المؤسسات الأفريقية تلتزم الصمت حيال انتهاكات حقوق المهاجرين من جنوب الصحراء في تونس

مهاجرون متروكون في الصحراء. لقطة شاشة من قناة فرانس 24 على يوتيوب

لا تبالي المؤسسات الإقليمية الأفريقية في الغالب بالمعاملة اللاإنسانية التي يتعرض لها المهاجرون من جنوب الصحراء الكبرى داخل شمال أفريقيا.

خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي في 21 فبراير/شباط 2023، أعلن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد أن المهاجرين من جنوب الصحراء هم مصدر “العنف والجرائم والأعمال غير المقبولة” داخل بلاده. في أعقاب هذا التصريح، ازداد استهداف المهاجرين بالأعمال العنصرية، وما زالوا يواجهون انتهاكات لحقوقهم.

كون تونس من الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، فهي تتمتع بتمثيل دائم داخل هذه المؤسسة، ولكن يبدو أنها تتجاهل القواعد والمبادئ الواردة في إعلان الاتحاد الأفريقي بشأن الهجرة والتنقل. يحكم هذا الإعلان، الذي يهدف إلى تعزيز سياسات الهجرة المنسقة وحماية حقوق المهاجرين وكرامتهم، المؤسسة التي التزمت تونس بدعمها.

للمفارقة، يعتبر الرئيس التونسي قيس سعيد الهجرة غير الشرعية لمواطني جنوب الصحراء الكبرى جزءًا من مؤامرة لإضعاف بلاده في تصريحه لصحيفة لوموند:

Il existe un plan criminel pour changer la composition du paysage démographique en Tunisie, et certains individus ont reçu de grosses sommes d’argent pour donner la résidence à des migrants subsahariens.

ثمة مؤامرة إجرامية لتغيير التركيبة الديمغرافية في تونس، وقد تلقى بعض الأشخاص مبالغ كبيرة من المال لتوفير الإقامة للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى.

يجب تحليل الأرقام عن كثب لفهم السياق. في هذا الإطار، تحدثت طالبة الدكتوراه والاختصاصية في قضايا الهجرة أحلام شملالي من المعهد الدنماركي للدراسات الدولية إلى أفريكا نيوز قائلة:

De nombreuses organisations qui travaillent dans le domaine de la migration situent ces chiffres [de migrants subsahariens] entre 20 000 et 50 000 migrants originaires d'Afrique subsaharienne.

تقدّر العديد من المنظمات العاملة في مجال الهجرة أن هذه الأرقام [للمهاجرين من جنوب الصحراء] تتراوح بين 20 و50 ألف مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

مع ذلك، تضم تونس نفسها أكثر من 11 مليون نسمة وتشهد تدفقات من المهاجرين إلى أوروبا، خاصة نحو إيطاليا. كما أكد مجدي الكرباعي، النائب السابق الذي يمثل التونسيين المقيمين في إيطاليا وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، التيار الديمقراطي، في مقابلة مع جون أفريك:

Les chiffres suffisent tant ils sont éloquents : en 2022, 18 000 Tunisiens sont arrivés dans la péninsule, 15 000 en 2021, 13 000 en 2020. Faites les comptes, et comparez avec les 20 000 Subsahariens en situation irrégulière présents en Tunisie, selon le Forum tunisien pour les droits économiques et sociaux [FTDES]. Les Tunisiens sont les champions de la migration.

تكشف الأرقام عن الكثير: في عام 2022، وصل 18 ألف تونسي إلى شبه الجزيرة، و15 ألف في عام 2021، و13 ألف في عام 2020. لنحسب الأرقام ونقارنها بحوالي 20 ألف مهاجر من جنوب الصحراء يعيشون بأوضاع غير نظامية في تونس، وفق ما أفاد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. التونسيون هم أبطال الهجرة.

المؤسسات القارية والإقليمية تخفق التصرف

سارع الاتحاد الأفريقي إلى الرد على التصريحات الرسمية التي صدرت عن تونس، حيث أدان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي محمد، التعليقات التي أدلى بها الرئيس التونسي في 24 فبراير/شباط، معتبرًا أنها عنصرية وبغيضة تجاه المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. عدا هذه الإدانة، لم يتخذ الاتحاد الأفريقي أي إجراء آخر للحفاظ على كرامة المهاجرين على الأراضي التونسية وحماية حقوقهم.

على نفس المنوال، بقيت المؤسسات الإقليمية، مثل الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، صامتة بشكل واضح إزاء هذه المسألة، مع أنها تعمل على تعزيز حرية حركة المهاجرين، وتسهيل تنقل المواطنين، وإنشاء آليات لحماية المهاجرين. كما تعالج التحديات والمخاطر التي يواجهها المهاجرون، بمن فيهم أولئك الذين يعبرون شمال أفريقيا للوصول إلى مناطق أخرى.

مع ذلك، لا تزال توجد بعض المبادرات الرسمية مثل تلك المتخذة من عمر سيسكو إمبالو، رئيس غينيا بيساو والرئيس السابق للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، حين زار تونس ونشر على حسابه على تويتر في 8 مارس/آذار 2023:

بصفتي رئيسًا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، زرت الرئيس قيس سعيد للاستفسار عن حالة الأفريقيين من جنوب الصحراء الكبرى في تونس. وفي معرض حديثه عن سوء تفسير تصريحاته، أكد من جديد إيمانه بالقيم الأفريقية للوحدة والضيافة والاحترام، والتزامه بدعمها.

على الرغم من ذلك، لم يتغير شيء من الناحية العملية لظروف المهاجرين ومعاملتهم.

يترافق هذا الصمت المدوي مع مقاطع فيديو متداولة على الإنترنت تصور التجارب اليومية والمعاملة اللاإنسانية التي يواجهها هؤلاء الرجال والنساء والأطفال:

مع ذلك، لم يكن للنداءات الكثيرة أي تأثير على موقف الاتحاد الأفريقي؛ حيث تطرّق إدوي بلينيل، الرئيس والمؤسس المشارك في ميديابارت في فرنسا، إلى هذه القضية في تغريدة:

بين تونس وليبيا، تتضح المحنة الصعبة للمهاجرين من جنوب الصحراء بشكل مأساوي مع مصير فاتي دوسو وابنتها ماري، اللتين وجدتا بلا حياة في الصحراء. يعتقد أنهما ماتتا من العطش بعد التخلي عنهما. نقلًا عن نجمة ابراهيم

المجتمع المدني هو الصوت الوحيد الذي يعبر عن سخطه بصوت عالٍ وواضح

اعتبرت بعض الجهات الفاعلة في المجتمع المدني أن صمت السلطات الحكومية في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والمؤسسات الإقليمية انحراف غريب [عن أهدافها]. يقيّم بوبكر سايي، الباحث ومستشار الهجرة الدولية ورئيس منظمة “آفاق بلا حدود” غير الحكومية الموجودة في السنغال، الوضع في بلاده في مقتطف الفيديو هذا من مقابلة على TV5monde، قائلًا:

أتفق تمامًا مع تشخيص بوبكر سايي من منظمة “آفاق بلا حدود” غير الحكومية.

عندما تواصلت منظمة جلوبال فويسز مع سايي عبر الهاتف، حمّل القادة الأفريقيين المسؤولية:

Nous sommes dans un monde globalisé mais l’Afrique brille par son absence et pour la plupart des dirigeants la migration est aujourd’hui une soupape pour le système économique. L’Union européenne vient injecter l’argent en Tunisie pour bloquer les migrants, et la Tunisie accepte de jouer le rôle de gendarme pour l’Europe. C’est triste. Ces dirigeants africains devraient être appelé à l’ordre.

نعيش في عالم محكوم بالعولمة، غير أن غياب أفريقيا واضح، وبالنسبة لمعظم القادة، أصبحت الهجرة صمام أمان لنظامهم الاقتصادي. يضخ الاتحاد الأوروبي الأموال في تونس لوقف المهاجرين، وتوافق تونس على لعب دور الوصي لصالح أوروبا. إنه لأمر محزن. يجب محاسبة هؤلاء القادة الأفريقيين.

يفيد سايي أن 60% من سكان أفريقيا ذو أعمار أقل من 25 عامًا، ومعدلات البطالة أعلى بكثير من 35%. تهدد حقبة ما بعد كوفيد-19 بتوليد توتر جيو سياسي كبير مرتبط بالهجرة. كما يعتقد سايي بزيادة تدفقات الهجرة هذه بسبب الفقر المدقع مع الوضع الحالي في تونس. ويقترح البديل التالي:

Il faudrait que les institutions continentales, régionales et les pouvoirs publics mettent cette question de migration au cœur de leurs préoccupations en Afrique. Toute la jeunesse est en train de périr et il est urgent que les dirigeants prennent leurs responsabilités. Il faut aussi convoquer les états généraux de la migration pour qu’ensemble le dossier soit analysé dans sa complexité pour que des solutions durables soient trouvées. L’Union européenne quant à elle devrait aussi discuter directement avec l’Union africaine.

يجب على المؤسسات القارية والإقليمية والعامة أن تضع قضية الهجرة في صلب اهتماماتها في أفريقيا. يواجه جيل الشباب بأكمله عواقب وخيمة، ومن بالغ الأهمية أن يتحمل القادة مسؤولياتهم. لا بد من إجراء نقاش عام للتمكن من تحليل هذه المسألة المعقدة وإيجاد حلول مستدامة لها. ينبغي للاتحاد الأوروبي أيضًا أن يدخل في مناقشات مباشرة مع الاتحاد الأفريقي.

في تونس أيضًا، تأتي الأصوات الوحيدة التي تدافع عن حقوق مهاجري جنوب الصحراء من المجتمع المدني، كما يتضح من هذه التغريدة لعالمة الأنثروبولوجيا ستيفاني بوسيل:

نداء عاجل إلى المجتمع المدني في تونس: وجدت مواطني ساحل العاج، هؤلاء، نيام أمام سفارتهم على مدى ليلتين. لم يكن لديهم أي طعام أو ماء. تعرضوا للسرقة وطُردوا من منازلهم، استجابوا لدعوة سفارتهم لإعادتهم إلى وطنهم. إنه لأمر مخزٍ للغاية.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.