كيف تقوض إجراءات دائرة ضريبة الدخل أسس الديمقراطية في الهند

An Income Tax office in Pune, India. Image via Wikimedia Commons by Universalashic. CC BY-SA 3.0.

مكتب ضريبة الدخل في بيون، الهند. الصورة عبر ويكيميديا كومنز بواسطة يونيفرسالاشيك. CC BY-SA 3.0.

بعد بضعة أشهر فقط من دخول دستور الهند حيز التنفيذ في عام 1949، أصدرت المحكمة العليا في البلاد حكمًا بارزًا بشأن حرية التعبير في قضية روميـش ثابار ضد ولاية مدراس في 26 مايو/أيار 1950. حيث أشارت المحكمة إلى أنه ما لم يكن القانون الذي يقيد حرية التعبير موجهًا بشكل مباشر إلى تقويض أمن الدولة، فلا يمكن استخدامه لهذا الغرض. وأكدت المحكمة أن “حرية التعبير تشمل حرية نشر الأفكار، وهذه الحرية مضمونة من خلال حرية التداول“.

ننتقل سريعًا إلى عام 2025، مع أنّ حكم روميش ثابار لا يزال يتمتع بقيمة قانونية كسابقة قضائية، إلا أن روحه قد تضاءلت بشكل كبير.منذ وقت كتابة هذا المقال، يستخدم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، ذو التوجه اليميني، وسائل قانونية جديدة ومبتكرة لقمع حرية التعبير بشكل روتيني. كان أحدث ضحايا هذه الممارسات هو التجمع الصحفي الاستقصائي، منصة للصحافة الاستقصائية، حيث تم إلغاء تصنيفه كمنظمة غير ربحية من قبل دائرة ضريبة الدخل — وهي وكالة حكومية مركزية رئيسة تخضع لوزارة المالية.

في بيان نشره التجمع الصحفي الاستقصائي (TRC) في 28 يناير/كانون الثاني 2025، جاء فيه:

We have consistently worked with the public purpose as a non-profit and in adherence to all Indian laws, without fear or favor.

The order cancelling our non-profit status severely impairs our ability to do our work and worsens the conditions for independent, public-purposed journalism in the country.

لقد عملنا باستمرار من أجل المصلحة العامة كمنظمة غير ربحية، ووفقًا لجميع القوانين الهندية، دون خوف أو تحيز. القرار بإلغاء تصنيفنا “غير الربحي” يقيد بشدة قدرتنا على أداء عملنا ويزيد من صعوبة الصحافة المستقلة الهادفة إلى خدمة المصلحة العامة في البلاد.

لكن ما الذي أدى إلى هذا الإلغاء المزعوم، وما تداعياته؟

نهج من الانتهاكات

مع رفض نيتين سيثي، محرر The Reporters’ Collective، التعليق على هذه التطورات، تذهب بعض التكهنات إلى أن إلغاء الوضع القانوني – إن صحّت الأنباء – لا يرتبط كثيرًا بالموقف الرسمي الغريب الذي تبنّته دائرة ضريبة الدخل، الذي يرى أن الصحافة لا تخدم “المصلحة العامة”، بل ربما يعود الأمر في حقيقته إلى أن هذه المنصة الإعلامية تنشر بانتظام تقارير متعددة الأجزاء ومتعددة الوسائط تنتقد حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.

وصف بي. تشيدامبارام، وزير المالية السابق وعضو راجيا سابها عن حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض، هذا القرار بأنه “هجوم على أسس الحرية”.

أما جاوهار سيركار، العضو السابق في راجيا سابها، ألقى اللوم مباشرة على رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

يجدر بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها دائرة ضريبة الدخل منظمات المجتمع المدني والمنصات الإعلامية. في عام 2022، بدأت دائرة ضريبة الدخل بملاحقة خمس منظمات مجتمع مدني رئيسية، متهمة إياها بسوء إدارة الأموال بموجب قانون تنظيم المساهمات الأجنبية لعام 2010.

شملت هذه المنظمات مركز بحوث السياسات (CPR) والمنظمة الدولية أوكسفام. بحلول عام 2024، أُلغيت تراخيص قانون تنظيم المساهمات الأجنبية الخاصة بها، مما اضطرها إلى اتخاذ إجراءات قانونية للحصول على الإنصاف — وهي عملية محفوفة بعدم اليقين. في هذه الأثناء، تضررت قدرة هذه المنظمات على العمل بشكل كبير. حتى السياسيين المعارضين الذين يوجهون انتقادات لحزب BJP (بهاراتيا جاناتا) الحاكم لم يسلموا من استهداف الوكالات المركزية. وفقًا لتقرير نشرته الصحيفة اليومية الناطقة بالإنجليزية ذا ناشيونال هيرالد:

Ever since Modi government has come to power, every leader who has opposed BJP or posed a threat to its interests has seen central agencies at his/her door.

منذ وصول حكومة مودي إلى السلطة، كل قائد عارض حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) أو شكّل تهديدًا لمصالحه، وجد الوكالات المركزية على بابه.

يعكس الاستخدام المستمر، والمسيء، للسلطة الحكومية لاستهداف منظمات المجتمع المدني وزعماء المعارضة والمنصات الإعلامية اتجاهًا مقلقًا للغاية حول كيفية تسليح الوكالات الحكومية بشكل متزايد لقمع المعارضة في البلاد.

دور القضاء

في 18 يناير/كانون الثاني 2024، أصدرت محكمة دلهي العليا حكمًا أوقفت بموجبه القرار الصادر عن دائرة ضريبة الدخل الذي ألغى وضع الإعفاء الضريبي لمنظمتي أوكسفام الهند وكير الهند. مع ذلك، جاء هذا القرار استنادًا لأسباب تقنية، حيث استندت المحكمة إلى حكم سابق صدر لصالح مركز بحوث السياسات في 25 أغسطس/آب 2023. في حالة أوكسفام الهند وكير الهند، بررت المحكمة قرارها بضرورة الحفاظ على اتساق الأحكام المؤقتة الممنوحة لهذه المنظمات، نظرًا لتشابه القضايا. لكن هذه الأحكام كانت مؤقتة فقط، مما يعني أنها ستظل سارية المفعول طالما تم استيفاء شروط معينة، ومن المحتمل أن تصدر أحكام جديدة بعد جلسات استماع إضافية، مما قد يغير النتيجة النهائية للقضية.

بينما يمكن اعتبار الإعفاء المؤقت الذي منحته محكمة دلهي العليا انتصارًا محدودًا للمنظمات المعنية، إلا أنه لا يعالج المخاوف الأساسية المتعلقة بتزايد سيطرة الحكومة التنظيمية على منظمات المجتمع المدني. في 8 أبريل/نيسان 2022، أصدرت المحكمة العليا الهندية حكمًا مهمًا قضت فيه بأن التعديلات المختلفة على قانون تنظيم المساهمات الأجنبية (FCRA)، والتي حدت من قدرة المنظمات غير الحكومية على الحصول على تمويل أجنبي، كانت دستورية. وذكرت المحكمة أن هذه التعديلات ضرورية لتنظيم تدفق واستخدام الأموال الأجنبية بما يتماشى مع المصلحة الوطنية. حيث جاء في الحكم:

We find force in the argument that it had become necessary for Parliament to step in and provide a stringent regime for effectively regulating the inflow and utilization of foreign contributions. Hence, there had been a legitimate goal for amending the subject provisions of acceptance of funds through one channel.

وجدنا إصرار على ضرورة تدخل مجلس النواب ووضع نظام صارم لتنظيم تدفق واستخدام المساهمات الأجنبية بفعالية. بالتالي، كان هناك هدف مشروع لتعديل الأحكام المتعلقة بقبول الأموال عبر قناة واحدة.

نتيجة مخاوف تتعلق “بالأمن القومي” و”النظام العام”، والتهديدات المزعومة “لسيادة الأمة”، قررت المحكمة أن مجلس النواب يمكنه تقييد وصول المنظمات غير الحكومية إلى التمويل الأجنبي لمجرد أنه شعر بالتهديد من تدفق هذه الأموال. ولكن المفارقة أن المحكمة لم تتناول التأثير السلبي لهذه القيود على قدرة المنظمات الصغيرة على الاستمرار في العمل. هكذا، فإن المخاوف الحكومية غير الواضحة تفوقت على التحديات الواقعية التي تواجه المنظمات غير الحكومية، وفقًا لمنظور المحكمة.

لا يزال من غير المؤكد كيف سترد المحاكم الهندية على أي دعوى قضائية قد ترفعها التجمع الصحفي الاستقصائي ضد دائرة ضريبة الدخل. وبينما تعطي أحكام محكمة دلهي العليا الأخيرة بعض الأمل، فإن الاتجاه العام نحو التعسف التنظيمي الحكومي وغياب الرقابة القضائية الفعالة يجعل بيئة العمل أكثر خطورة.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.