في حين تثور الدول التي تنسب لنفسها أعمال جلال الدين الرومي ضد فكرة تجسيد ليوناردو دي كابريو لشخصية الشاعر والعلامة في ملحمة هوليودية، يحتج مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في أفغانستان على ما تم تناقله عن اشتراك إيران وتركيا في الإدعاء بأحقية تحفة الشاعر “مثنوي معنوي” التي كتبها منذ 800 عام.
في 31 من مايو/أيار، نشرت وكالة أنباء الطلبة الايرانيين (ISNA) تقريرًا يتحدث عن تعاون مؤسسة الوثائق الوطنية في إيران مع تركيا على القيام بتسجيل ديوان شعر الرومي “مثنوي معنوي” كتراث ثقافي مشترك لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
أثار هذا التقرير جدلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي الأفغانية وأثار نوبة من الشد والجذب الدبلوماسي.
هذا وقد تقدمت وزارة أفغانستان للشئون الخارجية في التاسع من يونيو/حزيران بشكوى رسمية إلى باتريشيا ماكفيليبس، ممثلة اليونسكو في أفغانستان التي وعدت بعد ذلك بإبلاغ المكتب المركزي لليونسكو بهذه القضية.
طلب وزير الخارجية الأفغاني صلاح الدين رباني من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مزيدًا من التفاصيل عن هذا الخبر في نفس اليوم.
وأعرب جاويش أوغلو بدوره عن “عدم علمه بهذه القضية” ووعد أن “يأخذ بعين الاعتبار أن أفغانستان هي مسقط رأس ميلاد مولانا جلال الدين محمد البلخي”، وهو الرد الذي فشل في إخماد الاحتجاج على الإنترنت.
ثم نشرت صحفية في قناة أريانا نيوز الأفغانية مقابلة مع السفير الإيراني لدى أفغانستان والذي صرح بأن إيران “لا تطالب بامتلاك مولانا وليس لديها نية بتسجيل المثنوي أو مولانا وإنما تحاول تسجيل بعض النسخ القديمة للمثنوي”.
“جئت من بلخ”
كتاب مثنوي معنوي أو مثنوية المعاني (تعني حرفيًا: مقاطع من الشعر الروحي) هو أحد أشهر ثلاث أعمال كتبها الرومي ويتكون من ست فصول وحوالي 26 ألف زوج من الأبيات الشعرية.
هذا ويحظى المثنوي بتبجيلٍ كبيرٍ في كل أنحاء البلاد الناطقة بالفارسية والتي تشمل أفغانستان وإيران وطاجيكستان، لأنه كتاب يحوي حكمة استثنائية.
بل يعتبره العديد من متحدثي الفارسية في مرتبة ثانية بعد القرآن أو يسمونه “القرآن الفارسي” وهذا أعظم ثناء على محتواه الصوفي والغني روحيًا.
كما جعل كتاب المثنوي الرومي الشاعر ذو الأعمال الأكثر مبيعًا في أمريكا عام 2014 وهو ما يفسر اهتمام هوليود بحياته الاستثنائية.
وفي التاسع من يونيو/حزيران، تجمع مجموعة من نشطاء المجتمع المدني في كابول للاحتجاج على الطلب المقدم من إيران وتركيا إلى اليونسكو مصرين على أن الرومي كان “شاعرًا عالميًا و ثروةً نفيسةً لكل الشعوب المثقفة”.
واحتجوا قائلين :” يعلم الجميع أنه ولد في بلخ بأفغانستان ثم انتقل إلى قونية”.
كتب سوهراب سيرات، وهو شاعر أفغاني شهير، على صفحة فيسبوك مقتبسًا فيه بيتًا من المثنوي:
I come from Balkh, I come from Balkh, I come from Balkh/ A world rejoices my bitterness. . .
جئت من بلخ، جئت من بلخ، جئت من بلخ/عالم يبهج مرارتي
واستشهد الكثير من مستخدمي فيسبوك بهذا البيت من المثنوي على انتماء الرومي لمدينة بلخ في أفغانستان.
ولكن أصل الرومي كان أكثر غموضًا في العديد من غزلياته فكتب في إحداها:
“لست مسيحيًا ولا يهوديًا ولا مسلمًا، لست هندوسيًا ولا بوذيًا ولا صوفيًا ولا زنِّيًّا. لست من أي دين أو ثقافة. لست من الشرق ولا من الغرب لست من المحيط ولا ما فوق”
وكتب محمد حسين محمدي وهو شاعر معاصر وروائي و كاتب قصص والذي يمتلك تاك للمطبوعات:
Maulana’s homeland is the realm of Jaan (“spirit”)
“وطن مولانا هو عالم الجان (“الروح”)
ومع احتدام النقاش أنُشئت صفحة على فيسبوك باسم مولانا جلال الدين محمد البلخي (من بلخ) مركزًا لحملةٍ منسقةٍ للاعتراف بصلة الرومي بأفغانستان.
و قد طرحت الصفحة عريضة ضد الطلب المقدم من أنقرة وطهران لليونسكو ووقع عليها أكثر من 5 آلاف شخص وهو رقم قريب من هدفها بتجميع 7500 توقيع.
قصة الرومي “صنعت في قونية؟”
ولد الرومي على الأرجح في بلخ، المدينة الأفغانية أو المنطقة الأوسع التي تمتد الى دولة طاجيكستان الحالية، يوم الثلاثين من سبتمبر/أيلول 1207.
ولكن في أعقاب الغزو المغولي لأواسط آسيا بين 1215 وحتى 1220، رحل بهاء الدين ولد، والد الرومي، غربًا مع أسرته.
واستمرت أسرة الرومي في المسير إلى بغداد مؤدين فريضة الحج في مكة ثم ساروا إلى دمشق ثم وصلوا كارامان حيث استقروا لمدة سبع سنواتٍ إلى أن رحلوا عنها إلى قونية في بلاد الأناضول عام 1228.
في ذلك الوقت كانت المدينة تحت سلطان سلاجقة الروم ومن هنا جاء تلقيب مولانا بالرومي.
وبعد دراسة التوحيد والأدب العربي وعلوم الدين أصبح الرومي معلمًا في سن الخامسة والعشرين ثم فقيهًا مشهورًا يخطب في مساجد قونية.
كما استقطب آلافًا من الطلاب وهو ما حُسد عليه على نطاق واسع.
هذا وقد جاء تحول الرومي إلى الشعر بعد التقائه ولاحقًا فقدانه لمرشده وأعز صاحب له، شمس الدين التبريزي، في ظروفٍ غامضة.
هز فقدان التبريزي كيان مولانا الرومي ففجر حزنه في الشعر.
ومن ضمن عشرات الآلاف من الأشعار المنسوبة إلى الرومي جُمع حوالي 44 ألف بيت شعري في كتابين عظيمين بعنوان ديوان شمس التبريزي (قصائده في الغزل والحب والتصوف) والذي كتبه في ذكرى موت صاحبه العزيز وجُمع في حوالي 25 ألف بيت في مثنوية المعاني ( أبيات الحكمة).
توفي الرومي في قونية عام 1273.
التوجه غربًا
وفي الوقت الذي استمرت فيه أخبار الطلب المشترك المقدم إلى اليونسكو، صرح دايفيد فرانزوني، الكاتب والسيناريست الحائز على جائزة الأوسكار، لصحيفة الجارديان في السادس من يونيو/حزيران أنه “قد وافق على العمل على فيلم يجسد السيرة الذاتية لشاعر القرن الثالث عشر جلال الدين الرومي”.
و أضاف أنه يريد أن يجسد النجم الهوليودي ليوناردو دي كابريو شخصية الرومي مما أثار حماسة بعض الأفغان ونفور البعض الآخر.
وخلال ساعات اكتسح الوسم #RumiWasntWhite (الرومي لم يكن رجل أبيض) موقع تويتر.
Racists get so mad when a FICTIONAL character eg hermione is made black but they're fine whitewashing REAL PEOPLE??? Ok #RumiWasntWhite
— Chloe (@Marmite___) June 7, 2016
يغضب العنصريون بشدة عندما تحول شخصية خيالية مثل هيرميوني لشخصية ذات بشرة سوداء لكنهم لا يمانعون تبييض أشخاص حقيقيين؟؟؟ حسنًا الرومي لم يكن رجل أبيض.
I hope the #Rumi film will be an authentic representation of customs of the region unlike the traumatic ‘Rock The Kasbah’. #RumiWasntWhite
— Shuja Rabbani (@ShujaRabbani) June 7, 2016
آمل أن يتم تمثيل فيلم الرومي تمثيلًا حقيقيًا لتقاليد المنطقة على عكس الفيلم “Rock The Kasbah”.
So they want a white man to play Rumi, a SUFI PERSIAN poet, but when they need a terrorist they find Muslim actors so easily #RumiWasntWhite
— Aayesha (@AayeshaJ) June 7, 2016
إذًا هم يريدون رجلًا أبيض البشرة لتجسيد شخصية الرومي، الشاعر الصوفي الفارسي، ولكن عندما يريدون إرهابيًا يجدون ممثلين مسلمين بغاية السهولة.
وحده الزمن سيبين لنا ما إذا كانت الشاشة الفضية ستكرم أسطورة الرومي أم ستسيء إليها، ولكن يعترف العديد من الأفغان أنها أسطورة نشأت على بعد ألاف الأميال غربًا من الأرض التي ولد فيها.
هذا وما زال هناك الكثير لدى العلامة صاحب المعرفة الواسعة ليعلمه لأفغانستان حيث تستمر التفسيرات المتطرفة للدين بإلقاء ظلالها على البهجة الروحية التي اصطبغت بها أعمال الرومي.
ويأمل معجبوا الرومي الحقيقيون ألا تطغى الضجة المثارة حول أصوله على قوة وحكمة كلماته في وقت تشتد حاجة العالم إليها.