في جمهوريات الاتحاد الروسي قباردينو بلقاريا وأديغيا وقراتشاي تشركيسيا، يعتبر 21 مايو/أيار رسميًا يوم حداد على الشركس – ضحايا الإبادة الجماعية التي وقعت خلال حرب القوقاز. أوضحت مجلة هولود، كيف دمر الجيش الروسي قرى الأديغة خلال تلك الحرب، وما حدث لمواكب الحداد السنوية في قباردينو بلقاريا، ترجمت جلوبال فويسز المقال وتحريره توخيًا للوضوح ونشرته بإذن من هولود.
انتهت حرب القوقاز، المعروفة بين الشركس بالحرب الروسية القوقازية، في 21 مايو/أيار 1864. وأقيمت صلاة ومسيرة للقوات الروسية في قرية قبادا (حاليًا منتجع التزلج كراسنايا بوليانا) للاحتفال بالنصر على شعوب الجبال.
في هذا اليوم، احتفلت الإمبراطورية الروسية بالنصر، أما للشركس، كانت الحرب مأساة.
تؤرخ كتب التاريخ المدرسية الروسية بداية حرب القوقاز عام 1817، عندما بدأت القوات الروسية عمليات نشطة ضد الشعوب الأصلية. تعتقد السلطات في قباردينو بلقاريا أن الحرب استمرت 101 عامًا – بدءًا من عام 1763، عندما شيّدت الإمبراطورية الروسية قلعة موزدوك في إقليم قباردا الصغرى. تنازل الأمير المحلي كورغوكو كانشوكين، الذي اعتنق المسيحية وحصل على مزايا مالية مقابلها، عن أرضه لروسيا مما أغضب الحكام الشركس الآخرين.
وفقًا للدكتور في العلوم التاريخية وكبير الباحثين في معهد الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، سيرجي أروتيونوف:
The Circassian serfs began to flee from the princes and nobles to the Mozdok fortress. People switched to Russian citizenship and converted to Christianity. The Russian Empire refused to hand them back, and Circassian landowners became hostile to the Russian population. A confrontation began: on one side were the Russians and those who joined them; on the other were the Circassians and their dependents, the Abazins and Karachays. It was mainly a war between Muslims and Christians.
بدأ الرق الشركس بالفرار من الأمراء والنبلاء إلى قلعة موزدوك. فيما تحول الناس إلى مواطنين روسيين واعتنقوا المسيحية، رفضت الإمبراطورية الروسية إعادتهم، وأصبح ملاك الأراضي الشركس معادين للسكان الروس. بدأت مواجهة بين الروس ومَن انضم إليهم من جهة، والشركس ومُعاليهم والأبازين والقراتشيين من جهة أخرى. كانت في الأساس حربًا بين المسلمين والمسيحيين.
During the war, especially in its final stage [1860–1864], Russian troops used a “scorched earth” tactic. They destroyed villages, burned crops, and drove away livestock to force the Circassians out of the mountains and onto the plains. Deprived of shelter and food, a large number of displaced people died from hunger and epidemics of typhus and smallpox.
خلال الحرب، وبخاصة في مرحلتها الأخيرة [1860-1864]، استخدمت القوات الروسية تكتيك “الأرض المحروقة”. دمرت القرى وأحرقت المحاصيل وطردت الماشية لإجبار الشركس على الخروج من الجبال إلى السهول. بسبب حرمانهم من المأوى والغذاء، توفي عدد كبير من النازحين بسبب الجوع وأوبئة التيفوس والجدري.
في أوائل تسعينيات القرن العشرين، أعلن المجلس الأعلى قباردينو بلقاريا الاشتراكية السوفياتية، أن القتل الجماعي للأديغة (الشركس) وترحيلهم من وطنهم التاريخي خلال هذه الحرب هو إبادة جماعية. جاء في قرار المجلس أن “معظم الإثنية الأديغية، بما في ذلك أكثر من 90 في المئة من سكان قبارديان، تمت إبادتهم جسديًا، وتم طرد أكثر من 500 ألف أديغي قسرًا على يد نظام الحكم القيصري الاستبدادي إلى الإمبراطورية العثمانية”.
معظم الشعوب الشركسية تعيش خارج روسيا
الشركس، هي التسمية التي يطلقها الروس على الشعوب الأديغية، التي تشمل القبرديين والأديغيين وشركس قراتشاي تشركيسيا والشابسوغ الذين يعيشون في كراسنودار كراي. لدى شعب الأديغة لغتان، القباردية الشركسية والأديغية. قبل الحرب الروسية القوقازية، عاشت تلك الشعوب في أراضٍ شمال غرب ووسط القوقاز تمتد من شبه جزيرة تامان غربًا إلى نهر تيريك شرقًا.
وفقًا لأروتيونوف:
In the 19th century, there were more than one and a half dozen Adyghe tribes. About ten of them have survived to this day: tribal division is no longer very relevant, but people remember who their ancestors were.
Nowadays, Adyghes live in six regions of Russia, excluding Moscow, and mainly practice Islam. Kabardians make up about half of the population of Kabardino-Balkaria; in North Ossetia and Stavropol Krai, there is a group of Mozdok Kabardians, many of whom are Christians. A quarter of Adygea's population is Adyghean, and many Adygheans also live in Krasnodar Krai. There, in the Sochi and Tuapse regions, live the Shapsugs, who before the Russo-Caucasian War were one of the largest Adyghe tribes. Circassians make up a tenth of the population of Karachay-Cherkessia.
في القرن التاسع عشر، كان هناك أكثر من 18 قبيلة أديغة، نجا حوالي عشرة منها حتى يومنا هذا: وفي حين لم يعد الانقسام القبلي مهمًا، إلا أن أبناء تلك القبائل يتذكرون من كان أسلافهم.
في الوقت الحاضر، يعيش شعب الأديغة في ست مناطق روسية، باستثناء موسكو، ويعتنقون بمعظمهم الإسلام. يشكل القبارديون حوالي نصف سكان قباردينو بلقاريا. تضم أوسيتيا الشمالية وستافروبول كراي مجموعة من قبارديي موزدوك، أكثرهم من المسيحيين. أما ربع سكان الأديغة فهم من الأديغيين، ويعيش العديد من الأديغيين أيضًا في كراسنودار كراي. هناك، في منطقتَي سوتشي وتوابسي، يعيش الشابسوغس، الذين كانوا قبل الحرب الروسية القوقازية من كبرى قبائل الأديغة. يشكل الشركس عُشر سكان قراتشاي تشركيسيا.
وفقًا للمبادرة البحثية مشروع جوشوا، يزيد عدد الأديغين في العالم عن 2.6 مليون نسمة. فبعد أن طردتهم الإمبراطورية الروسية من وطنهم التاريخي، يعيش حوالي 70 في المئة منهم في الخارج، ويتواجد أكبر شتات – أكثر من 1.5 مليون شخص – في تركيا.
مات عديد من الشركس المرحلين قسرًا إلى الإمبراطورية العثمانية من الجوع والمرض
“بحلول عام 1860، كان الجيش القوقازي للإمبراطورية الروسية قد غزا الشيشان وقباردا وقرر أخيرًا تولّي أمر الشركس الغربيين. فاضطر بعض الناس إلى الانتقال إلى سهول كوبان”. أما الذين رفضوا فتم نقلهم إلى شواطئ البحر الأسود ونفوا إلى الإمبراطورية العثمانية.
في السنوات الأربع الأخيرة من الحرب، دمرت القوات الروسية ما لا يقل عن 500 قرية شركسية.
يتذكر المستشار العسكري الفرنسي ألكسندر فونفيل، الذي شارك في الحرب إلى جانب الشركس: “أتيحت لنا فرصة رؤية الفقر المدقع الذي عاش فيه هذا الشعب المسكين. كنا نلتقي كل يوم بمجموعات جديدة منهم تنتقل إلى أراضٍ لم تحتلها القوات بعد، وتسببت الأمطار والفيضانات الأخيرة في مقتل عدد كبير من هؤلاء المستوطنين. كنا نرى باستمرار الجثث في طريقنا. كان الجوع فظيعًا، ومات العديد من قليلي الحظ بسببه”.
انتظر آلاف الناس السفن إلى تركيا على مدى أشهر عديدة، وماتوا عند شواطئ البحر الأسود.
كتب الباحث القوقازي أدولف بيرج: “الوقت المتأخر، الطقس العاصف والبارد، وسائل العيش شبه المعدومة، وأوبئة التيفوس والجدري المستعرة جعلت وضعهم يائسًا”. في الطريق، توفي العديد من أولئك الذين تمكنوا من انتظار وقت الرحيل. على متن قوارب مصممة لحوالي 50-60 شخصًا، ازدحم 300-400 مستوطن: مات الناس سحقًا، وغرقت القوارب من الحمولة الزائدة.
يتذكر نوري، وهو ضابط شركسي في الجيش التركي:
We were thrown, like dogs, into sailboats; suffocating, hungry, ragged, sick, we awaited death as the best fate, nothing was taken into account: neither deep old age, nor illness, nor pregnancy! All the money allocated by your [the Russian] government to support the settlers, all went somewhere, but where? We did not see them, we were treated like cattle, we were piled on common bunks in hundreds, not distinguishing between the healthy and the sick, and thrown on the nearest Turkish shore. Many of us died, the rest settled wherever they could.
تم إلقاؤنا مثل الكلاب في المراكب. لا يهم ما إذا كنا نختنق أو جائعين أو بحالة رثة أو مرضى، انتظرنا الموت باعتباره أفضل مصير لنا؛ لم يؤخذ أي شيء في الاعتبار: لا شيخوخة، ولا مرض، ولا حمل! كل الأموال التي خصصتها حكومتكم [الروسية] لدعم المستوطنين، ذهبت إلى مكان ما، ولكن إلى أين؟ لم نرها، عوملنا مثل الماشية، كنا مكدسين على أسرّة مشتركة بالمئات، بدون تمييز بين الأصحاء والمرضى، وألقينا على أقرب شاطئ تركي. مات الكثير منا، واستقر الباقون أينما استطاعوا.
في تسعينيات القرن العشرين، أُعلن الواحد والعشرون من شهر مايو/أيار رسميًا يوم حداد ويوم عطلة في قباردينو بلقاريا وأديغيا وكاراتشاي تشركيسيا. في هذه الجمهوريات، وكذلك في تركيا وبلدان أخرى ذات شتات شركسي كبير، تقام عادةً مراسم الحداد حيث ينظم الشركس مسيرات ومواكب ويضعون الزهور على النصب التذكارية المخصصة لضحايا الحرب.
في عام 2022، تم إنهاء هذا التقليد في روسيا، إذ لم توافق سلطات قباردينو بلقاريا على مسيرة الحداد. وفقًا للناشطين، حذرهم رئيس إدارة الجمهورية في اجتماع من أنه لن تتم الموافقة على الحدث بأي حال من الأحوال. مع استمرار الحرب في أوكرانيا، نقل الناشطون عن هذا المسؤول قوله بوجوب قباردينو بلقاريا “إظهار التضامن الكامل وعدم تذكير موسكو بصفحات مزعجة من التاريخ”.