
لقطة شاشة من فيديو يوتيوب “الأكلات الموريتانية… تنوع غذائي ينفتحُ على مطاب الجوار” من قناة العربي على يوتيوب. الاستخدام العادل.
كتب المقال الناشط والمدوّن الموريتانيّ أحمد جدو بالأصل باللغة العربية على موقع رصيف 22 في السابع عشر من مارس/آذار 2025. تُرجمت هذه النسخة المحررة إلى اللغة الإنكليزية ونُشرت على جلوبال فويسز بموجب اتفاقية مشاركة محتوى.
ينتظر الموريتانيون، كل عام، شهر رمضان ووجبات الإفطار التي يكسرون بها صيامهم اليومي عند غروب الشمس. لكن في السنوات الأخيرة، شهدت المائدة الموريتانية الرمضانية تغيّراتٍ نتج عنها زيادة تنوع الأصناف، كمًّا وكيفًا، متأثرةً بالمطابخ المغربية والمشرقيّة المتعددة.
من “المذق” إلى “البطبوط”
في الماضي، كان “المذق” أو “الزريك” أو “الشنين” ذلك الشراب المنعش، نجم المائدة الرمضانية إذ يروي ظمأ الصائمين بنكهته الحامضة الحلوة. يُصنع من اللبن الممزوج بالماء ويُضاف إليه السكر، وقد يكون كثيفًا أو خفيفًا بحسب الرغبة. يُحضّر أيضًا بخلط الحليب بالماء ويُصحب بالتمور كحلوى طبيعية.
هناك أيضًا “النشا” أو “السخينة”؛ الحساء المغذّي الذي يدفئ الأجساد بعد يوم صيام طويل. “النشا” حساءٌ مصنوع من الذرة، الدخن، الذرة الرفيعة، القمح أو الشعير، ويشرب “سادة” أو بإضافة الحليب، حيث لا تزال كؤوس الشاي الثلاثة، طقسًا مقدسًا، تتخلّلها لحظات من التأمّل والسكينة.
بعد ذلك، يأتي “أطاجين”، سيد المائدة، ويكون تارةً باللحم الطري، وتارةً أخرى “التيشطار” و”الودك”. “التيشطار” هو ذلك اللحم المجفّف الذي يحمل عبق الصحراء، ويُجفّف عن طريق وضعه على حبل وتركه أيامًا حتى يجفّ تمامًا، ثم يوضع في وعاء حافظ من الجلد، وقد يُطحن فيصبح قديدًا، ويكون جاهزًا للتناول، ويقدم “وَدك” (زيت) من سنام الإبل مع “التيشطار” في الغالب، مع أطباق أخرى بالطبع.
وقد تنوّع “أطاجين” مع الزمن، فاليوم هناك “أطاجين الدجاج” و”أطاجين السمك”، ووجبة “بنافة” الشهيرة، والتي تتكون من اللحم والبطاطا والبصل، وتُقدّم مع الخبز الفرنسي الباغيت، أو وجبة “الفلكة“، التي تُقدّم مع لحم فقار الإبل، يضاف إليها البصل والقليل من الملح، وتُطبخ من دون ماء في الغالب، لأنها سريعة النضج، وتُقدّم مع الخبز الفرنسي.
بعد “أطاجين”، تأتي وجبة الكسكس المحلي المقدمة مع اللحم والخضروات، أو طبق الأرز التقليدي، والذي يتكون من اللحم والخضروات أو الدجاج أو السمك.
انفتاح على المطابخ الأخرى
شهدت السنوات الأخيرة تنوّعًا أكبر في المطبخ المحلّيّ، حيث تسلّلت إليها حلويات ومعجّنات وبعض المحاشي، من المغرب والمشرق وأماكن أخرى، مثل “البطبوط” و”السمبوسك” والفطائر وصينية البطاطس والكريب وخلية النحل و”الكروكيت” و”الشباكية“، برغم أنّ الأخيرة كانت سابقةً على الأخريات.
كذلك، أخذت شوربة “الحريرة” المغربية مكانها على المائدة الرمضانية الموريتانية، وهي حساء مكوّن من الخضروات واللحم المعروف محليًا “السوب”. وأيضًا، أصبحت العصائر المتنوّعة تُحضّر للإفطار الموريتانيّ، مع الاحتفاظ بالمشروبات التقليدية، كمشروب العنّاب أو “الكركديه”، المعروف محليًا “بيصام”، ومشروب “تجمخت” الذي يُصنع من ثمرة شجرة “الباوباب”.
ربما طرأ هذا التغيير نتيجة الانفتاح على الشعوب العربية والإفريقية الأخرى من خلال شبكة الانترنت، مواقع التواصل الاجتماعي، قنوات اليوتيوب والقنوات الفضائية حيث أصبحت المائدة الرمضانية أرضًا خصبة لتأثيراتٍ كهذه.
في البداية، وُجدت هذه المعجنات والحلويات والعصائر في المطاعم والمخابز والمحال المتخصصة المغاربيّة والمشرقيّة. لكن الموريتانيين قاموا لاحقاً بإعدادها بشكل متزايد في منازلهم كجزءٍ من وجباتهم والتباهي بها على مواقع التواصل الاجتماعي.
تحدّيات التنوع الصحيّة
تقول خبيرة التغذية الموريتانية عربية سيدي إبراهيم أهنا لرصيف22: “دائمًا ما نقول في علم التغذية، أنّه كلما كانت الأغذية التي يتناولها الإنسان قريبةً من الطبيعة وخالية من المعالجة والمواد الحافظة، تكون أفضل ويستفيد منها الجسم بشكل أكبر، وإذا لم يجد فيها الفائدة فلن يكون لها ضرر”.
كما تشير إلى أنّ “الفطور الموريتاني القديم كان تمر ونشا ومشروب الزريق المصنوع من حليب الإبل أو الماعز أو البقر التي تملكها الأسرة. كانت تُصنع من ذلك الحليب أيضًا الزبدة التي تُتناول مع التمر، وكذلك النشا الذي يُصنع من محاصيل طبيعية كالشعير أو القمح أو الذرة، وكان فطورًا نموذجيًا ومثاليًا وفقًا للمعايير الغذائيّة، حيث كان الصائم يحصل على السكريات من التمر والدهون من الزبدة والكربوهيدرات من النشا، وبعد ذلك يتناول اللحم الذي يحتوي على البروتينات. كان طعامًا مثاليًا من الناحية الصحية”.
بينما تؤكد على تأثير المائدة المشرقية والمغربية وأهميّة تنوّع المأكولات، تستدرك: “بما أنّ مطبخنا غير ثري، ويقتصر على اللحم والكسكس والأرز مع غياب السلطات، لديّ تحفظًا على طريقة التأثّر بالمطابخ الأخرى”.
تشرح أهنا:
Our experience with other cuisines could have been better, by importing healthy and beneficial meals, those that rely more on salads and vegetables, rather than fried and fatty meals full of fat, maintaining the same level of health that has distinguished us. We imported batbout, for example, and crepes, which are pastries made from the simplest carbohydrates that are best avoided as much as possible.
كان من الممكن لتجربتنا مع المطابخ الأخرى أن تكون أفضل، كأن نحافظ على المستوى الصحيّ ذاته الذي ميّزنا من خلال استيراد وجبات صحية ومفيدة، تلك التي تعتمد أكثر على السلطات والخضراوات، بدلًا من الوجبات المقليّة والدسمة المليئة بالدهون. إننا استوردنا البطبوط، على سبيل المثال، والكريب، وهي عبارة عن معجنات مُحضّرة من أبسط الكربوهيدرات التي يُفضّل تجنبها قدر المستطاع.
نواقص مهمة للغاية
بنظرة أعمق إلى المائدة الرمضانية الموريتانية بين الماضي والحاضر، والوفرة والندرة، وتأثير الأطعمة على صحة الناس، تشدّد أهنا:
The deficiencies in the Mauritanian table lie primarily in the lack of vitamins and minerals, with a relatively good presence of proteins, carbohydrates, and fats. As a specialist, I rarely prescribe a vitamin and mineral test for someone without the results indicating a significant deficiency, especially vitamin D.
تكمن نواقص المائدة الموريتانية أساسًا في غياب الفيتامينات والمعادن، مع حضور جيد نسبيًا للبروتينات والكربوهيدرات والدهون، وأنا كمختصّة نادرًا ما أكتب لشخص ما فحصًا عن الفيتامينات والمعادن إلا وتشير النتيجة إلى وجود نقص كبير لديه فيها، لا سيّما الفيتامين د.
توضح أهنا أن المشكلة غالبًا تكمن في مزيج الفيتامينات الأخرى التي تساعد على امتصاص فيتامين د، وتضيف “إنها سلسلة مترابطة، وغياب أحدها يؤثر على الآخر”.
ترى أهنا أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب ثقافة التغذية الصحية عند جميع الطبقات الاجتماعية، فلا يوجد من يُلقي لها بالًا بالرغم من كونها حجر زاوية مهم. وعليه، هناك ضرورة لتضافر الجهود للتوعية حول أهمية التغذية الصحية ونشر ثقافة التغذية الصحية من قبل الدولة ومؤسساتها”.
توصي أهنا بضرورة دمج الفواكه والخضروات في النظام الغذائي الموريتانيّ اليوميّ، وكذلك إدخال الدهون غير المشبعة، مثل زيت الزيتون والمكسّرات والفول السوداني وغير ذلك”.
الطريقة المثلى برأيها، هي الاعتماد على ما تُنبته أرضهم من ثمار “فالثمار التي تنبت في أرضك فيها ما تحتاجه من فيتامينات ومعادن. حيث أنه عندما يتناول الشخص إحدى الفواكه الموسميّة المتوفّرة في موريتانيا كل يوم فإنه يحصل على المطلوب.”