هيفاء زعيتر
من هو صديقك المقرّب؟”، “أي شخصيات السينما تشبهك؟”، “خمسة جوانب مميزة في شخصيتك؟”، “هل أنت مستعد لعلاقة عاطفية؟”، “ما هو معدّل ذكائك؟”، “ما الكلمة التي تستخدمها أكثر من غيرها؟”، “في أي عام ستموت؟”، “كيف ستموت؟”… وأسئلة كثيرة أخرى يؤكد فيسبوك أنه يمتلك الجواب عنها.
آلاف الاختبارات تملأ الصفحة الزرقاء لدى كل منا، “بضغطة زرّ واحدة” يأتي الجواب عن كل ما نريد معرفته حول الماضي والحاضر والمستقبل، وصولاً إلى شكل الساعة التي تناسبنا أو لون غطاء الجوال الخاص بنا. يحتاج الأمر إلى ثوان قليلة ثم يظهر الجواب لدينا مرفقاً بدعوة لنشارك النتيجة مع الأصدقاء. نتحمّس لنعرض أمامهم تفاصيل مميّزة عن شخصيتنا يؤكد عليها طرف ثالث، ليس نحن أو الأصدقاء، بل جهة يُفترض أنها “محايدة”، وفي ذلك يكتسب التباهي صدقيةً مضاعفة.
لكنْ للقصة وجه آخر…
من البديهي الشعور بالفضول لامتلاك أجوبة عن الأسئلة التي تدور في ذهننا، أو تلك التي غابت عنا. لكن الخبراء يؤكدون أن أجوبة فيسبوك خاطئة، مثلها مثل أجوبة العرافين التقليديين. كثيرون منا سمعوا مقولة “كذب المنجمون ولو صدقوا”، ومع ذلك يصرون على طرق باب “قارئة الفنجان” في صفحة فيسبوك الزرقاء. لماذا؟ الجواب في “تأثير فورير.”
في العام 1984، قام الاختصاصي النفسي برترام فورير باختبار على طلابه: طرح عليهم مجموعة من الأسئلة، لكنه لم يسجل أياً منها أو يهتم بالإجابات. جلّ ما فعله هو تسجيل العبارات نفسها للجميع وفيها “أنت شخص تحتاج إلى محبة الآخرين وتقديرهم. تبدو منضبطاً ومسيطراً على نفسك من الخارج، بينما تشعر بالقلق وعدم الأمان في داخلك… أنت تشعر بالفخر وتعتبر نفسك استقلالياً في تفكيرك…”. معظم الطلاب أقروا بأن ما قاله فورير عنهم صحيح، وتراوحت تقديرات صدقيته لديهم بين 4.6 و5 على 5. يعترف فورير أنه نقل الكلام من أحد الأبراج المنشورة في صحيفة محلية، مع ذلك صدّق التلاميذ. ويخلص الاختصاصي النفسي في النهاية إلى أن غالبية الناس يميلون إلى تصديق العبارات العامة التي تتحدث بشكل إيجابي، ويعتبرون أنها تعنيهم بشكل شخصي.
يتحدث فورير هنا عن التفكير الرغبي Wishful thinking، إذ يشعر الناس أنهم غير متأكدين من حقيقتهم أو يريدون التعلم من تجاربهم، ويحدوهم الأمل لتصديق العبارات الجيّدة عساها تتحقق. واختبارات فيسبوك ليست سوى امتداد لقراءة الطالع بأساليب مختلفة منذ العصور الوسطى، عندما كانوا يمزقون أحشاء الحيوانات ويحاولون قراءة الرموز التي ترسمها الدماء، وصولاً إلى سماع الضحك الهستيري، أو تفسير مواء القطط، أو قراءة الورق والفنجان، أو مراقبة الفلك. جعل فيسبوك الأمر أكثر سهولة ويسراً، “بكبسة واحدة” و”مجاناً”، فيما كان يدفع البعض أموالاً طائلة لقراءة طالعهم.
يكذبون ويسرقون أيضاً
المشكلة ليست في أن المعلومات كاذبة فحسب، بل كذلك في اعتماد الشركات على الاختبارات كوسيلة للحصول على المعلومات الخاصة بحساب المستخدم. وعليه، حتى لو كنتم تقومون بهذه الاختبارات على سبيل التسلية، وليس لأنكم تصدقونها، ينبغي أن تكونوا حذرين.
نبّه اتحاد الحريات المدنية الأميركي من خطورة الأمر، ففي كل مرة يجرّب مستخدم من فيسبوك الاختبار، يمكن للشركة التي طورته أن تحصل على المعلومات من حساب المشترك، كالدين والجنس والمهنة والعمر والتوجهات السياسية والوضع الاجتماعي والمجموعات التي ينتمي إليها والمناسبات التي يحضرها والصور التي ينشرها، حتى ولو كان محصوراً بالأصدقاء فقط. أكثر من ذلك، يحذر الاتحاد من أن الشركة يمكنها أن تحصل على معلومات عن لائحة أصدقاء المستخدم وخصوصياتهم، حتى ولو لم يجربوا الاختبار قط.
في تقرير نُشر العام الماضي في صحيفة “الاندبندنت” البريطانية، يؤكد الخبراء أن الشركات التي تحصل على بيانات المستخدمين من خلال الاختبارات، تعمد إلى بيعها لاحقاً لشركات مجهولة تستخدمها للإعلانات، أو القرصنة أو التجسس. يُضيء التقرير كذلك على حيلة يتمّ استخدامها، إذ يوافق المستخدم، عند الاشتراك في الاختبارات، على بنود تتيح للشركة أن تغيّر الصلاحيات لاحقاً، ويعتبر المستخدم موافقاً عليها حكماً، ومن دون علمه.
حتى البيانات المصرفية
من جهة أخرى، يشير البعض إلى أن هذه الاختبارات قد تكون بمثابة فيروس يُعرّض بياناتنا للخطر، وقد ينجح في الحصول على معلومات عن رقم الحساب أو البطاقة المصرفية. ثمة اختبارات تطلب رقم الهاتف للتسجيل، وتعمد في المقابل إلى سرقة البيانات الهاتفية بوسائل متطورة. لا ينطبق هذا الأمر فقط على الاختبارات، بل على العديد من الإعلانات “المثيرة” بشأن “صورة حصرية” أو “فيديو لم تشاهده من قبل” وغيرها…
قد تكون اختبارات فيسبوك مسلية، لكن تكلفتها باهظة. وعليه، إن كنتم تحبون قراءة الطالع، يمكنك العودة إلى الأبراج في الصحف، فهي أقل ضرراً. عدا ذلك ينصح الخبراء بالانتباه إلى مفهوم الخصوصية في وسائل التواصل الاجتماعي، فالكثير منا يأخذها بشكل استنسابي أو ظرفي بينما تستدعي اهتماماً دائماً… القراصنة لا ينامون.