كان صيفًا قاسيًا، لنكف عن القول “لازلنا في شهر سبتمبر/أيلول..” انتهى الصيف ورحل الخريف. ترك لنا الصيف الماضي درسًا سيستمر إلى الخريف والشتاء، بل وأبعد من ذلك. طالما أنّ البؤس مخيم داخل البلاد وخارجها.
وسط عالم من الأزمات والصراعات والتشائم والاستياء في اليونان، كنا مازلنا نحتفظ بموسم السياحة هنا في خيوس، حيث لم تصل الأزمة.
حتى وصل اللاجئون أو “المهاجرون الغير شرعيون”؟ لاجئين؟ ببساطة سأدعوهم “أناسٌ مطاردين”، أشخاصٌ يبحثون عن الأمل. وهكذا زادت هموم هؤلاء الأجانب إلى هموم السكان المحلين أنفسهم.
يتكرر نفس المشهد يوميًا في ميناء خيّوس: تصل قوارب خفر السواحل المحملة بالأشخاص الذين تم إنقاذهم خلال الليلة السابقة والصباح الباكر، ويحدث الأمر نفسه مع القوارب التي تبحر من بسارا وإغنوسا، جزيرتان صغيرتان بالقرب من جزيرة خيّوس. خلال الصيف، كان يتم وصولهم ليلاً ونهارًا على جميع الشواطئ الممتدة على حدود السواحل التركية، وتصل الباصات لاحقًا لنقل هؤلاء الأشخاص إلى سلطات الموانئ، حيث يكون الصليب الأحمر على استعداد لتقديم الإسعافات الأولية أو أيّ مساعدةٍ طبيةٍ أخرى.
يتحول الميناء كل صباح إلى مكان لنشر الثياب والأحذية والأغراض الشخصية التي ستكون جاهزة بعد التجفيف لإكمال رحلة الأمل. يراقب نفس الأشخاص الساحل بورديات متناوبة كل يوم، يجلبون الناس يوثقونهم ويسهلون لهم ملفاتهم اللازمة ويسمحون لهم بمتابعة رحلة الأمل. كل يوم، كل صباح، في الميناء. سلطات الموانئ، موظفو الصليب الأحمر، المتطوعون، رجال الإنقاذ، الأشخاص العاديون الذين يترددون يوميًا على الحديقة العامة لجزيرة خيّوس ويتبرعون بما يستطيعون.
طبعًا هناك تصرفات تنم عن قواعد سلوكية سيئة وكارثية. يختبئ الأشخاص بين الحشود، تظهر المعارك، يحاسب أبرياءٌ على أمرٍ خارج عن سيطرتهم. لكن علينا ألا ننسى ولأي سببٍ كان أن هناك أشخاصٌ يمتثلون للعمل أربعًا وعشرين ساعةً في اليوم، لإنقاذ الأخرين. علينا ألا نسمح لأي شيءٍ بأن يعيق عملهم.
ذات يوم تعرفت إلى زوجين سوريين يبحثان عن مكتب لتبديل العملة. كان يوم أحد. كانا يسألان عن عملة البلد، كانا يعتقدان بأنهما قد وصلا إلى إيطاليا. يصل الكثير من اللاجئين إلى السواحل التركية ليلاً، ويُقال لهم وهم يعبرون أن عملية العبور ببساطة قطع نهر كبير. واحدةٌ من أكثر اللحظات تأثيرًا علي كانت عندما سألني أحد اللاجئين عما إذا كان يوجد مسجدٌ في الجزيرة لأنه أراد أن يصلي. راودني شعورٌ سيءٌ عندما قلت له: “نعم، هنالك واحد، لكنه حاليًا في طور البناء”. الصور والخبرات كثيرة وستبقى دائمًا في ذاكرتنا، لأنه كان فصلاً مختلفًا، صيفٌ غير عادي، وغيّر كلّ أفكارنا وتصوراتنا.
انقضى الصيف. وتعلمنا كيف نكون إنسانيين وكيف نرتب احتياجاتنا، تعلمنا أنه سيكون هنالك دائمًا ظروفٌ أسوأ من ظروفنا، وليس هنالك مُسلّماتٌ في هذه الحياة. تعلمنا أنه إذا امتلكنا شيئًا فائضًا عن حاجتنا، أن نعطيه للجار، كائنًا من يكون، لا أن نهدره. تعلمنا ألا نهدر شيئًا ونعيد استخدام كل شيء. رأينا وجهي الحقيقة.
المادة نشرت بالأصل باللغة اليونانية على منصة ستاسي نيوز.