اعتقل الشاعر، وكاتب الأغاني، والناشط المصري، جلال البحيري منذ مارس/آذار 2018 بسبب قصيدته الساخرة “بلحة”؛ لكنه تمكن مؤخرًا من تهريب رسالة من سجن بدر سيئ السمعة في القاهرة حيث لا يزال محتجزًا، يعلن فيها عن عزمه على مواصلة إضرابه المستمر عن الطعام لمدة 81 يومًا، مصعّدًا احتجاجه على سجنه التعسفي وظروف احتجازه من خلال بدء إضراب عن المياه اعتبارًا من الأول من يونيو/حزيران 2023.
النفوذ الخطير للشعر والموسيقى الساخرة في مصر
تم تحويل قصيدة “بلحة” إلى أغنية في 26 فبراير/شباط 2018 قبل شهر واحد من الانتخابات الرئاسية، وذلك بالتعاون مع مدافع حقوق الإنسان المنفي، وموسيقي الروك المشهور، رامي عصام الذي سطع نجمه وأشيد به على نطاق واسع باعتباره الصوت الرمزي لثورة 25 يناير التي اندلعت في مصر عام 2011، بعد أدائه المؤثر لأغنية “ارحل” عام 2011، أمام الملايين في ميدان التحرير، وهي أغنية دعت بجرأة إلى استقالة الرئيس المصري، آنذاك، حسني مبارك.
كلمة “بلحة” تعني فاكهة “التمر”، لكنها في هذه الحالة تحمل معاني تتجاوز ترجمتها الحرفية، تعود للفولكلور المصري، وتحمل ثقلًا رمزيًا في إشارة غير مباشرة إلى صورة نمطية مهينة مرتبطة بالغانيات، كما يرتبط المصطلح أيضًا باسم شخصية مصابة باضطراب عقلي وأوهام العظمة في فيلم مصري شهير من ثمانينيات القرن العشرين.
في هذا السياق تحديدًا، اعتُبرت كلمات الأغنية نقدًا مستترًا لولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي الأولى التي دامت أربع سنوات، حيث تناولت قضايا اجتماعية وسياسية مختلفة مثل وضع الاقتصاد المصري ومختلف مستويات الفساد السياسي.
هذه القصيدة جزء من مجموعة البحيري الشعرية التي تسمى “خير نسوان الأرض” والتي تلمح باستهزاء إلى الجيش، كما تسلط الضوء على قيمة وإنجازات المرأة المصرية على الرغم من التحديات الفريدة التي تواجهها، في ذات الوقت، تنتقد الصمت المحيط بالأحداث الأخيرة، وتحث على تغيير المواقف العامة تجاه الإرهاب والصراع بما يتماشى مع قيم الشجاعة، والشرف، والاحترام، التي غُرست في البحيري منذ نعومة أظافره.
سجّل الفيديو الموسيقي أكثر من 7.3 مليون مشاهدة على يوتيوب منذ 26 مايو/أيار 2023، كدليل على تأثير الأغنية.
تسبب إصدار أغنية “بلحة” بإساءة كبيرة، وأفضى إلى اعتقال ثمانية أشخاص، منهم مواطن مصري بريء لم يكن له أي علاقة بالأغنية، ولكنه كان يستمع إليها في سيارته في الكويت، تم لاحقًا ترحيله إلى مصر حيث ألقي القبض عليه.
وكان من بين الموقوفين أيضًا جلال البحيري، الذي ألقي القبض عليه في مطار القاهرة بعد خمسة أيام من صدور الأغنية، والمخرج المصري شادي حبش (1995-2020) الذي أخرج الأغنية. وُجّهت إليهما التهم المألوفة التي يشيع استخدامها ضد المعارضين، مثل “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، ونشر الأخبار الكاذبة و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، لكن في حالتهما، أضيفت أيضا تُهمتا “التجديف” و”إهانة المؤسسة العسكرية”.
توفي حبش بعد عامين من الحبس الاحتياطي بشكل مأساوي في سجن طرة في القاهرة في مايو/أيار 2020 عن عمر يناهز 24 عامًا. فيما زعمت السلطات أن وفاته نتجت عن تسمم كحولي، عزا الناشطون وفاته إلى الإهمال الطبي، حيث أشارت التقارير إلى أن زملاءه في الزنزانة نادوا للمساعدة الطبية، لكن سلطات السجن تجاهلت مناشداتهم، ما أدى في النهاية إلى وفاته.
Shady Habash, an Egyptian filmmaker died in an Egyptian prison in 2020 due to medical negligence.
This excerpt was taken from a smuggled letter in 2019. One of his final pleas.#NotANumber#MedicalNegligenceIsMurder pic.twitter.com/dCRFgs8piH
— The Freedom Initiative (@thefreedomi) June 14, 2021
توفي المخرج المصري شادي حبش في سجن مصري عام 2020 بسبب الإهمال الطبي. هذا مقتطف من رسالة مهرَّبة عام 2019، إحدى مناشداته الأخيرة. “أحتاج إلى دعمكم. أريد أن تذكروهم أنني ما زلت في السجن وأنهم نسوا أمري – وأنني أموت ببطءٍ لأنني أعلم أنني أقف وحدي بوجه كل شيء. أحتاج إليكم وأحتاج إلى دعمكم أكثر من أي وقت مضى”. – شادي حبش
في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أصدر رامي عصام أغنية أخرى بعنوان “القميص الكاروه” في ذكرى مرور ألف يوم على اعتقال البحيري/ حيث استندت كلمات الأغنية إلى قصيدة أخرى كتبها البحيري خلال وجوده في سجن طرة في يونيو/حزيران 2018. في تلك الفترة، كتب البحيري عدة قصائد، منها قصيدة بعنوان “رسالة من سجن طرة” نشرتها مراكز Pen المختلفة في العالم.
سعي البحيري إلى العدالة والحرية
اعتقل البحيري بدايةً في 5 مارس/آذار 2018، ولم يُعرف مكانه على مدى أسبوع كامل، ظهر لاحقًا في نيابة أمن الدولة العليا – وهي فرع خاص من النيابة العامة مسؤول عن ملاحقة الجرائم المتعلقة بـ “أمن الدولة” – وقد بدت عليه علامات التعذيب. أُبلغ عندها أنه يواجه تهمًا من محكمة عسكرية تتعلق بمجموعته الشعرية غير المنشورة “خير نسوان الأرض” وكلمات أغنية “بلحة”. في 31 يوليو/تموز 2018، حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 10000 جنيه مصري، ولكن لم يطلق سراحه بعد أن أنهى عقوبته، بل أضيف إلى قضية جديدة بالتهم نفسها، وهو رهن الاحتجاز الاحتياطي منذ ذلك الحين.
في 5 مارس/آذار 2023، بدأ البحيري إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على سجنه التعسفي وظروف اعتقاله، حتى بعد انتهاء عقوبة السجن البالغة ثلاث سنوات، وبعد 81 يومًا من الإضراب عن الطعام، في 25 مايو/أيار 2023، نجح في تهريب رسالة من داخل زنزانته في السجن.
حصلت الأصوات العالمية على الرسالة من خلال مجموعة تم تشكيلها حديثًا تضم أكثر من 200 مواطن، ومدافع عن حقوق الإنسان، وصحفي مصري يناصرون السجناء السياسيين، ويحثون على مقاطعة الحوار الوطني في مصر إلى أن تضع السلطات حدًا للاختفاء الممنهج للمواطنين، وسجنهم غير القانوني.
للتضامن، يرجى زيارة هذا الرابط.
رسالة جلال البحيري من سجن بدر
ضد الحياة الجبر، والسجن القبر؛
ضد ألوان حيطان الزنزانات؛
ضد منطق الحديد؛
ضد إحساس الشمس من خلف القضبان والسلك الحديد؛
ضد السُتره الميري، والأكل الميري؛
ضد النور الوالع ٢٤ ساعة في الزنزانة…ميري؛
ضد ٢٠ دقيقه في الشهر، الوقت المسموح فيه بالزياره… ميري؛
ضد منع الورق والاقلام، منع الولاعات، منع أي لون غير الابيض؛ منع الأبيض؛
ضد ١٩١٢ ليلة ماشفتش فيها القمر غير مرة واحده… صدفة؛
ضد كل حلم بيموت مع الوقت، وبينضم لكل احلامي المهدورة؛
بالحب.. بالبيت.. بتكوين اسرة.. بالأبوة في سن ا لتلاتين؛
، بوجودي جمب اختي الصغيرة في كل خطوة صعبه بتاخدها في بحر الحياة
برقصتي معاها في ليلتها الكبيرة، بوجودي جنب امي وابويا في وقت ما العمر بينهشهم بشويش
ضدي انا، في كل يوم ببتعد عن الإنسان اللي جوايا خطوه
وبتحول لكيان خرساني، في مكان خرساني، بقانون خرساني؛
ضد كل دا، وعشان احافظ على اللي باقي، يوم ١يونيو الجاي
.حبدأ إضراب عن الحياة من اجل نيل الحياة
جلال البحيري
لمحة عن أغاني رامي عصام