مع اقتراب ليبيا من الذكرى السنوية الأولى لفيضانات درنة الكارثية، ضربت موجة جديدة من الأمطار الغزيرة والفيضانات مدينة الكفرة في جنوب شرق البلاد، مما تسبب في أضرار واسعة النطاق وإعادة إشعال المخاوف والذكريات المؤلمة لكارثة العام الماضي التي أودت بحياة الآلاف في مدينة درنة الساحلية الشمالية الشرقية وتركت البلاد في حالة من الحداد.
في الحادي عشر من أغسطس/آب، ضربت أمطار غزيرة غير معتادة منطقة الكفرة. قدرت الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية هطول الأمطار بحوالي 46 ملم في ساعة واحدة – 51 ملم في 24 ساعة – الأشد منذ عام 1952. وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، نزح ما لا يقل عن ثلاث آلاف شخص بسبب الفيضانات، التي تسببت في أضرار للخدمات والبنية التحتية والمنازل في المنطقة المتضررة. كما تم الإبلاغ عن مقتل أربعة أشخاص من الجنسية التشادية، بينما انتشر مقطع فيديو لجمعية الهلال الأحمر تخلي مستشفى في المدينة عبر الإنترنت.
لا تزال ذكريات فيضانات العام الماضي حية في أذهان الكثيرين، ولم يؤد الوضع في الكفرة إلا إلى تعميق الشعور بالضعف الذي يشعر به جميع أنحاء البلاد.
اجتاحت سيول جارفة #مدينة_الكفرة الليبية، إثر الأمطار الغزيرة، مخلّفة أضرارا كبيرة في الممتلكات وسط انتشار مخاوف من تكرار كا*رثة فيضانات درنة.#شو_صار #ليبيا #كوارث_طبيعية #سيول_جارفة #أمطار_غزيرة #فيضانات #منوعات pic.twitter.com/wDm94c8WhK
— شو صار (@shusar279) August 12, 2024
في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2023، بعد أيام من الأمطار الغزيرة، انهار سدان في منطقة درنة، ما أدى لإطلاق موجة هائلة من المياه اجتاحت المدينة القريبة، دمرت كل شيء في طريقها. بعد مرور عام، لا يزال عدد القتلى غير نهائي، حيث تقدر مصادر مختلفة العدد بين 6 آلاف و20 ألفًا بعد إضافة المفقودين، حتى يومنا هذا.
الأزمة الإنسانية والمناخية
تذكرنا الفيضانات المدمرة بتأثير أزمة المناخ والتكرار المتزايد للأحداث الجوية المتطرفة، بما في ذلك الفيضانات والانهيارات الأرضية. حذر الخبراء مرارًا وتكرارًا من أن مثل هذه الأحداث أصبحت أكثر شيوعًا بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية. مع ذلك، فإن هذه الكوارث ليست نتيجة لأسباب طبيعية فحسب؛ فقد أدت العوامل البشرية، بما في ذلك الصراع والفساد وصيانة البنية التحتية الرديئة والتخطيط الحضري غير الكافي، إلى تفاقم الآثار بشكل كبير.
كشف تقرير صادر عن مجموعة World Weather Attribution أن أزمة المناخ الناجمة عن نشاطات الإنسان، زادت بشكل كبير من احتمالية هطول أمطار غزيرة في ليبيا، مما يجعل مثل هذه الأحداث الجوية المتطرفة أكثر احتمالية بنحو 50 مرة. كما أبرز التحليل احتمال تخفيف تأثير الكارئة مع الاستعداد الأفضل والبنية الأساسية، بالرغم أن أزمة المناخ لعبت دورًا حاسمًا في تكثيف العاصفة التي من المحتمل أن تضرب ليبيا مرة كل 300 إلى 600 عام.
في أعقاب فيضانات درنة، كشفت التحقيقات أن انهيار السدود كان بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك الفساد والإهمال وانعدام الرقابة. رغم تخصيص أموال لصيانة السد، لم يتم إنجاز أي أعمال تذكر، الأمر الذي ترك البنية التحتية في حالة خطيرة. وأدت النتائج إلى اعتقال وإدانة 12 مسؤولاً، وحُكم عليهم في 28 يوليو/تموز من هذا العام بالسجن لمدد تتراوح بين تسعة و27 عامًا، معظمهم من العاملين في إدارة الموارد المائية والسدود، ومنهم رئيس صندوق إعادة إعمار درنة وعضو اللجنة المالية المكلفة بتنفيذ خطة إعادة الإعمار.
بعد أسبوعٍ على الإعصار «دانيال» والفيضان الذي تلاه، اقتحم وأحرق أهالي بلدة #درنة الليبية منزل عميد البلدية عبد المنعم الغيثي، ليلاً، بعد نهارٍ شهد تجمّعات وتظاهرات تُطالب بإسقاط البرلمان ورئيسه #عقيلة_صالح.
تلا المتظاهرون بياناً باسم «سكّان درنة» خلال وقفتهم أمام المسجد الكبير،… pic.twitter.com/eS7VZiW9vE
— Megaphone (@megaphone_news) September 19, 2023
قرأ المتظاهرون بيانا باسم “أهالي درنة” خلال وقفتهم أمام الجامع الكبير، طالبوا فيه بالإسراع بنتائج التحقيق ومحاسبة “كل من كان له يد في الإهمال أو السرقة التي أدت إلى هذه الكارثة”، بالإضافة إلى حل المجلس البلدي والتحقيق في موازناته السابقة. تحقق المطلب الأخير، حيث قرر أسامة حماد رئيس حكومة شرق البلاد حل المجلس البلدي في درنة.
لا تزال عواقب الفيضان تتكشف حتى اليوم، حيث سجل آخر بيان رسمي وفاة نحو 3338 شخصا، مع توقعات بارتفاع العدد، فيما يستمر البحث عن آلاف المفقودين، مع تحذيرات من الأمم المتحدة من انتشار أمراض جديدة في المنطقة المتضررة.
ذكرت منظمة العفو الدولية أن حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها طرابلس والقوات المسلحة العربية الليبية، التي كانت تسيطر على المناطق المتضررة من فيضانات عام 2023، لم تقدم تحذيرات كافية أو تتخذ إجراءات أساسية للتخفيف من المخاطر قبل العاصفة دانيال، مما أدى في النهاية إلى انهيار السدود.
اقرأ المزيد: “الفيضانات ستكون جزء من حياتنا” تقول المهندسة المعمارية البرازيلية
لا يزال العديد من الليبيين متشككين بشأن المساءلة الحقيقية للمسؤولين، خاصة وأن الجهات الفاعلة العسكرية والسياسية القوية تهربت إلى حد كبير من التدقيق.
لا يمكن تجاهل دور الصراع الدائر في ليبيا أيضًا. لقد دمرت الحرب البنية التحتية للبلاد وتركتها منقسمة، مما يجعل من الصعب تنفيذ استراتيجيات فعالة للاستعداد للكوارث وتعقيد جهود الإغاثة، مما يجعل العديد من المجتمعات عرضة لتأثيرات الكوارث الطبيعية.