كيف تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج التوترات الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي

لقطة شاشة من مقطع فيديو على موقع يوتيوب “لماذا تتعاون مصر والصومال ضد إثيوبيا”. من إنتاج TLDR News Global. الاستخدام العادل.

في منطقة القرن الأفريقي، حيث التحالفات السياسية الهشة والتوترات العسكرية هي السائدة، وجد الصراع بين إثيوبيا ومصر والصومال ساحة معركة جديدة: وسائل التواصل الاجتماعي. أصبحت منصات مثل تيك توك وX (المعروفة سابقًا باسم تويتر) وفيسبوك، الآن لاعبين رئيسين في حرب رقمية حيث تعمل المعلومات المضللة على تأجيج الحماسة القومية وزيادة خطر العنف في العالم الحقيقي.

تغذي نقطتا اشتعال جيوسياسيتان رئيسيتان هذا الصراع عبر الإنترنت: بناء إثيوبيا لسد النهضة الإثيوبي الكبير على نهر النيل، وانخراطها الدبلوماسي الأخير مع أرض الصومال، منطقة مستقلة معلنة تسعى للاعتراف الدولي. بالنسبة لمصر، التي تعتمد على النيل في الحصول على مياهها، تنظر إلى السد على أنه تهديد مباشر لبقائها. في الوقت نفسه، أثار تواصل إثيوبيا مع أرض الصومال غضبًا في الصومال، التي تنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها تحديًا لسلامة أراضيها.

على الرغم من أن هذه الصراعات تنبع من نزاعات تاريخية وجغرافية قديمة في التاريخ، إلا أنها وصلت الآن إلى ملايين الأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

لقطة شاشة من فيديو تيك توك نشرته مافي فاسيل. الاستخدام العادل.

تأثير تيك توك

لقد برز تيك توك، على وجه الخصوص، كمرحلة هدأت فيها التوترات الجيوسياسية المعقدة مع إضفاء الطابع الدرامي عليها وتشويهها بشكل متكرر. في مقطع شهد انتشار واسع، نشر مستخدم إثيوبي مقطع فيديو حيث تسكب امرأة الماء من زجاجة عليها علم إثيوبيا في زجاجات أصغر عليها أعلام مصر والسودان، والتي تمثل سيطرة إثيوبيا على النيل. مصحوبًا بالموسيقى الوطنية، يعد الفيديو عرضًا جريئًا للفخر الوطني، مما يعزز السرديات الإثيوبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

استجاب مستخدمو تيك توك المصريون بالمثل. في أحد مقاطع الفيديو، يسكب رجلان الماء من وعاء عليه علم إثيوبيا في أكواب تمثل مصر والسودان، فقط لإعادة الماء إلى الوعاء. ينتهي الفيديو بوضع رمز قنبلة على الوعاء، في إشارة لإحباط مصر واحتمال التخريب. بالرغم من رمزية هذه المقاطع، إلا أن التوترات الأساسية التي تعكسها حقيقية جدًا.

على خلفية حرب المعلومات المستمرة بين مصر وإثيوبيا، أدت العلاقة المتنامية بين إثيوبيا وأرض الصومال إلى تعقيد ديناميكيات المنطقة الهشة. في يناير/كانون الثاني 2024، وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال، في إشارة لاعتراف محتمل باستقلالها ــ وهي الخطوة التي عارضتها الصومال بشدة. كما عززت مصر علاقاتها مع الصومال من خلال اتفاقية تعاون عسكري، مما أدى إلى تصعيد التوترات في المنطقة.

منذ ذلك الحين، ظهرت تقارير تفيد بأن مصر زودت الصومال بمعدات عسكرية وأفراد.

مع انتشار أنباء التحالف بين مصر والصومال، غمرت مقاطع فيديو احتفالية على تيك توك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، اعتمد الكثير منها على محتوى تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي ولقطات تم التلاعب بها.

لقطة شاشة من فيديو تيك توك من eslamyears22 استخدام عادل.

من بين أكثرها استفزازًا كان مستخدم مجهول على تيك توك، تحت اسم المستخدم “user74220974543408“، الذي اكتسب الاهتمام بسلسلة من المنشورات التحريضية. في أحدها، تظهر خريطة لإثيوبيا تحت الأقدام مع العلم المصري حولها، مصحوبة بموسيقى مصممة لإثارة الشعور بالتهديد.

غالبًا ما تنشر منشئة محتوى مصرية على تيك توك، @100._._6، مقاطع فيديو تشيد بالقوة العسكرية لمصر وتحتفل بتحالفها مع الصومال. اكتسب محتواها زخمًا كبيرًا في الصومال، وأصبح نقطة تجمع لأولئك الذين يرون أن الشراكة حيوية في مواجهة النفوذ الإقليمي لإثيوبيا. جذبت هذه المقاطع مئات التعليقات باللغات العربية والأمهرية والأورومو والإنجليزية، مما يسلط الضوء على التأثير عبر الحدود لهذا الصراع الرقمي المتصاعد.

أقسام التعليقات مليئة بالخطابات والأعلام القومية. يتباهى المؤيدون الإثيوبيون بأن “إثيوبيا مستعدة” و”نحن ملوك في أفريقيا”، بينما يقدم أولئك الذين يحملون علم أرض الصومال دعمهم، ويشيرون إلى الإثيوبيين باعتبارهم “إخوة” مستعدين “للرد”. من ناحية أخرى، تعرب الحسابات الصومالية عن استعدادها للتحالف مع مصر وتوحيد القوى ضد إثيوبيا.

تذهب بعض الحسابات إلى أبعد من ذلك، وتدعو إلى العنف ضد مجتمعات معينة في الصومال. على وجه الخصوص، استهدفت حسابات مثل @anti_qabiil2023 مجتمع الأورومو، مما أثار التوترات بتشجيع العنف ضدهم، خاصة بالنظر إلى تراث الأورومو لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي.

لقطة شاشة من فيديو تيك توك من user74220974543408. استخدام عادل.

حتى ميزة “المباراة الحية” في تيك توك – حيث يتنافس المستخدمون على الهدايا الرقمية من المتابعين – تم استقطابها في المعركة. ينظم بعض المستخدمين “معارك” مباشرة، حيث يمثل شخص إثيوبيا والآخر مصر، ويحث متابعيهم على إرسال هدايا رقمية كإظهار للدعم. تعكس هذه المسابقات التي تستغرق خمس دقائق، مع تأطيرها على أنها مرحة، التوترات القومية العميقة الجذور. ويفوز الجانب الذي يمتلك أكبر عدد من الهدايا الافتراضية، مما يحول ما يبدو تفاعلاً خفيف الظل إلى انعكاس للانقسامات السياسية الحقيقية في المنطقة.

الذكاء الاصطناعي وتكتيكات التضليل

لم تقتصر تكتيكات التضليل على مقاطع الفيديو والصور الساخرة. فقد أعاد ممثلون مصريون وصوماليون استخدام خطابات زعماء عالميين سابقين لتأجيج التوترات الإقليمية. يظهر مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع تعليق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2020 بأن مصر قد “تفجر” سد النهضة، والذي استخدمه شخصيات مصرية وصومالية لإثارة المخاوف من الصراع الوشيك.

Screenshot from the TikTok video by mona_christ1. Fair use.

في الوقت نفسه، استغل ممثلون مؤيدون لإثيوبيا وأرض الصومال انتقادات ترامب السابقة لعضوة الكونجرس الصومالية الأمريكية إلهان عمر، مستخدمين تعليقاته حول كون الصومال دولة “دون قانون” لتقويض حكومة الصومال.

كما اعتمدت حرب المعلومات على استغلال الانقسامات الداخلية داخل إثيوبيا. فقد استهدفت الجهات الفاعلة المتحالفة مع الحكومتين المصرية والصومالية جماعات المعارضة في الشتات الإثيوبي، وخاصة الجماعات القومية الأمهرية، لتعميق الخلافات السياسية. روجت هذه الجماعات لنظريات المؤامرة التي تشير إمكانية تحالف مجتمع الأمهرية مع مصر والصومال إذا تدخلت هاتان الدولتان ضد حكومة آبي أحمد. وقد تبنت شخصيات مصرية وصومالية هذه الرواية، التي تصور الحكومة الإثيوبية على أنها تهديد للأمن القومي، سعياً إلى الاستفادة من الخلاف الداخلي في إثيوبيا.

لم يلتزم المستخدمون المؤيدون للحكومة الإثيوبية على تيك توك الصمت في هذا الصراع الرقمي. فقد استجابوا بمحتوى مستوحى من تاريخ إثيوبيا الطويل في مقاومة القوى الأجنبية، بما في ذلك الصراعات السابقة مع مصر، حيث صوروا سد النهضة رمز للسيادة الوطنية. تؤكد هذه الروايات على نضال إثيوبيا الأوسع من أجل تقرير المصير، ومشروع السد كفخر وطني.

مما زاد من تعقيد الرواية أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المؤيدين للحكومة الإثيوبية كانوا يسلطون الضوء على منافسي مصر الإقليميين، مثل الجزائر والمغرب، في محاولة لتحويل الخطاب لصالح إثيوبيا. شهد التطور الأخير توقيع إثيوبيا على اتفاقية تعاون عسكري مع المغرب، مما أضاف طبقة أخرى إلى شبكة التحالفات والمنافسات المعقدة في المنطقة.

ينشر أحد حسابات تيك توك البارزة بانتظام دعاية تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تمجد القدرات العسكرية لإثيوبيا، وتتضمن صورًا للعلم الإثيوبي وأسدًا مصحوبًا بموسيقى حماسية، مما يعكس قوة إثيوبيا لسحق خصومها. يحاكي حساب آخر صوت رئيس الوزراء آبي أحمد يتحدث باللغة العربية، مما أدى إلى توليد آلاف التعليقات التي تشيد بقدراته اللغوية وتواصله الدبلوماسي.

النشر عبر المنصات

انتشرت حرب التضليل عبر المنصات، حيث يتم إعادة نشر المحتوى على فيسبوك وX، غالبًا دون التحقق المناسب. أدى هذا لتغذية التقليد والانتشار السريع للصور الساخرة، مما أدى لتضخيم نطاق المعلومات المضللة وتصعيد التوترات في بيئة سياسية هشة.

أطلقت شركة تيك توك مجلسها الاستشاري للسلامة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على غرار مجلس الرقابة التابع لشركة ميتا، على الرغم من أن نجاحها في الحد من المحتوى الضار في هذه المنطقة المضطربة لا يزال غير واضح.

مع تضييق الفجوة بين التضليل عبر الإنترنت والصراع في العالم الحقيقي في منطقة القرن الأفريقي، أصبحت المخاطر في هذه الحرب الرقمية شديدة بشكل متزايد.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.