لا تزال فصائل الثورة السورية صامتة أمام الاعتداءات المستمرة من هيئة تحرير الشام على الجيش الحر، دون أن تتحسس الخطر القادم لكل فصيل. كل منهم ينتظر الآخر لاتخاذ إجراء ما لوقف اعتداءات هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بمهاجمة فيلق الشام والفرقة ١٣ في مدينة معرة النعمان، الفيلق الذي سبق له وأن سكت عن الاعتداء على حزم والفرقة ١٣ وغيرهم من الفرق.
لا تتعامل الفصائل المعارضة مع بعضها ككيان موحد، بل تنظر كل منها للأخرى كعدو يُراق دمه بدلًا عنها. ينتظر فناء الآخر بعيدًا عن تعدي جبهة النصرة، حيث لم يسبق لأي من الفصائل أن دافعت عن الأخرى عند تعرضها لاعتداءات خوفًا من دخولها في صراعات، مع أن هيئة المعارضة السورية السياسية باتت تصدر بيانات لتهنئة الدول والرؤساء بمناسباتهم الوطنية، دون إصدار أي بيان بالتضامن ضد جبهة النصرة.
إن كانت هذه الفصائل غير قادرة على إيقاف اعتداء منظمة القاعدة على أصدقاء السلاح، فكيف تطلب من المجتمع الدولي تزويدهم بالسلاح؟ وكيف سيحمون سلاحهم من السلب؟ لا بد من الإشارة هنا إلى حدث مهم عام ٢٠١٣ عندما قامت جبهة النصرة بالهجوم على مستودعات الجيش الحر شمال سوريا التي كانت تضم شحنات ضخمة من الدعم الأمريكي، حيث كانت هذه الحادثة السبب في إيقاف الدعم المقدم للفصائل.
مع تجميد الجبهات ووقف الاقتتال مع قوات النظام وفق اتفاقية تخفيف الأعمال العدائية التي جاءت في جلسات مفاوضات الأستانة بوساطة روسية إيرانية تركية، توقفت أعمال الفصائل العسكرية في الشمال السوري عن مواجهة النظام في أدلب وما حولها، وبدل أن تنقل الفصائل عملها الميداني نحو مناطق أخرى تقع خارج نطاق الهدنة مثل ريف حماة، فضلت الفصائل البقاء في أماكنها حيث كانت فرصة هيئة تحرير الشام الذهبية لتعتدي من جديد على فصائل الجيش الحر بحجج مختلفة كاتهامها للفصائل باتفاقهم مع الروس والمجتمع الدولي على محاربة الهيئة وفقًا لبنود اتفاق الأستانة. كما هاجمت الفرقة 13 ذات العداء المعروف لها لأسباب عديدة منها اتهامهم بقتل عدد من المقاتلين المنتسبين لجبهة النصرة.
بينما تفرح المعارضة بمقتل مجموعة للنظام في منطقة ما، أو تدمير دبابة في احدى الجبهات، تتقدم الميليشيات الكردية نحو المنطقة الأكثر استراتيجية في الوقت الحالي والتي من المتوقع أن ترسم شكل الدولة السورية المستقبلية، مدينة الرقة، العاصمة المعلنة لتنظيم داعش. حال بسطت الميليشيات الكردية سيطرتها على المدينة، فهذا يعني أن من سيحارب في شرق سوريا لطرد داعش من دير الزور هم الميليشيات الكردية أنفسهم، ويعني سحب السيطرة العربية من هذه المنطقة ذات الغالبية العربية، كما أنها ستعزز وجود الحليف الكردي للوجود الأمريكي على الأراضي السورية.
لا تزال الفصائل المقاتلة السورية تسير على نفس النهج في أسلوبها القتالي والسياسي منذ تأسيسها بعد أشهر من اندلاع الثورة السورية وحتى يومنا هذا. فالفصائل السورية المقاتلة، رغم أنها تقاتل باسم الثورة، إلا أنها لم تستطع اعتماد اسم واحد لها، فهي تقاتل تحت أسماء ورايات متعددة رغم أن الثوار السوريون يدعونهم “الجيش السوري الحر” إلا أنهم لم يستطيعوا التوحد بعد محاولات عديدة للاندماج باءت بالفشل أو بقيت على مستوى محلي كاندماج بعض فصائل المنطقة الواحدة بكيان جديد.
كما أن الفصائل تعاني من نفس التشتت على المستوى السياسي، حيث لم تقدم مشروعها السياسي حتى الآن، ربما بسبب اختلاف الأيديولوجيات بين الفصائل. فتجنبت الإعلان عن المشروع السياسي الخاص بها لتجنب مزيد من التفرقة، أو لتجنب الاصطدام مع الفصائل الجهادية التي تعادي مشروع الدولة الديمقراطية وتسعى لتأسيس دولة تحكمها الشريعة الإسلامية.
انعكس تشتت الفصائل على الدعم العسكري الموجه لها من الدول الداعمة، فتحولت الولايات المتحدة الأمريكية “الداعم الرئيسي للفصائل” وبدأ الدعم يتحول من الفصائل السورية الثورية إلى دعم الفصائل الكردية المتشعبة عن تنظيم الـ PKK ذو العداوة التاريخية مع تركيا، فدعمت أمريكا فصائل بمسميات مختلفة مثل PYD ،SDF ،YPG وجيش الثوار وغيرهم، مستخدمة إياهم لمحاربة تنظيم داعش بالإضافة لفرض مناطق سيطرة واسعة تخدم المصالح الأمريكية وتأسيس عدة قواعد عسكرية ومعسكرات تدريب للقوات الأمريكية مما يعزز من وجودها في المنطقة.
أدت زيادة الدعم السياسي والعسكري للقوات الكردية لرفع درجة التوتر مع الدولة التركية التي قامت بدورها بزيادة الدعم للقوات السورية المعارضة وإطلاق عملية “درع الفرات” في سبيل استخدامها لمواجهة الأخطار على حدودها الجنوبية ضد تنظيم داعش والقوات الكردية، مما أدى لسحب عدد من الفصائل التي توجهت للقتال في صفوف درع الفرات، وشكلت هذه العملية الخطوة الأولى في انقسام الفصائل ما بين المشروع الأمريكي أو الدعم التركي.
مع كل هذه الفوضى، باتت فصائل الثورة السورية تعيش حالة من التخبط – ربما في آخر مراحلها- فأمريكا لن تدعم هذه الفصائل مالم تحسم موقفها من جبهة النصرة وتقدم خطوات جدية في ذلك. كما توقفت عملية درع الفرات بعد أن حوصرت من النظام السوري، ولم تؤد عملية جنيف السياسية لأي تقدم حتى أنها فقدت زخمها. في نهاية المطاف، على هذه الفصائل أن تنقذ نفسها وتنقذ الثورة التي جاءت من أجلها قبل فوات الأوان.