مُنحت جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية هذا العام لثلاثة اقتصاديين، دارون أسيموجلو، وسيمون جونسون، وجيمس أ. روبنسون، الذين يزعمون أن المؤسسات هي السبب الجوهري للنمو على الأمد البعيد.
يملك الحائزون على جائزة نوبل نظريات رئيسة في مدرسة الاقتصاد المؤسسي الجديد. بناءً على البيانات التجريبية من المناطق الاستعمارية السابقة، تصنف أبحاثهم المؤسسات إلى نماذج “شاملة” و”استخراجية”، وتزعم أن النموذج الأول، الذي يفرض حقوق الملكية ويحمي الديمقراطية والحرية، يعزز التنمية الاقتصادية بينما النموذج الثاني، الذي يركز السلطة والموارد في دائرة صغيرة من النخب، يعيق النمو.
بعد أن أسسوا نظريتهم حول التاريخ الاستعماري، تعرضت دراساتهم لانتقادات، لأنها تتجاهل وحشية الاستعمار وتظهر تحيزًا تجاه نموذج التنمية الغربي. بالإضافة لذلك، يتم الاستشهاد بالنجاح الاقتصادي الذي حققته الصين لإثبات عدم كفاية نظريتهم، كما أشار أستاذ الاقتصاد السياسي يوين يوين آنج:
Congrats to AJR! 🌟 They are brilliant.
But I don't agree with their idealised portrayal of institutions in Western development
It is historically inaccurate, if not ideologized
Thus, not only do they struggle to explain China, they also can't explain why Western economies… https://t.co/6VZkwRdsId
— Yuen Yuen Ang (@yuenyuenang) October 14, 2024
تهانينا لأسيموجلو، وجونسون، وروبنسون! إنهم رائعون. لكنني لا أتفق مع تصويرهم المثالي للمؤسسات في التنمية الغربية. إنه غير دقيق تاريخيًا، إن لم يكن أيديولوجيًا. بالتالي، فهم لا يكافحون فقط لشرح نجاح الصين، بل إنهم لا يستطيعون أيضًا تفسير سبب تخلف الاقتصادات الغربية…
الآراء في الصين منقسمة. ومن المدهش أن بعض الآراء النقدية ظهرت، داعية إلى الإصلاح المؤسسي لمعالجة المشاكل الاقتصادية في البلاد.
انتقد مؤثرون قوميون مثل سيما نان الاقتصاديين الثلاثة من خلال مقطع فيديو على ويبو لعدم انتقادهم للاستعمار وتجاهلهم لحقيقة أن الصين تفوقت على الهند والدول الديمقراطية الأخرى في النمو الاقتصادي.
وفي مقال أكاديمي مطول آخر نُشر على موقع Guancha (منصة بحثية صينية قومية) كتبه وين يي، أستاذ الإدارة الاقتصادية، زعم أن أساس المعجزة الاقتصادية الصينية كان قوة الدولة وليس السوق الحرة أو المؤسسة الشاملة:
没有中央集权提供政治稳定、社会安宁、基础设施,不可能有市场,尤其是安全统一的大市场。而如果没有安全统一的大市场,规模化大生产不可能盈利,即使有国际组织把技术免费送给你也不行。没有这样的市场条件,外资也不可能进来。资本家和企业家难道不比新制度经济学家们更知道哪里或什么样的制度条件下才能赚钱和积累财富?仅凭这一点就说明新制度经济学关于国民财富起源和工业革命机制的理论是错误的![…]所以,缺乏国家力量主导的自由市场经济,不过是一盘散沙的小农经济,是羊肠小道,不是高速公路。
إن غياب مركزية السلطة للحفاظ على الاستقرار السياسي والنظام الاجتماعي وبناء البنية الأساسية، يجعل من المستحيل وجود سوق، وخاصة سوق كبيرة وآمنة وموحدة. بدون سوق كبيرة وآمنة وموحدة، لا يمكن للإنتاج الضخم أن يكون مربحًا، حتى لو قدمت لك منظمة دولية التكنولوجيا مجانًا.
بدون مثل هذه الظروف السوقية، لا يمكن لرأس المال الأجنبي أن يأتي أيضًا. ألا يعرف الرأسماليون ورجال الأعمال أفضل من خبراء الاقتصاد المؤسسي الجدد أين أو تحت أي نوع من الظروف المؤسسية يمكنهم كسب المال وتجميع الثروة؟ هذا وحده يوضح أن نظريات الاقتصاد المؤسسي الجديد حول أصل الثروة الوطنية وآلية الثورة الصناعية خاطئة! […] لذلك، فإن اقتصاد السوق الحر الذي يفتقر إلى هيمنة سلطة الدولة ليس أكثر من اقتصاد فلاحي صغير متناثر، مسار للأغنام، وليس طريقًا سريعًا.
مع ذلك، على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، تبنى المزيد من الناس آراء الاقتصاديين الثلاثة واستخدموا نظريتهم للدعوة إلى الإصلاح المؤسسي.
زعم الأكاديمي وانج دي شانج على تطبيق وي تشات، أن الصين تحولت من مؤسسة استخراجية خلال عهد ماو تسي تونج إلى مؤسسة شاملة مع سياسة الباب المفتوح، التي تبناها دينج شياو بينج في عام 1978. مع ذلك، تحولت البلاد مرة أخرى إلى مؤسسة استخراجية منذ عام 2012 مع توسع القطاع الحكومي. وعلى الرغم من أن النموذج الاستخراجي جلب النمو، فإنه لم يكن مستدامًا، كما أشار وانج:
例如,中国的基建和房地产经济依赖于国家投资和地方政府债务的不断扩张,形成了所谓的“债务型经济”。这种模式的重复不仅导致了债务危机、房地产泡沫和地方财政困境,也未能激发经济中的颠覆性创新能力。新质生产力的缺失,使得中国无法通过创新驱动实现长期经济繁荣,反而深陷经济通缩和就业困境中。
على سبيل المثال، اعتمد اقتصاد البنية الأساسية والعقارات في الصين على توسع الاستثمار الحكومي وديون الحكومات المحلية، مما أدى إلى ما يسمى “اقتصاد الديون”. لم يؤد تكرار هذا النموذج [الاستخراجي] إلى أزمات الديون، وفقاعات العقارات، والمتاعب المالية المحلية فحسب، بل فشل أيضًا في تحفيز التدمير الإبداعي في الاقتصاد. لقد منع الافتقار إلى الإنتاجية المبتكرة الجديدة الصين من تحقيق الرخاء الاقتصادي في الأمد البعيد. وبدلاً من ذلك، غرقت البلاد في الانكماش الاقتصادي وصعوبات التوظيف.
في السنوات الأخيرة، عانت الصين من تباطؤ اقتصادي بسبب الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وإغلاق الاقتصادات نتيجة جائحة كوفيد-19، وانفجار فقاعات سوق العقارات المحلية، مما أدى إلى الانكماش والبطالة بين الشباب.
حاولت بكين، في الآونة الأخيرة، إنقاذ الاقتصاد بخطة تحفيز بمليارات اليوان، التي عززت أسواق الأسهم الصينية وهونج كونج. مع ذلك، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت ستخلف آثارًا إيجابية طويلة الأمد.
يعتقد ني هوي هوا، الخبير الاقتصادي من جامعة رينمين، أنه لمعالجة الأزمات الاقتصادية الحالية، تحتاج الصين إلى إصلاح مؤسسي للسماح للقطاع الخاص بالنمو. كتب تعليقًا على WeChat يحث فيه على الإصلاح الهيكلي:
阿西莫格鲁等人连同早期诺斯等人的制度经济学研究,对于中国进一步深化改革和实现可持续增长具有重要的启示。第一,既然制度是长期经济增长的根本因素,那么我们的改革和发展就必须不断破除阻碍生产力前进的体制机制约束,不断解放和发展生产力。在短期内,经济刺激政策肯定是有用的,但是长期来看,仍然需要进行结构性改革。结构性改革就是进行制度改革。[…] 第二,制度的核心是保护产权和契约关系。… 根据制度经济学的研究,关键是保护企业家的“两权”——人身安全和财产安全。惟其如此,才能促进民营经济持续健康发展。
إن أبحاث الاقتصاد المؤسسي التي أجراها أسيموغلو وجونسون وروبنسون تقدم دروسًا مهمة للصين في تعميق إصلاحاتها وتحقيق النمو المستدام. أولاً، بما أن المؤسسات هي العامل الأساسي في النمو الاقتصادي الطويل الأجل، فيجب أن يستمر إصلاحنا وتنميتنا في كسر القيود المؤسسية التي تحد من تقدم القوى الإنتاجية. من الضروري الاستمرار في تحرير وتطوير القوى الإنتاجية.
في الأمد القريب، تعد سياسات التحفيز الاقتصادي مفيدة بالتأكيد، ولكن في الأمد البعيد، هناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية. […] ثانيًا، جوهر المؤسسة هو حماية حقوق الملكية والعلاقات التعاقدية…. وفقًا لدراسة الاقتصاد المؤسسي، فإن المفتاح هو حماية حقين أساسيين لرجال الأعمال – السلامة الشخصية وأمن الممتلكات. بهذه الطريقة فقط يمكننا تعزيز التنمية المستدامة والصحية للاقتصاد الخاص.
تحت قيادة الرئيس الصيني شي جين بينج، عزز الحزب الشيوعي الصيني سيطرته الحزبية على القطاع الخاص منذ عام 2012، أولًا بإنشاء فروع للحزب ثم بواسطة الاستحواذ على ما يسمى “الأسهم الذهبية” في الشركات الخاصة، خاصة في قطاع التكنولوجيا. لقد أدت سلسلة التدابير التنظيمية إلى كبح جماح القطاع الخاص من ناحية وتوسيع القطاع الحكومي من ناحية أخرى.
أدلى خبراء الاقتصاد الثلاثة الحائزون على جائزة نوبل بتعليقات مماثلة ولكنها أكثر انتقادًا بشأن التنمية السياسية والاقتصادية في الصين في السنوات الأخيرة. في عام 2022، أشار دارون أسيموغلو بإصبعه إلى شي جين بينج وذكر أن توطيد سلطته من شأنه أن يلحق الضرر باقتصاد الصين في مقال بعنوان “اقتصاد الصين يتعفن من الرأس“.
في الرد على الحجة الثقافية القائلة بأن الصينيين الكونفوشيوسيين لا يحتاجون إلى مؤسسة شاملة لدفع النمو الاقتصادي، رأى أكيموغلو وجيمس روبنسون تايوان كمثال معاكس، حيث تحولت الجزيرة إلى مؤسسة ديمقراطية ذات نمو اقتصادي مستدام. في مقال آخر بعنوان “مشكلة الصين الحقيقية في أميركا“، الذي شارك في تأليفه مع سيمون جونسون، زعم أكيموغلو أن نموذج الصين الاستخراجي/القمعي ساهم في نمو البلاد على حساب العمال الصينيين المستغلين، والعمال الأميركيين العاطلين عن العمل.
في خضم الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حث سيمون جونسون الشركات الغربية على مغادرة الصين في مقال آخر شارك في تأليفه في ديسمبر/كانون الأول 2023 حيث توقع الكاتبان فشل مبدأ واندل دوتش هاندل – وهو مبدأ في السياسة الخارجية يدعو إلى التجارة مع الدول الاستبدادية كاستراتيجية لتعزيز الإصلاح الديمقراطي، والتوسع الحتمي للحرب التجارية ضد الصين.
تشير المناقشة إلى أن التحول المؤسسي في الصين ليس مجرد قضية استدامة النمو الاقتصادي المحلي، لأن نموذجها الاستخراجي الحكومي أصبح يمثل مشكلة بالنسبة لمنافسيها الغربيين، كما أبرزت العديد من مراكز الفكر الغربية، مثل استراتيجية أسبن الاقتصادية غير الحزبية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها:
This form of globalization is also unhealthy, as it is the result of high household savings rates and faltering domestic demand, which have led China to become reliant on exports to support its economic growth. This export-led growth model is driven by extensive government… pic.twitter.com/vc9I3g2rGn
— Aspen Economic Strategy Group (@AspenEcon) October 17, 2024
هذا الشكل من أشكال العولمة غير صحي أيضًا، لأنه نتيجة لمعدلات الادخار المرتفعة لدى الأسر وتراجع الطلب المحلي، الأمر الذي دفع الصين إلى الاعتماد على الصادرات لدعم نموها الاقتصادي. يعتمد نموذج النمو القائم على التصدير على سياسات حكومية مكثفة.