-..
هناك أوجه شبه جلية عند مقارنة الأحداث الحالية في الشرق الأوسط بالثورات الشعبية التي وقعت في أوروبا الشرقية بين عامي 1989 و 1990. فقد انهارت الأنظمة القمعية في كلٍ من بولندا وألمانيا الشرقية وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا وألبانيا خلال سنتين من بدء التظاهرات في كلٍ من تلك الدول، وفي معظم الأحيان، كان الهدف الأساسي للثورة هو الإطاحة بنُظم الحكم المستبدة واستبدالها بنُظم أكثر وحدة. وكانت للثورات التونسية والمصرية والليبية أهداف مشابهة، وقد نجحت هي أيضًا بالإطاحة بنُظم الحكم في غضون أشهر.
والوجه الآخر للعملة هو يوغوسلافيا، فكما حدث في كلٍ من اليمن وسوريا والعراق، تحولت الثورة في يوغوسلافيا إلى حرب أدت إلى فقدان هائل للأرواح وتدمير البنية التحتية للدولة وحدوث أزمة إنسانية تردد صداها في جميع أنحاء العالم. في ذلك الوقت، كان لدى يوغوسلافيا أدنى مستويات للوحدة القومية من بين كل دول أوروبا الشرقية وكان هدف الثورة هناك ليس تفكيك النظام الحاكم فحسب، بل القضاء عليه تمامًا. ولكن كان لدى يوغوسلافيا نظام سياسي يختلف عن نظيره في اليمن وسوريا والعراق، فلقد اعترف ذلك النظام رسميًا بالتعددية القومية وسمح لها بالحرية السياسية في أجزاء مختلفة من البلاد.
تَدَّعي بعض الجماعات أنه كان هناك مؤامرة من الغرب لتفكيك وحدة يوغوسلافيا، بينما يلقي آخرون اللوم على سوء الإدارة من قبل النُخبة السياسية، ولكن بغض النظرعن سبب الأزمة،.كان لدى قادة يوغوسلافيا فرصة تاريخية لاستغلال استقرار الدولة الذي استمر 70 عامًا لتعزيز الوحدة الوطنية بين مختلف الجماعات العرقية. لكن بدلاً عن فعل ذلك، سعى الحكام الصرب لتعزيز التفوق التجاري والصناعي الصربي من أجل احتكار السلطة السياسية والعسكرية، فقام المفكرون والسياسيون الصرب بتعزيز التفوق الصربي بكل جشع مما أدى إلى تأجيج التعصب القومي والكراهية تجاه المسلمين في البوسنة وتجاه الألبان والكروات، وتمت مقابلة طلبات الجماعات المعارضة بحملات قمع دموية. حتى أن جزءًا كبيرًا من النُخب السياسية الصربية التي لطالما عارضت الحزب الاشتراكي الحاكم وقفت مع النظام الحاكم في ذلك الوقت، وكانت النتيجة اندلاع حرب أهلية.
تُعد إيران، مثل يوغوسلافيا، دولة كبيرة تتكون من قوميات متنوعة. عندما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران في فبراير/ شباط من عام 1979، لم يكن هناك سوى جماعة واحدة من الأقليات معارضة للجمهورية الإسلامية وللثورة ألا وهي الأقلية الكُردية. لكن اليوم، ووفقًا لما قاله الأكاديمي الليبرالي الإيراني الداعي للإصلاح، صادق زيباكالام، أصبحت هناك جماعات معارضة أُخرى مثل الأكراد الأذربيجانيين والمسلمين السُنة والبلوش والأهواز العرب. ولقد دعى زيباكالام الجمهورية الإسلامية للتماسك لأنه “إذا سقط هذا النظام فقد تُمحى الدولة الإيرانية من الوجود. لقد قمنا باعتماد طرق خاطئة أدت إلى اعتراض كل هؤلاء الناس على طريقة حُكمنا للبلاد.”
إن الوضع الراهن في إيران يشبة صراع الجماعات العرقية الغير صربية في يوغوسلافيا في محاولاتها لكي تحصل على تمثيل لها في دولة يحكمها الصرب. وبالرغم من أن الدستور الإيراني يضمن بشكل رسمي حرية التعبير الثقافي والتعددية اللغوية، إلا أن التعددية العرقية هي أحد المسائل التي يجد النظام الحاكم صعوبة في مواجهتها، على الرغم من أن الأقليات العرقية تُشكل 50% من الشعب الإيراني.
بالإضافة لذلك فقد اتبعت النُخبة الثقافية من الفُرس ممارسات اجتماعية قمعية تهدف لإضعاف حقوق الأقليات العرقية في الاستقلالية والتمثيل والإنسانية . قد يكون السبب في ذلك هو الخوف من أن الاعتراف بحقوق الأقليات العرقية يهدد الهيمنة الفارسية وقد يؤدي إلى انهيار النظام الحاكم.
إن الأُسطورة الإيرانية لهوية فارسية موحدة جاءت نتاج 100 سنة من فكر قومي متطرف فوقي قاوم بشدة أي نوع من أنواع التحليل النقدي. ففي إيران، يتم تلقين الفُرس منذ ولادتهم بأنهم متفوقون عرقيًا، وهي فكرة تلقى تأييدًا ودعمًا ليس من عائلاتهم ومجتمعهم فحسب، بل من وسائل الإعلام أيضًا. لا يبالي أغلبية الفُرس بالمشاكل التي تواجهها الأقليات في إيران، بل ويظهرون العداء لها. وقد أخفق المفكرون الفُرس في تعزيز ثقافة التسامح والاحترام، فلا يتم تمثيل الأقليات في قطاعات هامة مثل الإعلام والتعليم، وتُصورهم وساءل الإعلام على أنهم أقل ذكاءًا وأكثر عنفًا وبالتالي فهم ليسوا جديرين بالتمتع بحقوق متساوية مع الفُرس.
فمن الشائع عندما يتحدث الفرس مع العرب الأهواز على سبيل المثال، وهي جماعتي العرقية، أن يُظهروا تعصبهم العرقي بعبارات مثل:”أنت لست عربيًا فعلًا! لقد تم تعريبك لأنك تعيش قريبًا من الدول العربية، لكنك لست فعليًا سوى مُتحدث باللغة العربية” أو:” إذا أردت أن تُعبر عن عروبتك أو ما تدعي أنه “هوية عربية”، اترك هذا البلد واذهب إلى المملكة العربية السعودية”. تنفي تلك العبارات تمامًا وجود الأهواز العرب وتاريخهم في وطنهم إيران. إن ذلك التعصب المعادي للعرب مترسخ في علاقات العمل ويُطبع في الصحف ويُنشر على التلفاز ويتحدث عنه مسؤولو النظام الحاكم دون خجل ويسوقه المُفكرون، كما ويُعد عاملًا هامًا للمحافظة على صورة القومية الفارسية لإيران. وغالبًا ما يُتَهَم النشطاء العرب الأهواز بالانشقاق السياسي واعتبارهم تهديدًا للأمن القومي وهي تهمٌ يُعاقب عليها بالإعدام أو الحبس لفترات طويلة.
وحتى في الوقت الحاضر، يعارض المسؤولون الكبار في النظام الحاكم فكرة السماح للأقليات العرقية بالحصول على أي تعليم بلغتهم الأُم، لأنهم يزعمون بأن التعليم بأية لغة أخرى غير اللغة الفارسية سيُزعزع من وحدة الشعب الإيراني، على الرغم من نص المادة 15 من الدستور الإيراني لعام 1979 على السماح بتقديم التعليم وعددٍ من الوسائط الإعلامية بلغات أُخرى غير الفارسية.
ولقد فشلت المعارضة الرئيسية في إيران هي الأُخرى في معالجة المشكلة المتفاقمة لحقوق الأقليات العرقية. فعلى سبيل المثال، لم تشارك المعارضة العرقية في الثورة التي حدثت في طهران على النظام الحاكم عام 2009، فقد اعتبرتها محض اشتقاق من النظام الحاكم نفسه.
وقد بدأت الأقليات العرقية في إيران بالمطالبة علنًا بحقوقها الوطنية عندما تمت زعزعة الحكومة المركزية عام 1979، وظلت تفعل ذلك لسنوات، إلا أن تلك المطالبات تُقَابَل بحملات قمعية عنيفة من قبل المخابرات الإيرانية والحرس الثوري، وهذا لا يُشجع إلا على التطرف المقابل، وهو موجة متصاعدة من الاستياء والمعارضة الآخذة في الانتشار بضراوة في البلاد. وبما أنه لا يوجد في تاريخ إيران ما يدعم فكرة أنه من الممكن إقامة دولة إيرانية موحدة تضم جميع الأقليات العرقية، تشعر الأقليات في إيران أنه ما من خيار لديهم سوى اللجوء إلى المقاومة العنيفة حتى يحافظوا على إرثهم وثقافتهم ووجودهم في ظل الحكم المتعصب عرقيًا. وقد يكون هذا هو العامل الأساسي الذي سيؤدي إلى اندلاع ثورة في البلاد.
وفي الطريق بين اندلاع الثورة المُحتمل في إيران، وحتى تأسيس نظام أكثر عدلاً، فإن الأشخاص الذين يراهنون على مستقبل إيران يستطيعون الحد من النتائج الكارثية للثورة إن هم تعلموا دروسًا من تاريخ الدول الأخرى كيوغوسلافيا. في عام 1979، تكاتف مُعظم الشعب الإيراني معًا في توافق بأنهم لا يرغبون في نظام الحكم الملكي، وبالتالي فمن الهام أن تبدأ المعارضة الإيرانية في تمثيل مطالب الأقليات العرقية ودعمهم للحصول على حقوقهم الوطنية وحق تقرير المصير، وإلا قد تواجة إيران موقفًا حربيًا متفاقمًا يشبه ذلك الذي واجهته يوغوسلافيا.
لقد حان الوقت ليقرر الشعب الإيراني أي نوع من الأنظمة الحاكمة الغير مركزية يقدر أن يستبدل بجدارة النظام الحالي ويلبي احتياجات كل أطياف الشعب، وليس الأكثرية الفارسية فقط.
رحيم أحواز هو ناشط إيراني لحقوق الإنسان يُركِّز على حقوق الأقليات العرقية.