نشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع رصيف22، المنصة الإعلامية العربية، في19 آذار/مارس 2023، بقلم سامي مروان مبيض. يتم إعادة نشر نسخة محررة هنا، بموجب اتفاقية مشاركة المحتوى.
في 21 آذار/مارس، كنا على موعد مع مئوية نزار قباني، أشهر شعراء سوريا والوطن العربي في العصر الحديث، الذي ولد بدمشق في 21 آذار/مارس 1923 وتوفي في لندن يوم 30 نيسان/أبريل 1998.
نظرًا لكثرة الهموم والتحديات في سوريا، يبدو أن هذه المناسبة سقطت من الذاكرة الجماعية للسوريين، ولم يتذكرها إلا قلة قليلة من الناس، من ضمنهم الإعلامي نضال قوشحة، الذي أراد تنظيم ندوة تلفزيونية في دار نزار القديم في مئذنة الشحم، داخل مدينة دمشق القديمة، بحضور ومشاركة فنانين كبار غنوا أشعاره، مثل نجاة الصغيرة، وكاظم الساهر، وماجدة الرومي، ومعاصرين عرفوه عن قرب مثل الأديبة كوليت خوري. لكنّ ظروف البلاد، والزلزال المدمر الذي ضرب سوريا في 6 شباط/فبراير 2023 حال دون ذلك في الوقت الحالي.
نزار نفسه كتب عن يوم ميلاده قائلاً:
“ولدت في 21 آذار/مارس عام 1923 في بيت من بيوت دمشق القديمة، كانت الأرض هي الأخرى في حالة ولادة، وكان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء. الأرض وأمي حملتا في وقت واحد، ووضعتا في وقت واحد. هل كان مصادفة يا ترى أن تكون ولادتي في الفصل الذي تثور الأرض على نفسها، وترمي فيه الأشجار كل أثوابها القديمة. أم كان مكتوبًا عليّ أن أكون كشهر آذار، شهر التغيير والتحولات؟ كل الذي أعرفه أنني ولدت يوم كانت الطبيعة تنفذ انقلابها على الشتاء، وتطلب من الحقول والحشائش أن تؤيدها في انقلابها على روتين الأرض”.
شعبية باقية
قد يختلف النقاد في تقييم شعر نزار، ولكن لا أحد يمكنه أن ينكز مدى أهمية الرجل وشعبيته حتى اليوم، مع مرور ربع قرن على وفاته.
في سنة 2017، صمم النحات السوري وسام قطرميز تمثالاً جميلاً لنزار وضع في بهو دار الأوبرا بدمشق، في احتفال أقامته وزارة الثقافة، وهناك تمثال آخر في مدينة كليفلاند الأمريكية في ولاية أوهايو، من تصميم الفنانة السورية ليلى خوري.
قبلها كان هناك مسلسل تلفزيوني عن حياة نزار قباني، للمخرج باسل الخطيب، لعب فيه النجم السوري تيم حسن دور نزار في مرحلة الشباب، والنجم سلوم حداد دوره في المرحلة المتقدمة من عمره.
بدأ نزار قباني مسيرته الأدبية سنة 1943 ولم ينقطع عن الكتابة إلا في مراحل الحزن العميق مثل يوم وفاة ابنه توفيق أو مقتل زوجته العراقية بلقيس الراوي عام 1981. رثائه لابنه يعبر عن قوة الموت الطاغية، التي تهاجم فجأة ودون سابق إنذار، بكلماته:
“أتوفيق…
لو كان للموت طفل، لأدرك ما هو موت البنين
ولو كان للموت عقل..
سألناه كيف يفسر موت البلابل والياسمين
ولو كان للموت قلب… تردد في ذبح أولادنا الطيبين…”
الأسطورة المنسية
مع ذلك، لم يحمل أي وسام من بلده، علمًا أنه الأحق بوسام الاستحقاق أو “وسام أمية”، وهو الذي طالما تغنى بعاصمة الأمويين قائلاً: “وأمية راياتها مرفوعة… وجيادها موصولة بجيادي”.
لم يُطلق اسم نزار قباني على شارع في مسقط رأسه بدمشق، إلا في الأسابيع الأخيرة من حياته، أي بعد أكثر من نصف قرن من الشعر. سرّ بهذه اللفتة يومها، وكتب عنها آخر ما خطه قلمه قائلاً: “شرفتني المدينة التي خرجت من رحم ياسمينها، وسَقتني من ماء ينابيعها… ووسدتني على ريش حمائمها… وأطعمتني فتافيت الذهب، وفتافيت الشعر… وفتافيت الصبابة… وعلمتني أبجدية الكلام الجميل… والطيران الجميل… والتحليق الجميل على أكتاف الدمشقيات”.
كان رائعًا لو كانت مئوية نزار مختلفة، مثل ألفية المتنبي والمعري وغيرهما من الشعراء الكبار، وهو يبقى حاضرًا في الذاكرة الجماعية لملايين الناس، مع احتفالية ودونها. هو لسوريا، مثل بيتهوفن للشعب لألماني، أو موزارت للنمسا، أو شابلن للسينما العالمية، رائد مجدد وأسطورة يصعب على الزمان تكرارها.
أجمل أشعار نزار قباني، بصوت كاظم الساهر