أطفال الحدود: كشف الستار عن أزمة عمالة الأطفال والاستغلال الجنسي في الحدود الباكستانية الأفغانية.

يعمل أحمر، 11 عامًا، في ورشات القطارات لتجميع أجزاء العربات. الصورة من رامنا سعيد. مصرح باستخدامها.

في بلدة تورخام، شمال غرب باكستان، يملأ الضجيج المستمر للشاحنات والمقطورات، التي تنقل البضائع والإمدادات الأساسية عبر الحدود، هواء معبر الحدود الباكستانية الأفغانية. وسط الصخب، تتكشف صورة تثير الدهشة إلا أنها مقلقة لأطفال يندفعون بين الشاحنات الكبيرة، وأجسادهم الصغيرة مثقلة بالكثير من الأشياء.

يخوضون المخاطر برشاقة عجيبة، ويتجنبون المركبات المتنقلة ونظرات أفراد الأمن المتيقظة باستمرار. يسلط وجودهم الضوء على قضايا هامة حول القدرة على النجاة، والاستغلال، والاقتصاد المظلم الخفي لهذه المنطقة المحفوفة بالمخاطر.

في المنطقة الحدودية من غازجي، بلدة غرب أفغانستان، يواجه أطفال في الحادية عشر من أعمارهم أمثال أحمر صعوباتٍ مماثلة. ينقل أحمر، إضافة لصبية آخرين، خردة السيارات عبر الحدود الأفغانية إلى باكستان، ما يجسد صراعات جيلٍ مثقل بالعمالة القاسية واليأس.

بملابسٍ بالية وقبعة تقليدية مرقعة، يساهم أحمر بدخل الأسرة. على مدار العام الماضي، حمِّل أحمر حقيبة تملأها قطع غيار للسيارات، تزن 5 كيلوغرامًا، ذهابًا وإيابًا بين باكستان وأفغانستان. أوضح أن شقيقته تنتظره في معبر الحدود لأخذ البضائع من وكيل مبيعات أو مستودع في باكستان أو أفغانستان وعبور الحدود. عند وجود شحنة من خردة السيارات على الحدود، تتجه إلى منزلها لحزم البضاعة. تقضي أحيانًا الليل بطوله على قارعة الطريق في انتظار فرصة لمعاونة شقيقها جمع بقايا الخردة له. ثمة أيضًا بعض الأطفال الذين يكلفهم آباؤهم بتهريب البضائع التجارية، فيقومون برحلة محفوفة بالمخاطر نحو الحدود بمفردهم.

كشف مشرف مستودع، تحدث إلى فريق الأصوات العالمية شرط عدم الكشف عن هويته، أن مافيا منظمة متواطئة مع إدارة الحدود في إرسال واستلام البضائع عبر الحدود. كما أوضح أن العديد من الأطفال المشاركين في هذه الأنشطة ليس لديهم أفراد بالغين من الأسرة لمرافقتهم. مع ذلك، يحضر بعض الأطفال برفقة ذويهم، الذين يعملون في المستودع، للمساعدة في تهريب البضائع عبر الحدود. غالبًا ما يتعاون هؤلاء الآباء مع مسؤولي المستودع في أفغانستان لنقل البضائع في طريق عودتهم. في المقابل، يتقاضى الآباء تعويضًا عن مشاركتهم في العمل.

كشف فارمان شينواري، الرئيس السابق لنقابة العمال العاملين في تورخام، في مقابلة شخصية عن انخراط ما يزيد عن 3 آلاف عامل في الأنشطة التجارية في الحدود، 70% منهم من الأطفال.

كاشمالا، 7 أعوام، من أفغانستان أيضًا. تعمل كاشمالا كعاملة في بلدة تورخام الباكستانية برفقة أقاربها وأطفال آخرين من الجوار. يبعد منزل كاشمالا ساعة كاملة عن تورخام، وتعود للمنزل كل بضعة أيام لمنح والدتها نحو 2000-3000 روبية (7.2-10.8 دولار أمريكي). يُستخدَم هذا المبلغ لدعم شقيقيها الاثنان وشقيقاتها الثلاث. عند السؤال عن طبيعة عملها، شارك والديها بنبرة متألمة حقيقة أن حالات العنف والاعتداء الجنسي شائعة بصورة مقلقة في هذا النوع من العمل.

وفقًا لفارمان شينواري، لم يقيِّد القانون الباكستاني عمالة الأطفال كليًا، فإن حُظِرت تمامًا سيحاول الأطفال قطع الحدود سيرًا عبر مناطق خطرة، وتسلق الأسيجة، أو الاختباء في المركبات والمقطورات، مما قد يؤدي لوقوع المزيد من الحوادث. يشارك شينواري أيضًا في الاجتماعات الدورية مع السلطات الباكستانية والأفغانية كممثل لنقابات العمال. يقول شينواري أنه في كل اجتماع تشدد السلطات على ضرورة فرض قيود على نقل الأطفال للبضائع وأحياًنا ما توقِف حركة الأطفال في الحدود لعدة أيام.

وفقًا لبياناته، لقي 30 طفلًا مصرعه في العامان الماضيان إثر اصطدام مركبات نقل البضائع بهم. مع ذلك، لا تمتلك الحكومة سجلات لهؤلاء الأطفال، ولا يوجد نظام قائم لدعم أسرهم ماديًا.

الاعتداء الجنسي على الأطفال العاملين

عزام خان صبيٌّ في الحادية عشر من عمره من بلدة لاندي كوتال الباكستانية. يعْبُر عزام الحدود سيرًا على الأقدام من أفغانستان إلى مستودع يقع ضمن الحدود الباكستانية حاملًا 20 علبة من السجائر على كتفيه. ملابسه بللها العرق وأثقلها التراب، فجلس قرب براد مياه ليروي عطشه. عندما سُئل عن الآثار والندوب البادية على وجهه، كشف عن تعرضه للاعتداء الجسدي في الحدود مراتٍ عدة من قبل رجال الأمن الباكستانيين إضافة لأفراد طالبان الأفغان.

قال عزام أنه خلال العمل، يصبح الأطفال العاملين أهدافًا للعنف الجسدي والجنسي. ذكر عزام واقعة حدثت عند ذهابه لمكان وفره مدير المستودع لينام فيه، وهناك تمت محاولة التحرش به.

ذكر فارمان شينواري أن عدد الأطفال العاملين في ظروف صعبة في تورخام آخذة في ازدياد في ظل وصول طالبان في أفغانستان والعقوبات الدولية. 10% من الأطفال هم باكستانيون بينما البقية أفغانيون. يعد معظم هؤلاء الأطفال المعيل الوحيد لمنازلهم التي مات كبار أفرادها أو أصبحوا معاقين في الصراع.

دون الكشف عن اسمه، ذكر ضابط في سجن لاندي كوتالسب أن الأطفال في تروخام يُستخدَمون لتهريب البضائع التجارية وتهريب المخدرات. قال أن 20 طفل اعتقل خلال العام المنصرم لكن نظرًا لعدم وجود مكان مخصص للأطفال في السجن، سريعًا ما يتم تناول قضاياهم واتخاذ الإجراءات القانونية. كما ذكر أن عدد مهول من الأطفال المعتقلين هم أفغان، ويجري تسليمهم لاحقًا للسلطات الأفغانية.

يعمل سفيان، شقيق كاشمالا الأكبر، في متجر لحام في حدود تورخام. الصورة من رامنا سعيد. مصرح باستخدامها.

ما عدد الأطفال العاملين؟

وفقًا للحاظ علي، صحفي يعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية، العدد الدقيق للأطفال العاملين في خيبر باختونخوا غير متوفر. ذكر لحاظ افتقار الحكومة لبيانات شاملة أو تخطيط فعال لمعالجة المشاكل التي يواجهها الأطفال العاملين في المنطقة، مما يصعب تحديد العدد الدقيق للأطفال العاملين.

وفقًا لأخر استطلاع، أجري في 1996، انخرط نحو 3.3 مليون طفل في باكستان بمختلف أشكال عمالة الأطفال في مجالات معينة. كان منهم، عدد ضخم، نحو مليون طفل من خيبر باختونخوا. مع ذلك، لم يشمل الاستطلاع المناطق الريفية، واللاجئين الأفغان، والقطاعات غير الرسمية.

قال عزاج محمد خان، رئيس لجنة حماية ورعاية الأطفال، في مقابلة مع الأصوات العالمية، “بدأ العمل على جمع البيانات الرسمي للاستطلاع في يناير/كانون الثاني 2022. بعد اكتمال مرحلة جمع البيانات في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بدأت عملية تأكيد وتصحيح البيانات، والتي اكتملت في أبريل/ نيسان 2023. استغرق تجميع التقرير 5 أشهر. حددت اللجنة الأطفال الأفغان الذين وقعوا ضحايا لقضايا مختلفة، وتواصلت، بمساعدة السلطات المذكورة، مع أسرهم في أفغانستان. يوجد حاليًا أكثر من 30 طفلًا أفغانيًا في مراكز إعادة التأهيل التابعة للجنة”.

قوانين حماية الأطفال

في مقاطعة خيبر باختونخوا، بعد التعديلات التي أدخلت على قانون حماية ورعاية الطفل لعام 2010، أُقِرَّ به مجددًا في 2015، سُنَّ لزوم التعليم الابتدائي حتى الثانوي في 2017، ومشروع تعديل قانون منع عمل الأطفال في 2015، حيث وضِّحت الشروط المتعلقة بعمل الأطفال. بعد ازدياد حالات العنف الجنسي ضد الأطفال في خيبر باختونخوا، ازداد الضغط من جانب النشطاء الاجتماعيين والعامة لإدخال تعديلات على قانون حماية الطفل لعام 2010. قُدِّمّ مشروع القانون لمجلس الوزراء الإقليمي في 2021، وجرت الموافقة عليه بالإجماع بعد إزالة القسم المختلف عليه، أوصى المقترح بنشر مقطع فيديو علني لعمليات شنق مرتكبي الجرائم الجنسية بحق الأطفال، لكنه أُزِيل من مشروع القانون عقب ظهور آراء معارضة.

وفقًا للقانون المعدل، سيعاقب المعتدي جنسيًا على الأطفال بالسجن مدى الحياة، وعقوبة الإعدام، وغرامة تصل إلى 5 مليون روبية باكستانية (18 ألف دولار أمريكي). كما سيؤدي صنع مقاطع فيديو للاعتداء الجنسي على الأطفال إلى السجن لمدة 20 عامًا وغرامة قدرها 7 ملايين روبية باكستانية (25222 دولارًا أمريكيًا) فيما يترتب عن مشاركة الفيديو السجن لمدة 10 سنوات وغرامة قدرها 2 مليون روبية باكستانية (7200 دولار أمريكي). ألغى مشروع القانون عقوبة الإعدام والبتر من حُكم المدان بالاعتداء الجنسي.

لا يزال يتعين علينا رؤية ما إذا كان هذا القانون وغيره من الخطوات ضد إساءة معاملة الأطفال وعمالة الأطفال الخطيرة ستحمي الأطفال الضعفاء على الحدود، لكن النشطاء ما زالوا يأملون ويتعهدون بمواصلة معركتهم.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.