في إدلب، شمال سوريا، نظمت منظمة بنفسج، وهي فريق إنساني، حدثًا رياضيًا تضمن إيقاد الشعلة الأولمبية كجزء من حفل افتتاح الألعاب البارالمبية المحلية. أثار هذا الحدث جدلًا واسع النطاق.
نظر البعض إلى الحفل على أنه ترويج للعادات الوثنية التي تتعارض مع القيم الإسلامية، وتسلط الضوء على سوء فهم الرموز الثقافية وتوافقها مع العقيدة الإسلامية.
إلغاء الحدث
استهدفت المبادرة المحلية اللاعبين المحترفين الدوليين السابقين، والهواة الذين أصيبوا بجروح من الحروب في البلاد، والأفراد ذوي الإعاقات الجسدية والعقلية. شجع المدنيون، الذين حضروا حفل الافتتاح بالمئات، الحدث بشكل كبير. ومع ذلك، تحركت هيئة تحرير الشام – وهي منظمة مسلحة سياسية إسلامية سنية متورطة في الحرب الأهلية السورية، والسلطة الحاكمة في المنطقة – بسرعة لإلغاء الحدث، وأصدرت تحذيرًا للمنظمين. واستشهدوا بـ “الانتهاكات” خلال الحفل، مشيرين على وجه التحديد إلى حمل الشعلة الأولمبية.
تصاعد الجدل عندما أعلنت حكومة الإنقاذ السورية، التابعة لتحرير الشام تعليق الحدث والعمل الإنساني لمنظمة بنفسج في إدلب.
أوضحت منظمة بنفسج أهدافها، على صفحتها على فيسبوك ذات 568 ألف متابع، في منشور يؤكد على تركيز الحدث على لفت الانتباه إلى الرياضيين السوريين بدرجات متفاوتة من الإعاقة. هؤلاء الرياضيون، بما في ذلك أولئك الذين يعانون من ضعف العضلات وضعف الحركة وقصر القامة وتوتر العضلات وضعف البصر والإعاقات التنموية، غير ممثلين بشكل كافٍ في الأحداث البارالمبية في باريس:
أهلنا وأخواننا في مكان، نُثمن ونقدر تعليقاتكم ..نودّ أن نوضّح أن هدفنا من تنظيم هذه الفعالية كان تعزيز الروح الرياضية والتضامن مع فئة غالية على قلوبنا جميعًا ، وإيصال معاناتهم لكل العالم وهي فئة ذوي الهمم ، ولم يكن في نيتنا لاسمح الله تحت أي ظرف محاكاة تقاليد أو رموز ثقافية غير مألوفة لمجتمعنا وبيئتنا السورية الأصيلة، التي نعتز ونكبر بها.كما نؤكد أن اختيار شعلة الأولمبياد كجزء من الفعالية كان يهدف لتعزيز الروح الرياضية والمنافسة وهو بروتوكول متعارف عليه دولياً، دون أي قصد مباشر أو غير مباشر لتقليد ما يتعارض مع قيم المجتمع السوري وتعاليمه الدينية الراقية
حرب اتهامات
أثار الحدث سريعًا غضب الإسلاميين المتطرفين. خلال ساعات، بدأت الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي في مهاجمة الحفل. وتصاعد الموقف إلى نزاع عام بين “القادة الجهاديين” المختلفين في شمال سوريا، مما أدى إلى حرب اتهامات بين قادة ما أطلق عليه بعض الخبراء “دولة تكنوقراطية بعد الحكم الجهادي” في إدلب.
ظهر فصيلان رئيسان: أحدهما بقيادة الجهادي السعودي مصلح العلياني، أدان الحدث في مقطع فيديو، لأنه يروج “للتقاليد الوثنية”، بينما دافع الفصيل الآخر عن هيئة تحرير الشام. اتهمت المجموعة الأولى تحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني “بالسماح بانتشار الكفر“. دافعت المجموعة الثانية عن الهيئة، لكنها ألقت باللوم على منظمة البنفسج في الحادث. كما زعم أنصار تحرير الشام أن المجموعة الأولى تملك آراء متطرفة تذكرنا بتنظيم الدولة الإسلامية.
في نهاية المطاف، ألغت هيئة تحرير الشام وحكومتها الحدث، وأنشأت مكتبًا للفعاليات في المديرية العامة للشؤون السياسية، وأمرت منظمة بنفسج بحذف جميع الصور المتعلقة بالحدث من منصاتها. كما طُلب من المجموعة إصدار بيان تبرئ فيه نفسها من المسؤولية.
وفي الوقت نفسه، أدان أحد مستخدمي فيسبوك الحدث، مستشهدًا بمظالم مختلفة ودعا إلى تطبيق “الحسبة” – وهو مفهوم إسلامي للمساءلة يأمر بالمعروف ويحرم الخطأ على جميع المسلمين:
ما الذي يجري في المحرر؟؟!!تذكروا يا قادة.. يا من أذنتم بذلك!أن أرض المحرر رويت بدماء الشهداء..نعوذ بالله من مهرجان الملعب البلدي فلقد اشتمل على منكرات كثيرة..- الشعلة الأولمبية الوثنية..- ركوع للآلهة..- اختلاط لدرجة الالتصاق بين الرجال والنساء- موسيقا صاخبة..- وإعلامي فاسق يلتقط صورة سيلفي مع الفتيات.. والأسوأ أنهن كاشفات الوجوه؟اللهم إني أبرا إليك مما صنع هؤلاءاللهم وإني أبرأ إليك من جميع المنكرات والظلم والمخالفات الشرعية الذي تقع في المحرر من إدلب إلى شمال حلب.أطالب قيادة الهيئة بتفعيل الحسبة فورًا.
أضاف مستخدم فيسبوك آخر:
كل من يروج لهاذا العمل الخبيث [فإنه] قضب الله، ابتعدو عن [هذا] العمل في إدلب. يقولون أن الشعلة (شعلة الأولمبياد) هي رمز للعدالة، وفي الحقيقة هي عقيدة وثنية تعني: رمز خلود آلهتهم التي يعبدونها من دون الله عز وجل، وتعني تلك النار المشتعلة: قيام الطاغوت بروميثيوس بسرقة النار من الطاغوت زيوس، وإعطاءها لعامة الأمة الإغريقية كما بعقيدة الميثولوجيا الإغريقية. هي من المراسيم الرئيسية في ما يسمى بالألعاب الأولمبية الوثنية، وقد بدأ فكرة إدراج الشعلة الأولمبية في العصر الحديث
صراعات إقليمية مجهولة النتائج
إن الجدل حول الشعلة الأولمبية ليس سوى واحد من العديد من القضايا التي تفرق بين سكان شمال سوريا. كما تلعب الجغرافيا السياسية للمنطقة، بما في ذلك الوجود التركي، وارتباطه بالجيش الوطني السوري، الذي تأسس في عام 2015، دورًا مهمًا. كان التعاون بين هيئة تحرير الشام وتركيا يهدف إلى فصل أولئك التابعين لتنظيم القاعدة عن أولئك الذين يحاولون إبعاد أنفسهم عن مثل هذه الأيديولوجيات. وافقت هيئة تحرير الشام على تشكيل غرفة عمليات مشتركة، الفتح المبين، لتعزيز هذه الجهود.
بينما تظل الأسئلة قائمة حول قدرة هيئة تحرير الشام على القضاء تمامًا على داعش من أراضيها، فإن الإعلان عن مقتل زعيم داعش أسامة المهاجر في يوليو/تموز 2023، يُظهر جهودًا مستمرة في هذا الصدد.
إضافة إلى ذلك، قد تسير العلاقات بين سوريا وتركيا في طريق التطبيع، مع إبداء الرئيس التركي استعداده لاستعادة العلاقات الدبلوماسية كجزء من جهود المصالحة الأوسع أو هزيمة المعارضة، في حين يلمح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى إمكانية عقد اجتماع رباعي رفيع المستوى يهدف لمعالجة تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا. مع ذلك، تشكل عدة عوامل، مثل وجود القوات وقضية وحدات حماية الشعب، عقبات أمام أي تقدم دبلوماسي.