هل تتحمل الصين مسؤولية تدمير غابات ميووبو في إفريقيا؟

غابات ميووبو . صورة من ترخيص ويكيميديا كومنز CC BY 2.0 DEED

تغطي غابات ميووبو حوض الكونغو وعدة دول في جَنُوب أفريقيا. هذه الغابات، التي تضم مروجًا استوائية وشبه استوائية، قادرة على امتصاص ما بين 0.5 و 0.9 طن من ثاني أكسيد الكربون لكل هكتار سنويًا، مما يجعلها عنصرَا مهما في مكافحة انبعاثات الكربون الناتجة عن النشاط البشري. تستفيد البلدان التي تحتضن غابات ميوبو مثل: بوروندي وتنزانيا وملاوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا وموزمبيق وجنوب أفريقيا وناميبيا وزامبيا وزيمبابوي، بشكل كبير من الغابات لأنها تتصدى بفاعلية لظاهرة الاحتباس الحراري والتآكل، بالتالي تساعد في الحد من الكوارث المناخية في المنطقة.

غابات ميوبوو في ملاوي. صورة من ترخيص ويكيمديا كومنز CC BY-SA 3.0

بالمثل، فإن الغابات ونظمها البيئية تؤدّي دورًا مهمًا في دعم سبل العيش والاقتصاد والثقافة المحلية والعديد من الجوانب الأخرى، على سبيل المثال: عند مطلع الموسم، تبدأ أشجار غابات ميووبو بتساقط أوراقها، مما يسمح بنمو الفطر الأحمر المعروف بإسم” كابينجيرا” في اللغة الكيروندية. يمكن بيع الفطر الأحمر بين 5 إلى 7 دولارات أمريكية للكيلو الواحد، مما يجعله موردًا اقتصاديَا مربحًا، لا سينما في بوروندي وتنزانيا حيث يعد دخل الفرد من بين أدنى المعدلات في المنطقة.

حسب رئيس موزمبيق، فيليب نيوسي(Filipe Nyusi) استفاد ما لا يقل عن 300 مليون شخص في جَنُوب وشرق ووسط أفريقيا من منتجات غابات ميووبو، كما تعد غابات ميووبو موطنًا للحيوانات البرية المستوطنة، بما في ذلك الأسود والقردة والفيلة ووحيد القرن وغيرها.

مع الدور الحيوي المهم للغابات، إلا أن المستثمرين الأجانب، لا سيما الشركات التجارية الصينية، يشاركون في إزالة الغابات بشكل غير قانوني لأغراض مثل التعدين وقطع الأشجار والتجارة.

الشركات الصينية في غابات الميووبو

في غابات ميوبو وغابات حوض الكونغو، تتسم العِلاقة بين العديد من شركات قطع الأشجار والصين بالتعقيد. يُصدَّر ثلاث أرباع خشب غابات ميوبو إلى الصين. تعدّ الصين أكبر مستورد للأخشاب الخام عالميًا، حيث تستورد ثلثي الأخشاب الاستوائية في العالم. تشير تقارير الإدارة الوطنية للغابات والمروج في الصين (NFGA)، إلى أنه في عام 2019  بلغ استهلاك الصين من الأخشاب الخام حوالي 431 مليون متر مكعب، استُخدم 90% منها في البناء وصناعة الورق والأثاث.

تلعب الشركات الصينية دورًا رئيسيًا في تعزيز تجارة وتصدير الأخشاب المحلية، مع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت الشركات الصينية تمتثل للوائح قطع الأشجار المحلية.

غالبية شركات قطع الأشجار الصينية هي شركات خاصة، في حين أن قلة منها مملوك للدولة. بالنظر إلى الوضع العام، فإن معظم هذه الشركات تظهر بصفة مالكة لحقوق قطع الأشجار. على سبيل المثال، في الجابون، تمتلك الشركات الصينية 25% من حقوق قطع الأشجار، وهذه النسبة في تزايد مستمر. لكن الحصول على هذه الحقوق لا يعني بالضرورة أن هذه الشركات تلتزم بالقوانين. في عام 2022، كشفت صحيفة “إل باييس” الإسبانية عن تحقيق يظهر أن العديد من الشركات الصينية قد  حصلت على حقوق قطع الأشجار بطرق غير قانونية بواسطة رشوة المسؤولين الحكوميين المحليين.

في شمال جمهورية الكونغو، تحديدًا في منطقة ياليوسا Yaliwasa، تُقطع أشجار الغابات الاستوائية التي يعود عمرها إلى مئات السنين، ثم تُنقل بشكل غير قانوني إلى الصين ودول أخرى. وفقًا للتحقيقات، إحدى الشركات المتورطة في تدمير هذه الغابات هي شركة فوديكو الصينية. تفتقر هذه الشركة للخبرة الصناعية في قطع الأشجار، وقد خرقت الحظر الذي فرضته الكونغو على قطع الأشجار الصناعية لمدة 20 عامًا، لكنها استمرت في هذه الأنشطة تحت حماية متعاقبة لعدة وزراء من الكونغو.

“في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كل وثيقة أو إثبات للشرعية يمكن شراؤه، حيث تبيع المؤسسات الإدارية الأسس الشرعية”  تبعًا لـِما صرّح به مستشار دُوَليّ متخصص في إدارة الغابات لصحيفة (إل باييس)، وقد طلب عدم الكشف عن هويته.

شركة فوديكو (Fodeco)  ليست الوحيدة في هذا المجال. شركة داونستريم (Downstream)، المسجلة في هونغ كونغ، شركة تابعة لمجموعة بومينغ، قامت هي الأخرى بانتهاك قوانين الكونغو خلال قطع الأخشاب الصلبة. هذه الشركات تحوز على تراخيص محلية لقطع الأشجار، وتنقلها بشكل غير قانوني بتواطؤ أو تغاضٍ من المسؤولين المحليين.

في منشور على LinkedIn، قام رئيس مجلس إدارة شركة Booming Green بالترويج لأحد أنواع الأشجار المهددة بالانقراض، وهو نوع Afrormosia.

في العديد من الدول الإفريقية، عدّ إساءة استخدام التراخيص أمرًا شائعًا. في موزمبيق، يزعم المطلعون أن تكلفة رشوة المسؤولين الحكوميين لتصدير حاوية واحدة من الأخشاب غير المطابقة للقوانين تصل إلى حوالي 520 دولارًا، ويتطلب الأمر عادةً رشوة أربعة مسؤولين في الأقل. أما في الكاميرون، فإن بعض الشركات غير القانونية تذهب إلى حد توظيف المسؤولين الحكوميين لمرافقة شحنات الأخشاب غير القانونية وضمان مرورها بسلاسة عبر نِقَاط التفتيش. هذه العِلاقة الفاسدة تُعد شكلًا آخر من أشكال انتهاك حظر قطع الأشجار. 

وفقًا للباحثين، استقبلت موزمبيق حوالي 66 مشروعًا مملوكًا لمستثمرين صينيين من القطاعين العام والخاص بين عامي 2000 و2010.

الخشب الأحمر

في السنوات الأخيرة، شهدت الحدود بين موزمبيق وتنزانيا تمردًا متزايدًا. بين عامي 2017 و2023، تم تصدير حوالي 3.7 مليون طن من الأخشاب من موزمبيق إلى الصين، بعضها جاء من مناطق يسيطر عليها المتمردون، مما جعل موزمبيق أحد الموردين الرئيسين للأخشاب إلى الصين. وفقًا لتقرير صادر عن وكالة التحقيقات البيئية (EIA)، منظمة غير حكومية في الولايات المتحدة، أكثر من 89% من صادرات الأخشاب كانت غير قانونية، ومعظمها من الخشب الأحمر النادر والمهدد بالانقراض.

مع حظر الصين استيراد الأنواع المهددة بالانقراض من الدول الإفريقية، إلا أن تجارة الأخشاب المرتبطة بغابات الميوومبو في تزايد مستمر، حيث يُقدر أن حوالي 23 مليون دولار من الأخشاب غير القانونية يتم تصديرها سنويًا. وفقًا لتقرير من BBC، يتم استخدام معظم عائدات هذه التجارة غير القانونية في تمويل التنظيمات الإرهابية. تابع الصحفيون الاستقصائيون أكثر من 300 حاوية شُحنت إلى الصين بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومارس/آذار 2024، حيث بلغت قيمة كل حاوية 60 ألف دولار، ليصل الإجمالي إلى 18 مليون دولار.

في إفريقيا، بدأت السلطات مثل الاتحاد الإفريقي تدرك خطورة هذا الأمر، وتسعى للبحث عن حلول لمواجهة قطع الأشجار والتعدين غير القانوني. وقعت معظم الدول التي تشترك في هذه الغابة على “إعلان مابوتو” في عام 2022، بهدف حماية هذه المنطقة التي تتجاوز مساحتها 2.7 مليون كيلومتر مربع.

علاوة على ذلك،  حذر رئيس موزمبيق فيليب نيوسي من أن البلاد تخسر سنويًا غابات تعادل مساحتها 1000 ملعب كرة قدم بسبب الأضرار المتعمدة وتجارة الأخشاب غير القانونية وقطع الأشجار في غابات الميوومبو. خلال ورشة عمل أمريكية حول حماية غابات الميوومبو، تحدث نيوسي عن أهمية التعاون مع رؤساء الدول المجاورة لمواجهة تراجع هذه الغابات. قال: “إذا أردنا إحراز تقدما ما، فيجب علينا أن نعمل معًا بجد”.

الصين تتبنى موقفًا غير واضح

في السنوات الأخيرة، استمر تدفق الأخشاب غير القانونية من أفريقيا إلى السوق الصينية، ولكن تحمل مسؤولية  قطع الأشجار غير القانوني ظلت مشكلة قائمة. في عام 2023، أفادت منظمة “جلوبال ويتنس” العالمية المعنية بمراقبة البيئة بأن شركة “بايسن لوجستكس” في جمهورية الكونغو الديمقراطية صدّرت خلال ست أشهر أخشابًا غير قانونية إلى شركة “وانبينج” الصينية بقيمة 5 ملايين دولار.

صرح مسؤولو الجمارك الصينيون لوسائل الإعلام بأن التحقيق يجب أن يتم من قبل الحكومة المحلية، نظرًا لأن عملية القطع تمت في جمهورية الكونغو. أضافوا، أنه إذا طلبت جمهورية الكونغو الديمقراطية ذلك، يمكن للحكومة الصينية التحقيق في الشركات والمواطنين الصينيين المتورطين في القطع غير القانوني. بوجه عام، تعتمد السلطات الصينية في تعاملها مع التحقيقات التجارية العابرة للحدود على التزام الشركات الطوعي، وعلى هذا، فإن قانونية العملية بالكامل تعتمد على مدى التزام الشركات بتطبيق القوانين.

غالبًا ما اتسم هذا الموقف بالتناقض، حيث إن القوانين في دول مثل الكونغو الديمقراطية، التي تعاني من الفساد، غالبًا ما تُستخدم أداة للتفاوض على الرِّشى. وفقًا لمؤشر إدراك الفساد لعام 2023، احتلت الكونغو الديمقراطية المرتبة 158 من أصل 180 دولة. يعتقد تشارلي هارمانس، محقق في “جلوبال ويتنس”، أن الطريقة الوحيدة الفعالة لمكافحة تجارة الأخشاب غير القانونية هي فرض الصين حظرًا مباشرًا على استيراد الأخشاب غير القانونية من الخارج في قانونها لحماية الغابات.

في السنوات الأخيرة، اتخذت الصين بعض الخطوات لتحقيق هذا الهدف. في يوليو/تموز 2020، عدلت الصين (قانون الغابات)، مما أسس أساسًا قانونيًا لتتبع مصادر الأخشاب غير القانونية. تنص المادة 65 المعدلة على:

木材经营加工企业应当建立原料和产品出入库台账。任何单位和个人不得收购、加工、运输明知是盗伐、滥伐等非法来源的林木。

يجب على الشركات العاملة في مجال الأخشاب أن تقوم بإعداد سجلات لتتبع المواد الخام والمنتجات الداخلة والخارجة. كما يُحظر على أي جهة أو فرد شراء أو معالجة أو نقل الأخشاب التي يعرف أنها قُطعت بطريقة غير قانونية، مثل التهريب أو الاستغلال المفرط.

مع ذلك، لا يشمل هذا القانون، بشكل واضح، الأخشاب المستوردة، ولا يفرض على الشركات إجراء تحقيقات دقيقة حول مصادر الأخشاب التي يتم شراؤها. وضعت وزارة الموارد الطبيعية في الصين تعديل هذا القانون على جدول أعمالها، ولكن لم يُحدد بعد موعد تنفيذ التعديلات.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.