فرصة للتغيير من أجل أطفال سوريا

هذا المقال جزء من سلسلة خاصة من المقالات بقلم المدونة والناشطة مرسيل شحوارو، واصفة حقيقة الحياة في سوريا تحت نير الصدام المسلح بين القوات النظامية وكتائب الجيش الحر.

Marcel

“تعا نلعب ؟ أنا جيش حر وأنت جيش نظامي ومنقتل بعض” ويحتج الطفل الآخر فهو يريد أن يكون الجيش الحر، هكذا تكون الألعاب واقعية جدًا من واقع مؤلم لا يعرفون سواه. غريبون هم أطفالنا، يميزون أسلحة الكبار بأصواتها ومسافاتها ليقول احدهم لأخيه “لا هذه القذيفة بعيدة ثلاث حارات على الأقل” هذا طبعًا إن لم يحملوا القذيفة أو بقاياها بأيديهم واستخدموها في ألعابهم. لم يعد الموت والأنقاض والأشلاء تثير فيهم من الدهشة أو الذعر شيئًا. تحوّلوا هم صخرًا عوض االجدران المهدّمة على امتداد مساحة الوطن. تلك المساحة الحرّة الباقية من تفكيرهم هي مساحة للمعركة الإيديولوجية منذ اخترع البعث في سوريا ما يسمى بطلائع البعث، وهي نشاط مدرسي أو تنظيم للأطفال يدخلوه مرغمين لينتسبوا إلى حزب البعث ليغنّوا ” للبعث يا طلائع .. للنصر يا طلائع” بعد ترديد الولاء للقائد المفدّى، لتمتد هذه المعركة لتشمل كل الإيديولوجيات بعد الثورة.

عندما تحررت أجزاء كبيرة من مدينة حلب، توقف النظام بشكل تلقائي عن تأمين الموارد للمدارس والتعليم هناك، لأسباب عديدة كأن يجبر الأهالي على النزوح إلى مناطقه، أو كعقاب جماعي للباقين في تلك المناطق أو لتجهيل تلك المناطق الفقيرة أساسًا ولشغل المجتمع المدني الناشئ حديثًا بسوريا بأعباء التعليم بعد أن أثقل كاهلهم بمسؤوليات الإغاثة. كجزء من المجتمع المدني المتعب من كبر الحاجة الإنسانية والشعور بالذنب لما آلت إليه الأمور، في السنة الأولى من تحرير حلب لفتّ الصديق الشهيد مصطفى قرمان، أحد مؤسسي كش ملك، نظر مجموعتنا إلى أهمية ألا يترك أبناؤنا عرضة لآثار الحرب وحدها. نحن الذين كنا أكثر استعجالًا وأقل ترويًا منه كنا لازلنا على الحلم الجميل الأول بالنصر القريب وأننا لن نحتاج إلى هذه المشاريع طويلة الأمد أو على الأقل ليست هي أولى أولوياتنا.

وفي أثناء إعداده للمدرسة الأولى، استشهد بقذيفة على مظاهرة سلمية ورحل عريس قصة الحب الرائعة بعد شهر من عرسه.

وحفاظًا على الحلم، أسسنا للمدرسة الأولى وأسميناها تيمنًا به مدرسة الشهيد مصطفى قرمان في بستان القصر، في السنة الأولى لم نكن نعرف شيئًا عن التعليم في أوقات الحرب، من أين نموّل شيئًا مستمرًا كهذا؟ كيف نتعامل مع الصدمة النفسية لأطفالنا؟ وتعلمنا من تجاربنا ومن تجارب الآخرين. وما زلنا نتعلم. ابتدأنا بمدرسة صغيرة دون أي معايير أو رؤية، في السنة التالية بدأت المعركة الإيديولوجية حول المدارس فكلُ يغير المنهاج وفقًا لهواه محوّلًا أطفالنا إلى طلائع لبعثه الخاص. وحينها قررنا أن علينا ان نعدّ بعض المعايير التي نتناقشها مع المدارس التي نديرها، كأن تحترم حقوق الطفل ولا تفرض عليه إيديولجيات سياسية أو دينية. وكان ذلك صعبًا في ظل الانقسام الحاد في المجتمع السوري، حيث يلعب لون العلم الذي سيرسمه الطفل في حصّة الرسم دورًا في علاقته بأصدقائه وأساتذت، ولهذا كان علينا كعدد كبير من منظمات المجتمع المدني السورية أن نبقي التعليم في أول أولويتنا عسى حاضرنا المؤلم يكون أقل حملًا على غدنا. ليبقى لذاك الطفل أمل أن يخرج خارج دوامة العنف والتطرف والفوضى واسترخاص الموت.

وفي العام الثالث قررنا أن ندير خمسة عشرة مدرسة كي نشمل 3000 طفلًا في حلب المحررة. المشكلة أن الرقم قد يبدو صغيرًا خصوصًا إذا عرفنا أن هناك مليونا طالب سوري يحتاجون إلى التعليم، ولكن ما بين الرقم والرقم هناك قصة مهمّة لطفل ما اعتاد أن يحلم قبل أن يعتاد صوت الطائرة، ونحن لا زلنا نملك بعضًا من أمل وعزيمة لنحافظ على حلمه ضمن فقاعة تدعى المدرسة. هناك طفلٌ لا زال يريد أن يرسم عالمًا ملونًا لم يغزوه الأسود ونحن لا زلنا لأننا “نعتقد أننا الناضجون” نمتلك بعضًا من ألوان الرسم.

ثلاثة ألاف طفل يستحقون “فرصة”، فرصة أن يكون لهم غدٌ على مقاس الخسارة في الابتسامة على وجوههم. فرصة لأن يدرسوا في جامعة ما ليدّرسوا هم بدورهم قصة عن البطولة. فرصة كي لا يسرقهم مجنون ما يعتقد أن الآخرين يجب أن يموتوا تفجيرًا لاختلافهم. فرصة كي لا يحملوا سلاحًا أثقل من وزن حقيبتهم الدراسية. هي فرصة لنا نحن السوريون كي نمسك بزمام أمر ما من أمورنا، وننقذ من تبقى على قيد الحياة من موت الفكر أوالاختناق تحت أنقاض الجهل والأمية. هي فرصة لأن نتمسك بما تبقى لدينا من أمل اننا قادرون على صنع تغيير ما على مقاس مخيلة الطفل اللا محدودة. هي فرصة للإنسانية كي تعلّم 3000 طفل أن يرسموا سماء زرقاء بطيور دون طائرات حربية، أن يشتروا ممحاة لصدى المدفعية.

لذا أسمينا حملتنا لدعم التعليم في المناطق المحررة هذا العام، “فرصة من أجل التغيير“، فيها نطمح أن نجمع من أنحاء العالم 100000 لندعم عشرة مدارس إضافية. ولكن المال ليس أقصى ما نتمناه، نتمنى من يسمع صدى صوتنا أن يرسل لنا لوحة رسمها طفله ليعلقها طفلنا في صفّه في القبو المزوّد بكهرباء المولدات المفعمة بالضجيج، أن يرسل لنا لعبًا .. كتبًا. أن يكتب عن تعليم أطفالنا، أن يعمل مناسبة صغيرة في الجامعة ليحدث الآخرين عن التعليم في سوريا. أن يسأل الحكومات والمنظمات عن مليوني طفل سوريّ لم يتعلموا سوى انعكاس العنف على أرواحهم.

فيها نطمح أن نخلق قناة اتصال، لإيصال صوت الأطفال السوريين لكل الأباء والأمهات في أنحاء العالم وكلنا ثقة أن تلك المحبة الأبوية قادرة على أن تترك لأولئك الأطفال “فرصة للتغيير“.

مرسيل شحوارومدونة وناشطة من حلب، سوريا وتغرد على Marcellita@

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.