ما هي التحديات التي يواجهها اللاجئون السوريون للعودة إلى سوريا؟

اللاجئون السوريون والعراقيون يصلون إلى سكالا سيكاميا، ليسبوس، اليونان. Iلصورة من Georgios Giannopoulos بواسطة Wikimedia Commons. CC BY-SA 4.0.

منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية  عام 2011، فرَّ ملايين السوريين من بلادهم بحثًا عن اللجوء في الدول المجاورة وخارجها. وبعد ثلاثة عشر عامًا، صنفت الأمم المتحدة عددًا كبيرًا من 13.5 مليون لاجئ كأشخاص نازحين بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، خاصة أولئك الذين لجأوا إلى تركيا والأردن ولبنان وأوروبا.

في حين أن احتمال العودة إلى سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد يبدو واعدًا للكثيرين، إلا أنه يقابله قلق عميق بسبب الخوف من عدم الاستقرار والانهيار الاقتصادي، وصعوبة إعادة بناء حياتهم، والتحديات التي يواجهونها في ترك الحياة الجديدة في المنفى.

في ظل استمرار حالة عدم اليقين في سوريا، تطورت حياة اللاجئين في دول اللجوء على مدار 13 عامًا. ففي بعض السياقات، مثل لبنان، تدفع الضغوط الاقتصادية أطفال اللاجئين إلى ترك التعليم والدخول في سوق العمل. وفي المقابل، تمكن العديد من اللاجئين الذين فروا من الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة، وإطلاق أعمالهم الخاصة، وتأسيس أسر.

التخلي عن هذه الحياة ليس قرارًا سهلًا، وبالنسبة للكثيرين، فإن مجرد التفكير في اقتلاع أسرهم مجددًا يشكل عبئًا نفسيًا هائلًا.

تركيا: حياة جديدة وسط حالة من عدم اليقين

تُعد تركيا أكبر دولة مضيفة للاجئين السوريين، حيث يقيم فيها حاليًا أكثر من 3.7 مليون سوري. لقد اندمج العديد من اللاجئين في المجتمع التركي، وافتتح بعضهم مشاريع صغيرة وساهموا في الاقتصاد المحلي. ومع ذلك، فإن التحديات الاقتصادية في تركيا، خاصة خلال فترات التضخم وعدم الاستقرار السياسي، جعلت الحياة صعبة لكثير من السوريين. ورغم ذلك، تظل تركيا بيئة أكثر استقرارًا مقارنة بسوريا، ويخشى بعض اللاجئين أن تعني عودتهم إلى وطنهم التخلي عن الأمان الذي كافحوا لتحقيقه في تركيا.

بالنسبة للعديد من السوريين في تركيا، يُشكل الخوف من فقدان مصادر رزقهم عائقًا رئيسيًا أمام العودة. فقد أتاحت ملكية المشاريع في تركيا للعديد من اللاجئين تحقيق الاستقلال المالي، لكن يُعد البدء من جديد في بلد دمرته الحرب  مخاطرة لا يرغب الكثيرون في خوضها. علاوة على ذلك، فإن التوترات المستمرة بين الحكومة التركية واللاجئين تُضيف طبقة أخرى من عدم اليقين لمن يفكرون في العودة إلى سوريا.

الأردن: معاناة مع فجوات سوق العمل

مخيم الزعتري للاجئين في الأردن. وزارة الخارجية الأمريكية، ملكية عامة، عبر ويكيميديا كومنز.

استضافت الأردن ما يقارب 1.3 مليون سوري، يعيش معظمهم في المدن ومخيمات اللاجئين مثل الزعتري. وعلى مدار سنوات، واجه اللاجئون فرص عمل محدودة، لكن في السنوات الأخيرة تمكن العديد من السوريين من إثبات أنفسهم في سوق العمل الأردني، حيث يعملون في قطاعات مثل البناء والزراعة والتجارة. كما نجح بعضهم في افتتاح مشاريعهم الخاصة، مما ساهم في خلق فرص اقتصادية جديدة.

العديد من القطاعات التي ساهم فيها السوريون في الأردن تعاني بالفعل من نقص في الأيدي العاملة، وقد يكون فقدان هذه العمالة الماهرة ضارًا لكل من الأردن وسوريا. علاوة على ذلك، يواجه السوريون الذين عاشوا في الأردن سنوات، معضلة معقدة؛ فهم يرغبون في المساهمة في إعادة إعمار سوريا، لكنهم يخشون من قلة الفرص الاقتصادية هناك. كما أن ثقافة الطعام والتجارة في الأردن أثرت على أسلوب حياة العديد من اللاجئين، ويخشى بعضهم أن تعني العودة إلى سوريا ضرورة التكيف مجددًا مع مجتمع قد لا يكون مستعدًا لتلبية أذواقهم واحتياجاتهم.

لبنان: الضغط على المجتمعات المحلية

تستضيف لبنان، نظرًا لقربها من سوريا، أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري، مما يشكل ضغطًا هائلًا نتيجة استضافة هذا العدد الكبير من النازحين. وقد تفاقمت معاناة اللاجئين السوريين إلى درجة اضطرار بعض العائلات إلى تشغيل أطفالها بدلًا من إرسالهم إلى المدارس.

وفقًا لمنظمة العمل الدولية، يعمل السوريون في لبنان بشكل رئيس في الزراعة، والخدمات الشخصية والمنزلية، وبدرجة أقل في قطاع البناء. ومع ذلك، فإن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان يعقّد آفاق عودة اللاجئين إلى سوريا.

في منشور على فيسبوك، نقلت الجزيرة مباشر عن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي قوله: “الضغط على مواردنا كبير جدًا، مما يزيد من تفاقم المشاكل الاقتصادية الحالية ويخلق منافسة شرسة على الوظائف والخدمات”.

بالنسبة لمن نجحوا في تأسيس أعمالهم أو تأمين وظائف مستقرة في لبنان، فإن قرار العودة محفوف بالمجهول. فاقتصاد سوريا المنهك لا يوفر سوى فرص ضئيلة، وبالنسبة لكثير من اللاجئين، تبدد مخاوف إعادة بناء حياتهم المهنية من الصفر أي أمل في العودة إلى وطن مستقر وآمن.

كما أن الفجوة في سوق العمل اللبناني تمثل تحديًا آخر، حيث تعتمد العديد من القطاعات على العمالة السورية، وقد يؤدي عودة اللاجئين على نطاق واسع إلى نقص في اليد العاملة، مما يزيد من تفاقم الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها لبنان بالفعل.

ألمانيا: الاندماج وفرص جديدة

استقبلت ألمانيا نحو مليون لاجئ سوري، إذ تمكن العديد منهم من الاندماج بنجاح في سوق العمل. فبعد وصولهم وهم لا يملكون سوى ما يرتدونه في حقائبهم، وجد الكثيرون فرص عمل في مجالات متنوعة، مثل الرعاية الصحية والهندسة. كما استفاد العديد من السوريين في ألمانيا من برامج الاندماج الشاملة، التي ساعدتهم على تعلم اللغة، واكتساب مهارات مهنية، وتأمين وظائف مستقرة.

اليوم، أصبح اللاجئون السوريون أحد الركائز الأساسية التي تعتمد عليها ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا. ومع ذلك، فور الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت 12 دولة أوروبية، من بينها ألمانيا والنمسا وبلجيكا، تعليق طلبات اللجوء الخاصة بالسوريين. كما تصاعدت دعوات العديد من السياسيين الأوروبيين لإعادة السوريين إلى بلادهم، مما أثار مخاوف واسعة بين اللاجئين بشأن مستقبلهم في أوروبا.

 

Ver essa foto no Instagram

 

Uma publicação compartilhada por DW News (@dwnews)

ذهبت الحكومة النمساوية لأبعد من ذلك، حيث عرضت مبلغ 1,000 يورو، أطلقت عليه اسم “مكافأة العودة”، يُدفع لكل لاجئ يرغب في العودة طوعًا إلى بلده، سوريا. وأكد المستشار المحافظ كارل نيهامر أن الوضع الأمني في سوريا بعد سقوط النظام سيساعد في إعادة تقييم الوضع القانوني للاجئين السوريين على الأراضي النمساوية.

وفي منشور على منصة X، وجه نيهامر رسالة إلى اللاجئين السوريين قال فيها: “بلدكم بحاجة إليكم الآن لإعادة إعماره”.

وقّعت جميع الدول الأوروبية على اتفاقية جنيف، التي تتضمن بنودًا لحماية اللاجئين وتحظر ترحيلهم قسرًا إلى أماكن قد تكون حياتهم أو حريتهم فيها معرضة للخطر. ويتمتع الحاصلون على حق اللجوء بحماية قانونية تمنع إعادتهم، وفقًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية.

من ناحية أخرى، يخشى الأوروبيون تداعيات عودة المهنيين السوريين إلى بلادهم. وحذّر رئيس اتحاد المستشفيات الألمانية، جيرالد غاس، من العواقب المحتملة لعودة الأطباء السوريين، قائلاً إنهم “لعبوا دورًا أساسيًا في الحفاظ على نظام الرعاية الصحية، خاصة في المستشفيات الواقعة في المدن الصغيرة». وفي 13 ديسمبر/كانون الأول، أكد المستشار الألماني أولاف شولتس أن اللاجئين السوريين الذين اندمجوا في المجتمع الألماني “مُرحب بهم”.

قرار العودة المعقد

أزمة اللاجئين السوريين وتدفقهم إلى الدول المجاورة وأوروبا.
ERCC – مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ
المصادر: المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية (ECHO)، معهد الدراسات البيئية (ESRI)، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، والسلطات الوطنية.
المجال العام، من ويكيميديا كومنز.

قرار اللاجئين السوريين بالعودة إلى وطنهم بعد سقوط نظام الأسد هو قرار شخصي معقد. فرغم شوق الكثيرين إلى اليوم الذي يتمكنون فيه من العودة، إلا أن غموض مستقبل سوريا، وتحديات إعادة الإعمار، والخوف من عدم الاستقرار السياسي تشكل هواجس كبيرة تؤرقهم.

بالنسبة لمن أسسوا أعمالًا وحياة مستقرة في دول اللجوء، فإن العودة إلى سوريا ليست مجرد مسألة وطنية، بل هي قضية بقاء، وأمن اقتصادي، واندماج اجتماعي. كما أن سوريا، بعد الأسد، بحاجة إلى شبابها.

وفقًا لتقييم منظمة العمل الدولية حول تأثير اللاجئين السوريين في لبنان وملفهم الوظيفي، فإن أكثر من نصف اللاجئين السوريين تقل أعمارهم عن 24 عامًا.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.