نشر الموضوع لأول مرة على موقع رصيف22، وتعيد الأصوات العالمية نشره باتفاق مع الموقع بقلم
على الرغم من أن الدين الإسلامي حرّم الرق والعبودية، وهو مصدر التشريع الأول في الدستور المصري، فلا يزال أصحاب البشرة السوداء في مصر يخوضون معركتهم للتخلص من الموروث الاجتماعي الذي علق بهم. خصوصاً من كان أجدادهم “مستعبدون” لدى عائلات الصعيد وأثريائهم.
يبدأ انتشار المصطلح وما يحويه من تمييز من إطلاق الأسماء على بعض العائلات والأحياء، وبعض الشوارع، غالبيتها في صعيد مصر. ففي قرية الكوم الأحمر في بني سويف، أطلق أهل القرية على الشارع الذي تسكنه عائلات تتميز ببشرة سوداء اسم “شارع العبيد”. ومع أن هذا الشارع لا يسكنه سوى عائلتين من أصحاب البشرة السوداء، بات بمثابة جزء منفصل اجتماعيًا عن بقية القرية، فلا يتم الزواج بين أهل القرية وأفراد العائلتين، ولا يتوانى أهل القرية عن إطلاق النكات الصريحة والواضحة والتمييزية في حقهما.
تشير أمل، التي تنتمي إلى عائلة من ذوي البشرة السوداء، إلى أن “اسم الشارع أطلقه أهل القرية منذ سكنت عائلاتنا فيه، رغم كوننا أحرارًا ولسنا عبيدًا”. وتضيف: “إلى الآن نحن نستاء من هذه التسمية، إلاّ أننا أحيانًا نعتادها، ونعتاد حتى النكات التى يطلقها أهالي القرية علينا، لكن ذلك لا يهمنا، فنحن لا نعمل خدامًا لدى أحد. عائلتنا متعلمة وتعمل في الوظائف الحكومية كما بقية أهالي القرية”.
وتضيف: “لنا أقرباء في محافظات الصعيد الأخرى ويتزوج أبناؤنا منهم، وأذكر أن أخي تقدم لخطبة فتاة ليست من أصحاب البشرة السوداء ووافق والدها على الزواج، لكن الفتاة هددت بالانتحار إذا تم إجبارها على الزواج من شاب أسود”.
في محافظات الصعيد الأخرى، وخصوصًا أسيوط وقنا وسوهاج، تنتشر ظاهرة “عمل ذوي البشرة السوداء” في الخدمة، بحسب أبحاث أجراها مراسلون مصريون يعيشون في تلك المحافظات.
وفي سوهاج، لا تزال العائلات ذات البشرة السمراء التي تكنّ الولاء لعائلات ثرية، موجودة ويتم الاستعانة بنسائها في الطقوس الخاصة بالجنائز، كما يجري الاعتماد على رجالها في الأعمال التي تتسم بالمخاطرة البدنية أو التي قد تمثل مراهنة على حياة الشخص نفسها، كأن يفدي أحدهم “سيده” بحياته.
تقول أ.ي (27 عام)، وهي ابنة عمدة إحدى القرى، إن “ثقافة العبيد موجودة في قريتي، إذ يناديني جميع أصحاب البشرة السمراء ستي، ويقومون بأعمال الخدمة لقاء مقابل مادي، وهم يدينون بالولاء للعائلات التي يعملون لديها”. وتضيف: “لا يتم الزواج بين أصحاب البشرة السوداء وغيرهم، فهم يتزوجون من ذوي لون البشرة نفسه، وعلى الرغم من ذلك فإن المنتمين للعائلات الثرية وصاحبة النفوذ في الصعيد يعتبرون أن العبيد تمردوا كثيرًا على المفاهيم القديمة”.
خارج الصعيد، في القاهرة تحديدًا، انتشرت شهادات من أصحاب البشرة السوداء عن الانتهاكات التمييزية التي يتعرضون لها، خصوصًا الإناث منهم. لكن رد الفعل في العاصمة يختلف عما هو عليه في الصعيد، ففي القاهرة التمرد على هذا المفهوم وما يلحقه من تمييز أكبر.
قصة ندى كانت من بين الحوادث التي لاقت صدىً إعلاميًا في الوسط المصري. فندى التي تتميز ببشرة سوداء، تعرّضت لتمييز داخل إحدى أكبر الصيدليات المصرية، حين شتمها الصيدلاني في صيدلية سيف بسبب لون بشرتها. وعلى إثرها جرت وقفة تضامنية تتهم الصيدلية بالعنصرية، ومقاطعتها وعدم الشراء منها.
لكن التضامن مع ندى اقتصر على أصدقائها، في ظل غياب كامل للمنظّمات الحقوقية. يقول الناشط الحقوقي فتحي فريد: “لا توجد جمعيات مدنية، ومراكز حقوق إنسان في مصر تهتم بموضوع التمييز على أساس اللون، لتقوم برصد الانتهاكات وتساهم في التوعية”.
وفي ما يخص الاعتداء الجنسي على صاحبات البشرة السوداء، نشر الناشط طارق المصري، الذي يستعد لإطلاق جمعية تناهض التمييز على أساس اللون، على صفحته على فيسبوك، حكايات ثلاث سيدات تعرضن لانتهاكات جنسية بسبب لون البشرة.
يقول طارق: “في موقف الحي العاشر في مدينة نصر، قام بائع فاكهة بتقبيل فتاة إفريقية عنوة، وحين اعترضت وعلا صوتها ضربها ضربًا مبرحًا. وفي مدينة الرحاب منعت فتاة من ركوب سيارة أجرة لأن السائق رفض أن يقل في سيارته فتاة سوداء، كما تعرضت فتاة إفريقية للضرب في موقف العاشر بسبب لونها”. وأطلق طارق على إثر حوادث الاعتداء وسوم Hashtag# ﻻ_للعنصرية #ﻻ_للتمييز، #Stop_racism #Stop_Discrimination، ودعا النشطاء إلى التفاعل معها لمناهضة التمييز.
نظرة تاريخية
في بداية حكم محمد علي لمصر ازداد وجود أصحاب البشرة السوداء في مصر، نتيجة جلب قادة الجيش المصري في السودان للسودانيين من خلال أسواق النخاسة أو اختطافهم للعمل في منازلهم. وذلك بسبب ما عُرف عن ولائهم وعن أنهم أصحاب بنية جسدية قوية، وكان يتم إهداؤهم لولاة الأقاليم وللعائلات الثرية. كما كانت تجري عمليات تبادل “العبيد” بالبيع والشراء، حتى مطلع القرن الماضي، وفق وثيقة موجودة في مكتبة الإسكندرية.