لم يبق أحد.. كيف تختفي الأحزاب السياسية من أذربيجان

صورة من برايدن توليب من موقع Unsplash، مستخدمة بإذن من الموقع.

بدأ الأمر برمته في سبتمبر/أيلول 2022 حين عقد مجلس النواب مناقشات حول قانون جديد سيجعل تكوين أحزاب سياسية جديدة في أذربيجان أمر شبه مستحيل. كانت الحجة التي استخدمها مسؤولو حزب أذربيجان الجديدة الحاكم وقتها، حاجة القانون الحالي، من حقبة التسعينيات، لإصلاحات. كما نص كلام أحد أعضاء مجلس النواب، في أحد اللقاءات، أن القانون العائد لثلاثين عامًا، “لم يعد مواكب لمتطلبات العصر الحديث”. لكن مشروع القانون المقترح، يحوي عددًا من القيود الصارمة، التي تتروح من تحديد حد أدنى من الأعضاء للحزب الواحد، إلى اشتراطات الأعضاء المؤسسين للأحزاب، وآليات التمويل، وغيرها. بينما خُففت هذه القيود، وغيرها، إلا أن مجلس النواب وافق على مشروع القانون المعدل في ديسمبر/كانون الأول 2022، ودخل القانون حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2023. بالنسبة للنشطاء السياسيين، وأعضاء الأحزاب المعارضة، لم تكن التعديلات في القانون المقترح سوى واجهة زائفة. بعد أشهر من تفعيل القانون لم يعد للعديد من الأحزاب السياسية في أذربيجان أي وجود.

بدأ تنفيذ قانون الأحزاب السياسية الحالي منذ عام 1992. شهد وقتها تعديلات مختلفة آخرهم تلك المقترحة عام 2022. وفقًا للبيان المشترك للجنة البندقية التابعة لمجلس أوروبا، ومكتب المؤسسات الديمقراطية، وحقوق الإنسان المنشور في مارس/آذار 2023، على الرغم من “تفاصيل” التعديلات الجديدة، و”الاستفاضة” في معظم الجوانب، فإن التشريعات أصبحت “أشد صرامة”. وجدت المؤسستان، كما ورد في بيانهم المشترك، أن التعديلات التالية من أكثر “البنود إشكالية” التي تهدد بتضاؤل التعددية السياسية:

  • the increase of the minimum number of members of the party from 1,000 to 5,000;
  • the need for the already registered political parties to undergo a re-registration;
  • the lengthy terms and cumbersome procedure foreseen for the establishment and registration of political parties;
  • the prohibition to operate a political party without state registration;
  • the overregulation of internal party structures and operations;
  • the excessive control exercised by the Ministry of Justice over party activities and over the registers of members of political parties;
  • the possibility to suspend the activities of a political party or even dissolve a party in cases not involving serious violations of the legal acts by such a party.
  • زيادة الحد الأدنى لأعضاء الحزب الواحد من 1000 إلى 5000؛
  • حاجة الأحزاب السياسية المسجلة بالفعل إلى التسجيل مرة أخرى؛ طول المدة والإجراءات المرهقة المتوقعة لتأسيس الأحزاب السياسية وتسجيلها؛
  • حظر إدارة أي حزب سياسي دون تسجيل رسمي؛ التنظيم المفرط للهياكل الداخلية للحزب وعملياته؛
  • السيطرة المفرطة الممارسة بواسطة وزارة العدالة على أنشطة الأحزاب وتسجيل أعضائهم؛
  • احتمالية تعليق أنشطة الحزب السياسي أو حتى حله في حالات لا تتضمن انتهاكات جسيمة للإجراءات القانونية.

كان أحد الأحزاب السياسية التي مُنعت من التسجيل مؤخرًا هو حزب البديل الجمهوري. وأفاد الرد الرسمي الذي تلقاه الحزب من وزارة العدالة أن الحزب فشل في استيفاء شرط الحد الأدنى للأعضاء اللازم للتسجيل. ذكر إلجار ممادوف، مؤسس الحزب ورئيسه، على منشور على فيسبوك أن الحزب أمامه الآن 30 يومًا إما أن “يصحح المعلومات الخاصة بأعضائه الذين يزيدون على 4500 عن طريق تعيين أعضاء جدد وفقًا لمتطلبات القانون الجديد، أو أن يغلق الحزب”.

أعرب نشطاء حقوقيون أيضًا عن قلقهم بشأن طلب وزارة العدالة من أعضاء الأحزاب السياسية تأكيد ولائهم واصفين الخطوة بأنها نوع من الضغط السياسي. “كيف لنا معرفة إذا ما لم يتم تهديد المواطنين الذين تم استدعاؤهم من قبل الوزارة؟ أو أن بياناتهم لن تستخدم بشكلٍ خاطئ”. سأل أنار ممادالي، خبير أذربيجاني في الانتخابات والإدارة العامة، في لقاء مع قناة ميدان. حذر الخبير أيضًا من أن الإغلاق الأخير للأحزاب السياسية يشير إلى محاولة مفتعلة لتقليل عدد الأحزاب السياسية في البلاد، والذي يمكن أن يساعد الحزب الحاكم في توطيد السلطة والمحافظة عليها:

In democratic countries, parties dissolve after elections — if they lose, they leave the political scene. Azerbaijan has not had democratic elections and the political environment is suffocating. It is against this environment that the sate is resorting to artificial measures. It seems that the state is interested in keeping 10–15 political parties. Perhaps, for the purpose of reducing the financial support in the future or form coalitions with smaller parties – whatever the reasons are, it is hard to tell. In all cases, the process aims to artificially reduce the number of political parties.

تُحل الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية بعد الانتخابات؛ يتركون المشهد السياسي إذا خسروا. أما أذربيجان فلم تشهد انتخابات ديمقراطية والمناخ السياسي خانق. في هذا المناخ السياسي، تلجأ الدولة لإجراءات مصطنعة. يبدو أن النظام مهتم بالإبقاء على 10-15 حزبًا. ربما لتقليل الدعم المادي في المستقبل، أو لتكوين شركات مع الأحزاب الأصغر. أيُ كانت الأسباب، من الصعب الجزم. على كل حال، تستهدف العملية، بشكل مفتعل، تقليل عدد الأحزاب السياسية.

وفقًا للائحة الحالية الخاصة بلجنة الانتخابات المركزية، كان يوجد 59 حزبًا سياسيًا مسجلًا في 2022. في وقت كتابة هذا المقال، حُل 29 حزبًا سياسيًا جاعلةً تلك اللائحة قديمة. حتى الأحزاب المعروفة بتعاطفها وولائها مع النظام الحاكم، كانت من ضمن أولئك الذين تم حلهم. كتب السجين السياسي السابق، سومر هيزي، على منشورٍ على فيسبوك، “بغض النظر عن الانتماءات السياسية … وفقًا للإطار القانوني الحالي، والاتفاقات الدولية التي انضمت إليها دولتنا، من حق حتى خمسة أفراد، أن يشكلوا ويديروا حزبًا سياسيًا”.

عانت الأحزاب السياسية طويلًا في أذربيجان، وتعرضت -على سبيل المثال لا الحصر- للقبض، والاعتقال، والصعوبات المالية، أو ملاحقة أعضائهم. هيمن حزب أذربيجان الجديدة الحاكم على المشهد منذ تأسيسه. غيرت الانتخابات البرلمانية، المطعون بصحتها، في مارس/آذار 2020 من تشكيل مجلس الشعب قليلًا، حيث فاز المرشحون، الذين ينظر إليهم على أنهم أولياء لحزب أذربيجان الجديد الحاكم، 125 مقعدًا في مجلس الشعب عدا واحدًا. مع تسائل بعض المراقبين، إذا ما كانت السلطات تخطط لإدخال وجوه جديدة إلى السياسة الأذربيجانية، احتفظ 87 من نواب مجلس النواب بمقاعدهم. كلف الرئيس إلهام علييف في خطابه، الذي ألقاه أمام مجلس النواب، في ذلك الوقت الأعضاء المنتخبون الجدد باعتماد القوانين التي ستساعد على إصلاح البلاد. من حينها، وافق مجلس النواب على مشاريع قوانين مثيرة للجدل تخص الإعلام والأحزاب السياسية، وشدد الرقابة على المحتوى الرقمي، واستحدث تدابير تقيد الحقوق الشخصية (مثل التشريع الجديد الذي يفرض وساطة إجبارية على الأزواج الساعين للطلاق)، كل هذا على سبيل المثال لا الحصر.

صنفت منظمة بيت الحرية – Freedom House أذربيجان كدولة “غير حرة” منذ عام 2020 في تقريرها الحرية في العالم.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.