هل سيشكّل قانون الجرائم الالكترونية الفلسطينيّ الجديد وسيلة لانتهاك المزيد من الحقوق؟

جرافي من تصميم “حبر”. منشور تحت رخصة المشاع الإبداعي، النسبة 2.0

قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخرًا بالموافقة على قانون الجرائم الالكترونية الجديد في جوٍ من السرية وانعدام الشفافية مضيّقًا بذلك الخناق على حرية تعبير الفلسطينين على الإنترنت ومنتهكًا خصوصياتهم.

وردًا عليه دعت منظمة المجتمع المدني الفلسطينية ووسائل الإعلام إلى معارضة القانون الجديد ووقف العمل به حتى تتم مناقشته وتعديله علنيًا واعترضت كلٌ من نقابة الصحفيين الفلسطينية والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية ضمن منظماتٍ أخرى على تطبيق القانون لما يحمله من مخاطر على حرية المجتمع الفلسطيني وسياساته.

كان القانون قد تم إعداده والمصادقة عليه في 24 يونيو/حزيران 2017 بشكلٍ سريٍّ دون مناقشته مع منظمات المجتمع المدني الفلسطيني ومقدّمي خدمات الإنترنت. وبعد أسبوعين نُشر القانون وتم العمل به بدون تأخر وفقًا للنص القانوني رقم 61 بالتغاضي عن الفترة القانونية المعتادة البالغة 30 يوم قبل تفعيل أي قانونٍ جديد وحيث أن المجلس التشريعي الفلسطيني توقف عن العمل عام 2007 بسبب انشقاقاتٍ سياسية فقد أساء محمود عباس استخدام قوته التشريعية والتي تنص على أحقيته في الموافقة على تفعيل القوانين الجديدة فورًا في حالة الطوارئ وحسب الدستور الفلسطيني.

يحجم القانون الجديد من المعاملات الإلكترونية وحرية المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي محددًا بعض المخالفات الإلكترونية التي قد تصل عقوبتها إلى السجن لمدة 15 عامًا أو الأعمال الشاقة مدى الحياة، بينما نص على عددٍ من الجرائم الإلكترونية التي يجب محاربتها بأي ثمن مثل الاستغلال والإكراه الجنسي والاحتيال المالي وانتحال الشخصية كما أعطى مكتب النائب العام صلاحيةً كاملةً لمراقبة المدنيين الفلسطينين والتدخل في تعاملاتهم الإلكترونية مع الآخرين بل والقبض عليهم لنشر آرائهم الخاصة ووجهات نظرهم السياسية.

كما سلطت منظمة تبادل الإعلام الاجتماعي والتي تملك قاعدة البيانات القانونية التي تمس الحقوق الإلكترونية في العالم العربي الضوء على ثلاثٍ من أكبر مشاكل القانون الجديد تهدد حرية التعبير عن الرأي عبر الانترنت والحقوق المدنية والسياسية للمواطنين في بيانٍ لها كالتالي:

 

المادة 51 من الدستور تنص على:”إن تم رصد جريمةٍ إلكترونية تهدد الوحدة الوطنية أو الانسجام الاجتماعي سيتم فرض عقوبةٍ عليها” بالعمل الشاق والسجن ما بين 3 و 15 عامًا كما تتضمن العقوبة كل من كان له دورٌ في تلك الجريمة

المادة 32 تعطي الحق للجهات الموفرة للانترنت بالتعاون مع الأجهزة الأمنية عن طريق جمع البيانات وتخزينها ومشاركتهم المعلومات الشخصية لمستخدمي الانترنت لمدة 3 سنوات وإغلاق أي موقع إلكتروني باسم العدالة.

المادة 40 تسمح للمدعي العام أو أيٍ من مساعديه بتقديم طلبٍ للمحكمة بغلق أي موقع إلكتروني في غضون 24 ساعة.

لم يتوقف تهديد قانون الجريمة الإلكرتونية عند هذا الحد بل إن بعض المواد القمعية تضمنت التالي:

المادة 16 تنص على أنه من الممكن سجن أي شخصٍ يتجاوز الآداب العامة إلكترونيًا لمدة عام أو دفع غرامة تصل إلى 7000 دولار أمريكي أو الاثنين معًا.

المادة 20 عقوبةٌ مشابهة لأي مستخدمٍ يملك أو يدير أي موقع إلكتروني ينشر أخبارًا تهدد سلامة الدولة أو النظام العام أو الأمن الخارجي والداخلي فيتم سجنه لمدة عام أو يدفع غرامة قدرها 1,400 دولار أمريكي.

المادة 31 تدين أي محاولة لتجاوز حظر أي موقع إلكتروني أو استخدام أي نظام أو تطبيق للوصول إلى موقع إلكتروني محظور.

المادة 35 تفوض فيها المحكمة مكتب النائب العام لرصد وتسجيل التعاملات الإلكترونية بين المستخدمين والاستيلاء على معلومات تسجيل المستخدمين التي تراها لازمةً للتحقيقات.

تحت كل تلك المسميّات أمثال “الانسجام الاجتماعي” و “الآداب العامة” و “سلامة الدولة” و “النظام العام” وكل ما اتسع له القانون الجديد صار العديد من مستخدمي الانترنت الفلسطينين خاصةً النشطاء والصحفيين معرضين للملاحقة القضائية من السلطات الفلسطينية التي تستطيع استخدامها كيفما شاءت.
بل أكثر من ذلك أن القانون اتسع ليشمل الفلسطينين خارج حدود الأراضي الفلسطينية ويسمح بمقاضاة أي فلسطيني يعيش بالخارج في حالة ارتكابه واحدةً من تلك الجرائم الإلكترونية من منظور القضاء، فأصبح ذلك يشكل خطرًا على النشطاء السياسيين الفلسطينين الذين يقطنون بالخارج لكن لهم شعبيةً وتأثيرًا كبيرًا في وطنهم، لم يحدّد القانون موقف السلطات من المطالبة بتسليم المتهمين بالجرائم الإلكترونية الذين يعيشون بالخارج.
تم التصديق على القانون الجديد وسط العديد من الانتهاكات الإلكترونية لحقوق الناس وحرياتهم الإعلامية من قبل السلطات الفلسطينية. وقد أشار موسى الريماوي مدير المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية والذي يوثق تلك الانتهاكات الحادثة في شهر يونيو/حزيران من العام الحالي أن انتهاكات السلطات الفلسطينية تجاوزت انتهاكات القوات الإسرائيلية المسئولة عن الاعتداء على الصحفيين في الضفة الغربية والقبض عليهم لأنهم يقومون بعملهم، وكانت الواقعة الأخيرة من اعتداءات السلطات الفلسطينية على الحرية الإلكترونية القبض على العديد من صحفيي الضفة الغربية لما نشروه على صفحاتهم الشخصية على موقع فيسبوك وحظر أكتر من 20 موقعًا إخباريًا ينتمي لمنافسيين ونقاد سياسيين.

 

اشترك بالتحديثات عبر البريد الالكتروني »

Exit mobile version