مثل البئر الذي يفرز مستويات خطيرة من الميثان في الحي الذي يقطنه “فرانسيسكو”، لتجنب التنظيف وتسديد الغرامات.
عندما سألت “فرانسيسكو” عن عائلته، انبسطت أسارير وجهه، انتقلت العائلة للعيش إلى الولايات المتحدة الأمريكية لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، حصل على تعليم وأنشأ حياة له ولزوجته، لقد بنوا حياة لأبنائهم. رويت له قصصًا عن والدي المهاجر ووصف الفخر الذي يشعر به، حلوه ومره، تجاه الأبناء الذين بقوا إلى جنبه، وأولئك الذين غادروا “أرفين” بحثًا عن فرصة.
“فرانسيسكو” في العقد السادس، ويهتم بمجتمعه وأرضه، وعمل خلال الأعوام الأخيرة، مع جيرانه، في شبكة العدالة البيئية لكاليفورنيا الوسطى، ومنظمات أخرى للمصادقة على أمر يشمل إبعاد مناطق الآبار النفطية عن المدارس، والبيوت، وأماكن أخرى حيث يمكن للدخان أن يشكل تهديدًا لصحة الأشخاص. انضمت المحافظة لهذا الأمر بعد ذلك بقليل، رغم معارضة الصناعة النفطية لهذا الأمر.
في الوقت الذي تركنا أنا و”إيفان” السيارة في “غاسولين ألي”، وحضرنا أنفسنا لركوب الدراجة لستة أيام عبر ماضي ومستقبل الوادي الأوسط، يبدو ممتعًا أن نبدأ مسارنا في مدينة تربط جبال “سييرا نيفادا” التي تمثل نهاية الوادي من الجنوب بالفن والأدب وأعمال النقل.
للعشاء، سأطلب صحنًا من “بيريا رامن”، طبق وصل مؤخرًا من المكسيك، مزيج مثالي للكاربوهيدرات اللذيذة لرحلتنا ذات 112 كيلومتر الأولى في اليوم التالي. هنا في محافظة “كيرن”، يعيش الماضي والحاضر، والمحلي والدولي جنبًا إلى جنب، يميزها المناخ والتاريخ والهندسة وقوة إرادة مذهلة: أشخاص أتوا للبحث عن حياة جديدة، وأشخاص يعيشون حياتهم كل يوم، وآخرون يبقون، أنا متلهف لمعرفة المزيد.
اقرأ المزيد عن تاريخ هذه الرحلة وأهدافها ومسارها على صفحتنا للتغطية الخاصة.