تعد الأوزبك هي الثانية على الإطلاق التي تستخدم اللغة التركية من بعد الأتراك أنفسهم، حيث كُتبث بثلاث أبجديات وتحدث بها 35 مليون شخص في أنحاء آسيا الوسطى. كما أنها اللغة الرسمية الوحيدة لأوزبكستان، أكثر دول آسيا الوسطى اكتظاظًا بالسكان والتي أظهرت دلالات متواضعة مؤخرًا على الانفتاح عقب عقود من العزلة التي فرضتها هي على ذاتها. هذا ويراود الكتاب وعشاق اللغة على حد سواء ذلك التفاؤل الحذر ذلك أن طشقند ومايحدث لها من ذوبان للجليد يبشر بالخير بالنسبة لللغة الأوزبكية — التي تنشر أجنحتها الآن على الإنترنت.
عبارات فيما وراء الحدود
تعتبر الأوزبك دولة تركية ذات أصول بدوية وهو ما يفسر استخدام اللغة على هذا النطاق الواسع في مختلف الدول القومية في أواسط آسيا الحديثة وداخلها. وفي حين أن اللغة الأوزبكية هي لغة تركية بالأساس، إلا أن لديها كثير من الكلمات المستعارة من اللغة المنغولية، واللغة الفارسية، واللغة العربية، واللغة الروسية أيضًا، وتتميز هي عن سائر اللغات التركية في أنها تفتقر إلى تناغم الحروف المتحركة فيما بينها. فأقرب لغة لها هي اللغة الأويغورية، والتي يسهل على الأوزبكية فهمها جزئيًا.
تشكل لغة الأوزبك، في أوزبكستان نفسها، اللغة الأم لما يقرب من 27 مليون متحدث من مجموع السكان الكلي البالغ 32 مليون نسمة. وفي حين أن هناك نمطًا موحدًا من اللهجات الأوزبكية، إلا أن اللهجات المحلية تُستخدم بصورة بارزة، وهو ما يُعقد عمليات التواصل أحيانًا لأن هذه الأنماط الإقليمية تتأثر أيضًا باللغات المجاورة مع الاحتفاظ بخواص صوتية ومفردات محددة. وأثناء الحكم السوفيتي (1917-1991) كانت اللغة الروسية على قدم المساواة مع نظيرتها الأوزبكية من حيث الصفة الرسمية إلا أن الأوزبكية عانت على حساب الروسية. فكانت تُعتبر اللغة الروسية لغة التقدم الاجتماعي، مما دفع النخبة الأوزبكية وكذلك الأقليات العرقية إلى تجاهل اللغة الأوزبكية. ومنذ الاستقلال انعكس هذا الاتجاه: فتحدث أغلب الأقليات العرقية غير التركية في البلاد (كالطاجيك، والروس، والأوكرانيين، والكوريين، والألمان أيضًا) اللغة الأوزبكية بطلاقة أكثر، وبخاصة الأجيال الشابة منهم.
لقراءة مقالات جلوبال فويسز باللغة الأوزبكية
GlobalVoices Ўзбекча
كما يمكن العثور في أفغانستان المجاورة على ما يقرب من أربعة ملايين متحدث للغة الأوزبكية. وتتمتع اللغة بوضع رسمي في المناطق الشمالية التي يعيش فيها معظم الإثنية الأوزبكية. يعيش أيضًا أعداد لا يستهان بها منهم في دول كانت أراضيها ذات يوم موطنًا تاريخيًا للشعوب التركية في آسيا الوسطى: مليون في طاجيكستان، وأكثر من 900 ألف في قيرغيزستان، ونحو 300 ألف في تركمانستان. وتُعد الأوزبك أيضًا واحدة من 56 أقلية عرقية معترف بها رسميًا في الصين.
كما ساهمت العوامل السياسية والاقتصادية على جلب أعداد كبيرة من المهاجرين، واللاجئين، وطالبي اللجوء من أبناء الإثنية الأوزبكية إلى روسيا (حيث يعيش بها ما يقرب من مليوني أوزبكي)، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وباكستان. وهناك علاوة على ذلك، جالية جديدة أخذت في الظهور في الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، والاتحاد الأوروبي أيضًا.
تغير الأوقات، وتغير النصوص
كلمات مثل “o'zbek tili”، و”ўзбек тили”، أو “أوزبيك تيلي“ بأي طريقة كُتبت، فإنها كلها تعني “اللغة الأوزبكية“. وحدث، خلال الاضطرابات السياسية العديدة التي شهدتها آسيا الوسطى، أن ظهر حكام جدد حاملين أفكارًا جديدة — فارضين بهذه الأفكار نصوصهم على السكان المحليين.
يعتبر النص العربي هو النص التقليدي والأطول استخدامًا في أوزبكستان، والذي بدأ استخدامه في القرن الثامن، في ضوء تبني الإسلام وأيضًا دمج الثقافة الأوزبكية في العالم العربي الفارسي. ولا يزال إلى اليوم، يتحدث بهذه الأبجدية العامة من الأوزبكيين، ومسؤولي الحكومة، بل والمنابر الإعلامية في أفغانستان والصين. فقد استمرت على ما هي عليه الآن في أوزبكستان طيلة فترة الحكم الاستعماري الروسي.
ولكن حينما أحكم السوفييت سيطرتهم على أوزباكستان، سعوا إلى التخطيط لانفصال تام عن الوسائل الثقافية والدينية القديمة لتكون فاتحة لهوية أوزبكستانية علمانية جديدة تتناسب مع الحداثة الشيوعية. وفي عام 1928، تم إدخال الأبجدية اللاتينية للأبجدية الأوزبكية التي استخدمتها حتى عام 1940. ثم اُستبدلت بعد ذلك بالأبجدية السريالية، وهو الذي مثل منعطفًا آخر لنظرة السوفييت البالغة المثالية: بما يعني أن كل المواطنين سوف يتحدثون الروسية أولًا وقبل كل شيء.
جلب الاستقلال المزيد من الاضطرابات الأبجدية. ففي عام 1991، اُستحدثت أبجدية لاتينية أخرى في أوزبكستان لتبيان انفصالها عن الماضي السوفييتي. ولا يزال هذا الإصلاح مستمرًا حيث يُجرى اختبار العديد من أحدث إصدارات الأبجدية اللاتينية، واعتمادها، وأيضًا الطعن فيها. وتعود أحدث الإصلاحات إلى أيار/مايو 2019.
ولا تزال الأبجدية السيريلية القديمة مستخدمة على نطاق واسع في أوزبكستان إلى وقتنا هذا، ويمكن الاستدلال على ذلك من لافتات الشوارع، والإعلانات، وفي المكتبات، وعلى شاشات التلفزيون، والمحتوى الإلكتروني أيضًا. ومع ذلك، فإن الحكومة تطبق سياسة الإبقاء على كل الوثائق الرسمية وأن يكون التواصل الشبكي بالأبجدية اللاتينية. ومهما يكن الأمر، فلا تزال للغة السريلية سيادتها بين المجتمعات الأوزبكية العرقية في دول مجاورة مثل كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان.
تحول أوزبكستان إلى الرقمية
على الرغم من أن ويكيبيديا تحتوي فقط على 130 ألف مقال باللغة الأوزبكية (تاركة حرية الاختيار للمستخدمين فيما بين النصوص اللاتينية والسريلية)، إلا أن الذوبان السياسي المتواضع الذي حدث منذ وفاة الرئيس السابق إسلام كريموف في عام 2016 أسفر عن ذلك الانفجار في محتوى شبكات التواصل الاجتماعي. فأصبحت منصات مثل فيسبوك، وتليجرام، وإنستجرام مصادر رئيسية للمعلومات (والمعلومات المغلوطة)، والترفيه، والتفاعل الاجتماعي، وتعديل اللغة، والصياغة أيضًا:
In Uzbekistan, when parting with a good friend, it is customary to say “gaplashamiz” or “telefonlashamiz”. In translation, this means “let’s talk again” or “we will call each other.” Increasingly, however, Uzbeks are saying “telegramlashamiz” to one another: Let's talk on Telegram.
عندما نودع صديق عزيز، في أوزبكستان، تجري العادة على أن نقول “gaplashamiz” أو “telefonlashamiz”. وتعني “دعنا نتحدث في وقت لاحق” أو “لنكن على اتصال”. لكن يقول الأوزبك للآخر بشكل متزايد “telegramlashamiz” وتعني: فلنتحدث على تليجرام.
كما ظهر أيضًا مدونون ومدونو فيديو، وبعضهم الآن لديه مئات الآلاف من المتابعين. هذا وتمثل وسائل التواصل الاجتماعي وما يحدث عليها من تداخل بين الشعر والأغنية مكان حيوي جدًا للغة الأوزبكية. فكثيرًا ما تكون هذه القصائد بمثابة توثيق اجتماعي لمجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية، عن طريق استخدام اللغة المجازية للشعر أحيانًا كوسيلة لتحاشي الرقابة السياسية التي لا تزال قائمة، حتى مع ذوبان الجليد.
يعد الأدب أيضًا دربًا جديدًا لتوسيع نطاق المجتمع الأوزبكي، حيث يوفر فرصًا جديدة للتبادل الثقافي الثنائي. والأدب الأوزبكي الذي تجاهله الجمهور الأجنبي لفترة طويلة، أصبح أخيرًا مترجم، ومنشور، بل وتذوقه الجمهور العالمي باللغة الإنجليزية. هذا ويشير تخفيف الرقابة وتحرير صناعة النشر أيضًا إلى أن المزيد من المؤلفات غير الأوزبكية تُترجم، وتنشر، وتُعمم على الإنترنت وخارجه، مما يشكل تحديًا لمعايير اللغة الأوزبكية المعتادة.