
صورة من جيوفانا فليك لصالح جلوبال فويسز
أليكسا زامورا
سمح ترابط واتصال العالم الرقمي للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين، الذين واجهوا الاضطهاد، بمواصلة عملهم من بلدان أخرى غير بلدانهم الأصلية. غير أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم الإلكترونية لعام 2023 تفرض تحديات جديدة على هؤلاء، حيث يمكن أن تسهل الاضطهاد عبر البلدان وتقضي على الملاذات الآمنة القليلة المتبقية في غياب الضمانات الكافية. يشكل نطاق هذه الاتفاقية تهديدًا لحرية التعبير والمراقبة عبر الحدود والقمع العابر للحدود الوطنية، خصوصًا بالنسبة لأولئك الذين يعملون في المنفى.
اقترحت روسيا الاتفاقية في عام 2017 لهدفٍ معلن هو مكافحة “المشاكل والتهديدات التي تشكلها الجرائم في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات”. لكن الاتفاقية أثارت منذ وضعها مخاوف بين البلدان ومنظمات حقوق الإنسان. وفي عام 2019، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تطوير الاتفاقية من خلال القرار 74/247، على الرغم من معارضة 60 دولة وامتناع 33 دولة عن التصويت.
الجدير بالذكر، أن هذا القرار قُدِّم من قبل دول لها تاريخ طويل في انتهاكات حقوق الإنسان، مثل روسيا والصين وميانمار ونيكاراغوا وإيران وفنزويلا. وحذرت منظمات مثل جمعية الاتصالات التقدمية ومؤسسة الحدود الإلكترونية من أن الاتفاقية قد “تقوض استخدام الإنترنت لممارسة حقوق الإنسان وتسهيل التنمية الاجتماعية والاقتصادية”.
التهديدات المحتملة للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين المنفيين
روجت الأنظمة الاستبدادية لتعريف واسع وغامض للجريمة السيبرانية يمكن أن يشمل الأنشطة المشروعة عبر الإنترنت، بما في ذلك انتقاد الحكومة ومناصرة حقوق الإنسان. هذا يعني اعتبار نشر المقالات أو تنظيم الاحتجاجات عبر الإنترنت أو التنديد بالانتهاكات جرائم إلكترونية، كما هو الحال في نيكاراغوا، حيث تعرض مستخدمو تيك توك والصحافيون والناشطون للاضطهاد والسجن تحت هذه الذرائع.
في الواقع، تفتقر الاتفاقية إلى ضمانات واضحة لحماية حرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية. هذا يعني إمكانية اتهام الحقوقيين والصحافيين المنفيين بارتكاب جرائم إلكترونية في بلدانهم الأصلية بسبب أنشطة مشروعة تتم عبر الإنترنت من الخارج. مجددًا، نسلط الضوء على حالة نيكاراغوا، حيث يعاقب إصلاح قانون الجرائم الإلكترونية بالسجن ويفرض غرامات على كل من يشارك وينشر على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تسبب “الفزع أو الخوف أو الذعر أو القلق” بين السكان، من داخل البلاد أو خارجها، وفق ما ورد في بيان برلماني أملته الحكومة.
تسهيل المراقبة والاضطهاد عبر الحدود الوطنية
تقترح المعاهدة آليات تيسّر المراقبة الحكومية والتعاون الدولي في جمع البيانات الشخصية وتبادلها. ولكن في غياب الضوابط والتوازنات القوية، من الممكن استخدام هذه الآليات لتعقب النشطاء والصحافيين في البلدان الأخرى وتحديد هوياتهم واضطهادهم.
أحد العناصر المفقودة في المعاهدة هو التجريم المزدوج – الذي يتطلب أن تكون الجريمة المفترضة غير قانونية في كلا البلدين المتعاونين – اختياريًا، ولا يضمن هذا المبدأ حرية التعبير والمعارضة فحسب، بل يمنع أيضًا البلدان من فرض قوانينها عالميًا. بالتالي فإن قدرة الدول على طلب البيانات والمساعدة من بلدان أخرى دون شروط صارمة لازدواجية التجريم أو غيرها من أشكال حماية حقوق الإنسان قد تؤدي إلى احتجاز أو تسليم الأشخاص الذين يلتمسون اللجوء إلى الخارج.
ثمة سابقة لإساءة استخدام نظم التعاون الشرطي الدولية، مثل النشرات الحمراء للانتربول، لملاحقة المنشقين والمنتقدين في الخارج لأسباب سياسية. فقد استخدمت دول مثل الصين والبحرين هذه الآليات لتحديد مواقع المعارضين السلميين واحتجازهم لأسباب سياسية. تحذر مؤسسة الحدود الإلكترونية من أن “الاتفاقية معرضة لخطر أن تصبح أداةً للقمع العابر للأوطان”.
القضاء على الملاذات الآمنة
عند تنفيذ الاتفاقية، لن يبقى أي بلد عمليًا ملاذًا آمنًا. ومن شأن التعاون الدولي الواسع النطاق بشأن الجريمة السيبرانية أن يجبر البلدان التي كانت تعرض اللجوء بالعادة على الامتثال لطلبات الدول القمعية، حتى وإن كان ذلك يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان.
علاوة على ذلك، إن غياب البند الإلزامي بشأن ازدواجية التجريم يعرّض المنفيين الذين يعملون بشكل قانوني في بلد إقامتهم لخطر الملاحقة بموجب قوانين قمعية في وطنهم.
الجوانب المحددة للمعاهدة التي تؤثر على المنفيين
تسمح المادة 23 بتطبيق التدابير الإجرائية الجنائية ليس على جرائم سيبرانية محددة فحسب بل على أي جريمة تنطوي على أدلة رقمية. وهذا يشمل جرائم محددة بشكل غامض تستخدم لإسكات المعارضة، مثل “التخريب” و”التشهير بالدولة” و”الخيانة” وما إلى ذلك.
كما أن القدرة على اعتراض الاتصالات في الوقت الفعلي دون قيود واضحة تتيح للدول مراقبة أنشطة الأفراد في الخارج. وقد يضطر مقدمو الخدمات إلى التعاون، حتى لو كانت هذه الإجراءات تنتهك قوانين الخصوصية وحرية التعبير في البلد الذي يعملون فيه.
فضلًا عن ذلك، تيسّر المعاهدة التعاون بين الدول بدون اشتراط الامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وهذا يعني أنه يمكن لبلد ما أن يطلب المساعدة من بلد آخر لمحاكمة شخص في المنفى، وسيكون البلد المتلقي ملزمًا بالتعاون، حتى لو كان الطلب ذا دوافع سياسية.
من شأن تنفيذ الاتفاقية، دون ضمانات فعالة، أن يعرّض للخطر الأمن المادي والرقمي للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين المنفيين. فقد يواجهون الاحتجاز أو التسليم إلى بلدانهم الأصلية، حيث سيتعرضون للاضطهاد والمراقبة والمضايقة من قبل سلطات البلدان الأخرى التي تتعاون مع الأنظمة القمعية. وهذا يحد من أنشطتهم خوفًا من التعقب أو الاضطهاد، ما يؤثر على حرية التعبير والقدرة على العمل.
تعريض المدافعين عن حقوق الإنسان للخطر
تمثل اتفاقية الأمم المتحدة للجرائم الإلكترونية لعام 2023، بشكلها الحالي، تحديًا كبيرًا للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين المنفيين المستقلين. وفي غياب ضمانات قوية، يمكن للمعاهدة أن تيسر المراقبة والاضطهاد عبر الحدود الوطنية، وتقضي على الملاذات الآمنة القليلة المتبقية. لذا من الضروري أن يقوم المجتمع الدولي بمراجعة المعاهدة وتعديلها لحماية الحقوق الأساسية وتفادي أن تصبح أداة للقمع العالمي.
كذلك يجب أن تتضمن الاتفاقية أحكامًا إلزامية بشأن ازدواجية التجريم، واحترام حقوق الإنسان، وضمانات حقوق الإنسان، بحيث تنص على عدم تقديم أي تعاون في الحالات التي يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات للحقوق الأساسية. أخيرًا، تعتبر الشفافية والرقابة المستقلة أمرًا حيويًا لمنع الانتهاكات وضمان استخدام التدابير لمكافحة الجرائم الإلكترونية الحقيقية حصرًا.
بدون ضمانات كافية، يمكن للمعاهدة أن تسهّل وتشرّع اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين خارج الحدود الوطنية، ليصبحوا عرضة لخطر جسيم.