
بناء تابع للأنروا في غزة بعد قصف الجيش الإسرائيلي له في 15 يناير/كانون الثاني 2009. صورة من ISM Palestine. المصدر: Flickr (CC BY-SA 2.0)
أصبحت إسرائيل الدولة الأولى في العالم، التي تشرع استخدام الفيتو ضد مؤسسة تابعة للأمم المتحدة – وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) – ووصفتها بأنها “مجموعة إرهابية” بتصويت شبه إجماعي 92-10.
يطرح هذا الفعل غير المسبوق تساؤلات عميقة: ما معنى أن توصف وكالة عالمية – تعترف بها وتمولها معظم دول العالم – بأنها “منظمة إرهابية”؟ هذا النعت لا يقوض الدور الإنساني الذي تقوم به الأونروا فحسب، إنما يضر بسمعة الوكالات الدولية الأخرى أيضًا التي تعمل لصالح حقوق الإنسان والسلام.
تصعيد متعمد
تأسست الأونروا في 1949، لتوفر الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والدعم الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ولبنان وسوريا والأردن. بالرغم من مهاجمة إسرائيل الأونروا منذ فترة طويلة، فإن التشريع الأخير شدّ من وطأة الاعتداء وصعدته إلى المستوى التشريعي، الذي حظر عمل الوكالة في إسرائيل، بالإضافة إلى أن يشمل هذا الحظر كل المناطق المحتلة، وفقًا للقانون الدولي.
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، دمرت إسرائيل مباني للأونروا في غزة عمدًا؛ بما في ذلك مدارس تأوي نازحين. في مايو/أيار 2024، اضطُرت الأونروا لإغلاق الخدمات المركزية في القدس مؤقتًا بسبب هجوم بعض “المتطرفين الإسرائيليين”.
Israeli soldiers rejoicing as a UN run school in Beit Hanoun in northern Gaza blown is turned to rubble by Israel.
The UN uses their buildings to offer shelter to displaced Palestinians.
133 UN staff have been murdered by Israel.
— Howard Beckett (@BeckettUnite) December 12, 2023
احتفال جنود إسرائيليون بتدمير إسرائيل لمدرسة تابعة للأمم المتحدة في بيت حانون، شمالي قطاع غزة.
تستخدم الأمم المتحدة مواقعها كملاجئ للفلسطينيين النازحين.
قتلت إسرائيل 133 موظفًا للأمم المتحدة.
وفقًا للمركز القانوني “عدالة”، ينتهك هذا القانون الإجراءات المؤقتة التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية، ويمكنه خرق اتفاقية الإبادة الجماعية ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. تهدد هذه القوانين عاملًا حيويًا لأكثر من 2.5 مليون لاجئ فلسطيني في فلسطين المحتلة، “وتمثل بشكل أساسي محاولة متعمدة لتقويض الأونروا ودورها الأساسي في المساهمة في التخفيف عن اللاجئين الفلسطينيين وتعليمهم واستدامة التنمية البشرية عندهم”. خاصةً، أنها تنوي سحب وضع اللجوء وحق العودة من النازحين الفلسطينيين في نكبة 1948 وحرب 1967. طالبت “عدالة” من المجتمع الدولي بتحميل المسؤولية لإسرائيل.
أصدرت حكومات أيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا بيانًا مشتركًا لانتقاد القانون الجديد، وتصفه بأنه “سابقة خطيرة لأعمال الأمم المتحدة وكل المنظمات التي تنتمي للنظام متعدد الأطراف”.
سوء العلاقات مع الأمم المتحدة
يبرهن قانون الكنيست الأخير على سقوط حر في العلاقات بين إسرائيل والأمم المتحدة، وهو ما يسفر عن كارثة في النظام المثبّت بعد الحرب العالمية الثانية، الذي يهدف إلى الحفاظ على السلام وحقوق الإنسان. يشكك هذا التشريع في سلطة القانون الدولي وأهمية المؤسسات المتخصصة في حماية حقوق الإنسان، وربما يشجع دولًا أخرى لاتباع خطى إسرائيل.
في مقابلة مع آي 24 نيوز في أغسطس/آب 2024، قال جلعاد أردان -سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة- أنه “يجب غلق مبنى الأمم المتحدة في القدس ومحيه من على وجه الأرض”. في مايو/أيار 2024، انتشر أردان على نطاق واسع بعد سحق ميثاق الأمم المتحدة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
Israeli ambassador to the UN pathetically brought a paper shredder to the UN General Assembly to shred the UN Charter in protest over majority resolution to expand Palestine’s “rights and privileges” at the UN. pic.twitter.com/NsOxHgMxph
— Marwa Fatafta مروة فطافطة (@marwasf) May 10, 2024
بشكل مثير للشفقة، أحضر سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة آلة تمزيق ورق إلى الجمعية العامة لتمزيق ميثاق الأمم المتحدة؛ احتجاجًا على قرار الأغلبية بتوسيع “الحقوق والامتيازات” الفلسطينية في الأمم المتحدة.
في يوليو / تموز، قد رفع الكنيست بالفعل تحديه عدة درجات بقرار آخر مُوافق عليه بالإجماع تقريبًا (68-9). يرفض هذا القرار قيام دولة فلسطينية، وهو ما يتعارض مع مبدأ حل الدولتين المذكور في اتفاقيات أوسلو ومع كل قرارات الأمم المتحدة الجلية، التي تتجاهلها إسرائيل بانتظام.
نمط التحديات التي تواجه الأمم المتحدة
لا يمثل فيتو إسرائيل ضد الأونروا حادثًا عارضًا، إنما هو جزء من مسيرة طويلة من العداء مع الأمم المتحدة ومؤسساتها. مؤخرًا، صرحت إسرائيل بأن أنطونيو غوتيريش -الأمين العام للأمم المتحدة- غير مرحب به ومنعته من دخول أراضيها.
يندرج هذا التصرف تحت مناسبات عديدة رفضت فيها إسرائيل تأشيرات دخول البلاد والأراضي الفلسطينية المحتلة لممثلي الأمم المتحدة ومفتشي حقوق الإنسان. ترفض إسرائيل بمنهجية طلبات الجهة الدولية للتحقق من الانتهاكات المزعومة، وتحتقر كل القرارات المرتبطة بتوسيع رقعة المستوطنات أو الأعمال العسكرية في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان.
إن عداء إسرائيل مع الأمم المتحدة تجاوز لما أبعد من الأراضي الفلسطينية. عانت قوات الأمم المتحدة في لبنان -مهمتها حفظ السلام على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية- من هجمات مباشرة؛ أدت إلى إدانات واسعة النطاق. في 12 أكتوبر/تشرين الأول -بعد هجمات إسرائيلية متكررة على قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان- أعلنت 44 دولة بينهم ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن للأمم المتحدة بيانًا مشتركًا يدينون فيه هذه الهجمات.
في مايو/أيار 2024، صدّق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قرار لإدانة الهجوم على موظفي الأمم المتحدة والمتطوعين في مناطق الصراع. وقد أسفرت الهجمات المرتكبة في غزة فقط عن قتل ما لا يقل عن 237 عامل في المنظمة الدولية.
الرد الدولي وتحمل المسؤولية
اختلفت ردود فعل المجتمع الدولي: أعربت بعض الدول عن قلقها بسبب التداعيات الخطيرة التي يتضمنها هذا الفيتو لموظفي الأمم المتحدة في العالم كله، رغم أن قلة هي من اقترحت فرض عقوبات صارمة على إسرائيل. وبالرغم من أن الدول الأوروبية أدانت طريقة إسرائيل في التعامل مع الأونروا، إلا أنها تراجعت عند فرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليها. انعدام العواقب هذا يثير التساؤلات حول مصداقية القوانين الدولية؛ خوفًا من إمكانية تحولها إلى شعارات دون آليات لتنفيذها.
تظهر هذه الأحداث وسط موجة عالية من العنف -لا سيما في غزة ولبنان- وهو ما يهدد بتورط المنطقة كلها في الدخول في حرب واسعة النطاق. تسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية في جباليا وشمال غزة في الإدانة الدولية لإسرائيل وارتفاع عالٍ في عدد الضحايا المدنيين. تتعرض إسرائيل لاتهامات بارتكاب إبادة جماعية بمختلف الطرق تراها المحكمة الجنائية الدولية منطقية.

جلسة استماع عامة في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في 16-17 مايو / أيار 2024. المصدر: المحكمة الجنائية الدولية للعدل. Exenta de derechos.
نشرت الوكالة البحثية “العمارة الجنائية” التابعة لجامعة لندن مؤخرًا تقريرًا من 827 صفحة ومنصة تفاعلية بعنوان A Cartography of Genocide (“علم التخطيط للإبادة الجماعية”) التي توثق بدقة تأثير الحرب على غزة.
NEW: ‘A Cartography of Genocide’. Since October 2023, we have collected and analysed data related to Israel’s military campaign in Gaza. Our findings indicate that Israel has systematically targeted all aspects of civilian life. https://t.co/UUxYqpTF72 pic.twitter.com/lpqv78S5c4
— Forensic Architecture (@ForensicArchi) October 29, 2024
جديد: “علم التخطيط للإبادة الجماعية”. منذ أكتوبر / تشرين الأول 2023، نجمع ونحلل البيانات المتعلقة بالحملة العسكرية على غزة. وتشير نتائجنا إلى أن إسرائيل تهاجم بمنهجية كل مظاهر الحياة المدنية.
حذر خبراء الأمم المتحدة في حقوق الإنسان من أن إسرائيل تخاطر بتحولها إلى “النبذ” الدولي. في الذكرى السنوية الأولى لأحداث 7 أكتوبر / تشرين الأول، قال خبراء من الأمم المتحدة أن “العالم شهد تصعيدًا وحشيًا من العنف الناتج عن قصف الإبادة والتطهير العرقي وتطبيق العقاب الجماعي على الفلسطينيين، ما يهدد باختلال النظام الدولي متعدد الأطراف”.
تعرقل وحشية إسرائيل تجاه وكالات الأمم المتحدة قدرة الكيان على الاستجابة بفاعلية للأزمة الإنسانية التي تغزو المنطقة. فمع حظر الأونروا في المناطق الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، سيُحرم ملايين الأشخاص من الحصول على المساعدة والخدمات الأساسية.
خطر غير مسبوق
إن الفيتو الذي شرعته إسرائيل ضد الأونروا يمكن اعتباره انعكاسًا لاحتقارها الممنهج للقوانين الدولية. مع غفران عداء إسرائيل المستمر تجاه الأمم المتحدة، أضعف المجتمع الدولي المؤسسات التي من شأنها حفظ النظام والعدل، وذلك بتقليل قدرتها على التصرف -شكل ممنهج أيضًا- في الصراعات المستقبلية.
يؤكد هذا الوضع على الحاجة لتعهد جديد بالتعاون الدولي والالتزام الحقيقي بتحمل المسؤولية. ودون موقف موحد ضد نمط التحدي المتنامي، فإن الأمم المتحدة ووكالاتها تحت خطر فقدان السلطة لأداء المهام التي أُنشئت لأجلها في مرحلة خطيرة في تاريخ الكوكب. إذا نجحت إسرائيل في الإفلات من العقاب، فسوف يشكل ذلك سابقة من شأنها أن تؤدي إلى تآكل النظام ككل وتزيد من إلحاق الضرر بمصداقية الأمم المتحدة بعد أكثر من عام من الفشل في وقف الجرائم الموثقة التي لا تزال تُرتكب في هذه الحرب المدمرة ضد غزة.