جمهورية الكونغو الديمقراطية: ضحايا الصراع المنسيون في غوما

نزوح مئات الآلاف شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. الصورة من أنيست كيمونيو، مصرح باستخدامها.

نُشِر هذا المقال، للصحفي أنيست كيمونيو، في الأصل على بيس نيوز نتورك في 6 فبراير/شباط 2025. أعيد نشر نسخة محررة على جلوبال فويسز كجزء من اتفاقية مشاركة المحتوى.

لسنواتٍ عدة، أغرق الصراع شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ملايين الأشخاص في دوامةٍ من اليأس. كثيرًا ما تتجول الأسر التي حُرِمت من منازلها وسبل عيشها بحثًا عن ملجأ، لا تعرف ما يُخبِئُهُ لها المستقبل.

في غوما (عاصمة مقاطعة كيفو الشمالية شرقي البلاد) والمناطق المحيطة، يواجه المواطنون اشتباكاتٍ دموية، وتهجير قسري، وأزمة إنسانية متفاقمة.

باتت مخيمات كانياروشنيا، ولشاغالا، وبوجاري للنازحين على طريق غوما-روتشورو شرق غوما، التي آوت مئات الآلاف الفارين من الصراع لثلاث سنوات، خالية الآن. لكن هذا الرحيل الجماعي لا يعني نهاية بؤس النازحين؛ إنه العكس تمامًا.

أخبر ثيو موسيكورا، رئيس مواقع النازحين في إقليم نيراغونغو، شمال كيفو، بيس نيوز نتورك:

Ces personnes déplacées retournent progressivement dans leurs foyers dans les territoires de Rutshuru, Nyiragongo et Masisi, zones occupées par la rébellion du M23, signalant peut-être un calme relatif ou des changements dans la dynamique de la guerre.

يعود النازحين تدريجيًا إلى منازلهم في مقاطعة روتشورو، ونيراغونغو، وماسيسي، التي يحتلها مقاتلي حركة”إم23″. قد يشير ذلك إلى سواد هدوءٍ نسبي أو حدوت تغيير في ديناميكية الصراع.

مع ذلك، عودتهم ضرورة أكثر من كونها خيارًا. ظروف المعيشة في المناطق الواقعة تحت سيطرة إم23 بعيدة كل البعد عن الأمان. وجد العديدين منازلهم مدمرة، وحدائقهم مخرّبة، وقُراهم تخلو من الأنشطة التجارية. يناشد موسيكورا:

Nous demandons aux organisations humanitaires de continuer à nous soutenir même pendant six mois en nous fournissant de l’aide en vivres et en articles non alimentaires. Cela nous permettra d’être mieux préparés à reprendre les activités agricoles. (…) ce soutien permettra à ceux qui reviennent de se réorganiser.

نناشد المنظمات الإنسانية بمواصلة توفير المواد الغذائية وغير الغذائية، ولو لستة أشهر. من شأن هذا الدعم تمكين العائدين على ترتيب أمورهم والاستعداد على نحوٍ أفضل لاستئناف أنشطتهم الزراعية.

في الوقت الراهن، استجابة المنظمات الإنسانية لا تتناسب مع حجم الدمار. تحذر منظمات مثل أطباء بلا حدود من تفاقم الأزمة الصحية والغذائية عند محاولة النازحين الاستقرار مجددًا في القرى التي لا تزال منكوبة.

خلقت هذه المأساة الإنسانية التي أوجدها الصراع آلافًا من القصص، يكتنف كلٌ منها الألم، والخوف، والفقد.

أوضح هيريتييه (اسم مستعار)، نازح من روتشورو في 2023، كيف دمر الصراع حياته وآفاقه المستقبلية. ببالغ الأسى، أخبر بيس نيوز نتورك:

(…) Je suis aujourd’hui au chômage et sans occupation, étant père d’un enfant, et j’héberge même mon petit frère chez moi. Je ne sais plus comment subvenir aux besoins quotidiens de mon ménage… Je suis juste locataire, mon petit frère est étudiant ̶ qui va payer ses frais d’études ? (…) Je ne peux pas apprendre à voler maintenant alors que je ne l’ai jamais fait de ma vie. Je recommande aux autorités d’engager le dialogue, car nous avons seulement besoin de paix pour que chacun vaque librement et sereinement à ses activités.

(…) اليوم، أنا أبٌ عاطل لطفل، وشقيقي الأصغر يعيش معي. لم أعد أعرف كيفية تلبية احتياجات عائلتي اليومية. أعيش على الإيجار، وشقيقي مجرد طالب. من سيدفع رسومه الدراسية؟ (…) أعجز عن تعلم السرقة الآن إذ لم يسبق لي فعلها. أقترح أن تلجأ السلطات للحوار. السلام هو جلُّ ما يلزمنا لممارسة أعمالنا بحرية.

يكون البؤس أكثر وطأةً بين النساء اللواتي يتعين عليهن ضمان نجاتهن ونجاة أطفالهن كذلك. تتحدث النازحة بوناواغ بوتيرزي عن تجوّلها المستمرة على أمل إيجاد ملجأ يأويها. أطلعت بيس نيوز نتورك، بينما تحمل طفلها في حضنها ومتاعها على ظهرها:

(…) tous les jours, je me promène avec mes affaires et celles de ma famille sur le dos sans savoir où m’installer. Honnêtement, nous n’avons pas la paix, et cela me fait mal. Tout ce que nous pouvons demander, c’est que les dirigeants réfléchissent à comment mettre fin à la guerre pour que nous puissions rentrer chez nous et reprendre nos activités antérieures.

أتجول يوميًا حاملةً أمتعتي وأمتعة عائلتي على ظهري، لا علم لي أين استقر. يؤلمني فقداننا للأمان. كل ما نأمله أن يفكر قادتنا في سبيلٍ لإنهاء هذا الصراع لنتمكن من العودة للمنزل ومواصلة أنشطتنا السابقة.

تجسد قصتها العبء المضاعف الذي يُثقل كاهل النازحين: الفرار من الصراع، والتعامل مع الإهمال والهجر، والحياة ما بعد الصراع في غوما. اعتبرت المنظمات الإنسانية غوما الملاذ الأخير لإجراء عمليات إغاثة النازحين في المخيمات في جميع أنحاء المدينة.

خُيِّرت ماما مكيشا بين الموت جوعًا مع عائلة مكونة من تسعة أفراد والعودة إلى المنزل لبدء حياة مبهمة. أخبرت بيس نيوز نتورك:

J’ai décidé aujourd’hui de rentrer chez moi parce que je ne peux pas vivre ici sans assistance. On nous a informés que pendant la guerre dans la ville de Goma, les réserves de nourriture du Programme alimentaire mondial ont été pillées. Je rentre chez moi avec ma bâche, je recommencerai ma vie là-bas, car ma maison a été détruite par les rebelles, mais je n’ai pas d’autre choix que de rentrer au lieu de mourir de faim ici. Oui, il n’y a toujours pas de sécurité dans mon village, mais je rentre quand même.

قررت العودة للمنزل لأني لا أستطيع البقاء هنا بدون مساعدة. أطلعنا أحدهم أن الإمدادات الغذائية لبرنامج الغذاء العالمي نُهِبت أثناء الصراع في غوما. أنا عائدة إلى المنزل بقماشٍ مشمع. سأبدأ حياتي هناك من الصفر. رغم تدمير المتمردين لمنزلي، لا خيار لدي سوى العودة إليه إما التضور جوعًا هنا. نعم، لا تزال قريتي غير آمنة لكنني عائدة في جميع الأحوال.

الأكثر ضعفًا في حالة من اليأس

كان الصراع عسيرًا على كبار السن بشكلٍ خاص. يتحدث سانفورا ماوازو، مُسِن نازح منذ أكثر من عام، عن شعوره بالتعب بعد معاناته المستمرة. لقد قرر العودة للمنزل:

J’ai décidé de rentrer chez moi parce que j’ai beaucoup souffert ici. J’ai dû passer des jours et des nuits entières sans rien mettre dans ma bouche, ce qui était très difficile pour quelqu’un de mon âge.

قررت العودة للمنزل لأنني قاسيت الكثير هنا. اضطررت لقضاء أيامٍ وليالٍ دون وضع شيءٍ في فمي، كان الأمر شاقًا جدًا لشخصٍ في سني.

في ظل هذه الظروف، تعد إغاثة النازحين المسنين حالة إنسانية طارئة. يعجز الكثيرين عن إعالة أنفسهم، وغالبًا ما ينتهي بهم المطاف في وضعٍ معيشيٍ مزرٍ.

يسلط جاستن بيكالو، نازح من كيبيريزبتو في بريتو، الضوء على الشكوك التي تخيم على مستقبلهم في هذه المخيمات منذ عهدًا طويل.

Je suis une déplacé de guerre et je vivais dans le camp de Kanyaruchinya. Tous les abris qui étaient ici ont été détruits suite à la guerre qui a atteint la ville de Goma. (…), personne n’a pu résister. C’est pourquoi les gens ont fui, certains ont même perdu la vie, et nous avons donc été dispersés. D’autres sont revenus pour détruire notre camp et voler des bâches.

Depuis que je suis arrivé ici à Goma, à cause de la guerre, (…) il m’était difficile d’entreprendre quoi que ce soit. Je me suis réfugié dans des familles d’accueil, et maintenant, mon seul désir est de rentrer chez moi, mais je manque de tout, même de moyens pour retourner chez moi à Kibirizi.

نزحت بسبب الحرب وعشت في مخيم كانياروشينيا. دُمِّرَت كل الملاجئ في الصراع الذي اندلع في غوما. (…) لم يتمكن أحد من تحمله، مما دفع الناس للهرب. لقي البعض حتفه. عاد آخرين لتدمير مخيمنا وسرقة مشمعاتنا.

منذ أن وصلت إلى غوما، تعسر علي فعل أي شيء في خضم الصراع الدائر. لجأتُّ إلى عائلة مضيفة، والآن، أمنيتي الوحيدة هي العودة إلى المنزل. ، لكنني خاوي الوفاض. ليس لدي حتى الوسائل اللازمة للعودة إلى المنزل، إلى كيبيريزي.

من الإهمال إلى نكث وعود إحلال السلام

بالرغم من إعراب السلطات الكونغولية والمجتمع الدولي عن التزامهم بإعادة السلام، تستمر معاناة نازحو الحرب في الظلال. المعونات الإنسانية غير كافية، ولا تزال البنية التحتية المدمرة على حالها، والعنف مستمر في العديد من المناطق التي يرغب هؤلاء الناس في العودة إليها.

أدى تصاعد الاشتباكات، حتى في غوما، لتفاقم الحالة الحرجة أصلًا. وفقًا لتقارير خبراء الأمم المتحدة، توافد 85% من النازحين الذين كانوا يقطنون المناطق المحيطة بغوما على المدينة التي سيطر عليها حركة إم23، المدعومون من رواندا.

منذ السيطرة على غوما، أدانت عدة شخصيات دولية تقدُّم حركة إم23.

أصدر منسق الشؤون الإنسانية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، برونو ليماركيز، بيانًا صحفيًا يحث فيه المجتمع الدولي على تنسيق جهوده لإنشاء معبر إنساني يوفر مساعدات إنسانية طارئة للنازحين وغيرهم في غوما.

في حين يتردد بعض أعضاء المجتمع الدولي في إدانة التمرد الذي يُفاقم الوضع الإنساني في المنطقة، دولٌ أخرى تدينه دون تردد. في هذا الصدد، قال فو كونغ، ممثل الصين لدى الأمم المتحدة:

Il est possible que nous parvenions à une résolution. Il n’y a pas de solution militaire à ce conflit. Les pourparlers de paix sont donc la seule solution. Et nous pensons aussi que l’intégrité territoriale de la RDC doit être respectée, c’est pourquoi nous exigeons le retrait du M23 et des troupes militaires rwandaises des territoires qu’ils ont occupés.

يُمكن التوصل إلى حل. لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع. حوار بناء السلام هو الحل الوحيد. كما نعتقد أنه يجب احترام السلامة الإقليمية لجمهورية الكونغو الديمقراطية. ولذلك، نطالب بانسحاب قوات إم23 والقوات المسلحة الرواندية من الأراضي التي تحتلها.

في ديسمبر/كانون الأول2024، أوشكت كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، على التوصل لاتفاق مع كيغالي، عاصمة رواندا. لكن فشل الاتفاق قبل إجراء حوارهما نتيجة خلافٍ نشب بينهما.

وضعت كينشاسا حدًا واضحًا برفضها إجراء محادثات مباشرة مع متمردي إم23. تتمسك العاصمة بقرارها ولا تعتزم إعطاء سلطة مطلقة للمتمردين الذين اتهمتهم بارتكاب انتهاكات خطيرة متعددة.

شهادة الضحايا تذكيرٌ بالواقع القاسي لهذا الصراع، فهو ليس مجرد اشتباك عسكري بل مأساة إنسانية تمزق الأسر وتترك الناس في محنة. ما لم يجدوا حلًا ملموسًا، ستستمر معاناة النازحين من شمال كيفو في صمتٍ مطبق.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.