أجبرت جائحة كوفيد-19 الحكومات في كل دول العالم على فرض الحجر الصحي، وذلك بإلزام بلايين الناس بالإقامة الجبرية في المنازل. سبّب هذا الموقف الاستثنائي تغييرًا في نمط الحياة التقليدي.
أصبح من الطبيعي ممارسة مهام العمل، والتعليم، والتصفح الاجتماعي عبر الإنترنت، حيث قلّص الناس من قضاء أوقاتهم خارج المنزل لتجنب احتمالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد.
استخدام الإنترنت ليس بجديدٍ علينا، ولكن الجائحة قد سرّعت من هذا التغيير العالمي، ليسيطر الإنترنت على جميع المهام اليومية لأولئك الذين يملكون إمكانية الوصول إليه.
إذا كان الإنترنت هو وسيلة استمرار الحياة أثناء الجائحة، فماذا عن الدول المنكوبة بالصراعات وإمكانية وصول مقيدة للإنترنت؟
كوفيد-19 يُسرّع من التحول الرقمي
وباء كوفيد-19 والتدابير غير المسبوقة التي اتُخذت للحد من انتشاره قد غيروا من مسار حياتنا، حيث أدت إلى تغيرات أساسية في كيفية العمل بالشركات والمجتمعات.
بدأت سيطرة الإنترنت على مجريات حياتنا عندما سبب هذا الفيروس المميت بتعطيل العالم الذي قد يستمر حتى وقت اكتشاف المصل المضاد له. أوضحت الدراسات أن نشاط الإنترنت قد زاد بنسبة تتأرجح بين 50% إلى 60% منذ بدء جائحة كوفيد-19.
اتجه الناس إلى الانترنت بشكل جماعي لمواصلة أعمالهم اليومية الروتينية بسبب حصارهم بالبيت، متضمنةً التسوق، والعمل، والتعلم، والتواصل الاجتماعي. من المرجح أن يُحدث هذا التغير أثرًا دائمًا بعد انتهاء فترة الجائحة بوقتٍ طويل.
فجوة رقمية متزايدة
يعتبر الإنترنت مُتاحًا على نطاقٍ واسع كما يُمثل عصب الحياة في الدول الغنية في وقت جائحة كوفيد-19، ولكن يختلف الحال بالنسبة لحوالي نصف سكان العالم، الذين لا يملكون امكانية الوصول للإنترنت. أغلبية هؤلاء السكان يعيشون في دول فقيرة ومنكوبة بالصراعات حيث تخذلهم البنية التحتية الأساسية برغم حاجتهم العاجلة للمعلومات.
يواجه المواطنون في الدول المنكوبة بالصراعات هذه الأزمة الاضافية بسبب عدم توفر الإنترنت، وأثناء ذلك، في الدول السالمة والغنية، تمكن المواطنون بواسطة الإنترنت من الحد من أثر الحجر الصحي، حيث وفر لهم الإنترنت القدرة على العمل، والدراسة، والتواصل الاجتماعي، والوصول للمعلومات.
ضربت الجائحة بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) في أوقات الأزمات الاقتصادية، والانتفاضات، والصراعات المنتشرة على نطاقٍ واسع. أعوام من الصراع والانقسام في اليمن وسوريا وليبيا لم تأتِ إلا بالمعاناة البالغة، والتشريد، والتدمير، حيث استُهدفت البنية التحتية الأساسية بواسطة الأطراف المتنازعة غير مكترثين بحياة المدنيين.
في سوريا، على سبيل المثال، أكثر من 50% من البنية الأساسية لم تعُد عاملة. أما في ليبيا، فقد تم تدمير معظم البُنية التحتية الخاصة بالاتصالات أو تمت تسرقتها، ومن ضمنها حوالي رُبع مواقع أبراج المحمول بالبلاد. نتيجة لذلك،وصلت الخدمات الأساسية – الكهرباء والنظافة العامة والمياه والإنترنت – إلى حد الجمود التام.
في اليمن، التي وصفت حالتها بوابة ريليف ويب بأنها الأزمة الانسانية الأسوأ في العالم، يعتبر الإنترنت معضلة كبرى، حيث يملك حوالي 27% من اليمنيين فقط امكانية الوصول للإنترنت، معظمهم من الشباب الذي يسكنون في المناطق الحضرية.
أغلبية الشباب يصارعون من أجل ايجاد طرق للتواصل مع العالم الخارجي: “الإنترنت هو الهواء ويعتبر بنفس أهمية الطعام. انتقلت من بلدتي إلى العاصمة لأستطيع الوصول للإنترنت،” يقول غمدان، صحفي يمني طلب من أصوات عالمية استخدام اسمه الأول فقط.
نساء هذه المنطقة يتأثرن بشكلٍ غير متكافئ بهذه الفجوة الرقمية. عدد النساء اللواتي يملكن إمكانية الوصول للإنترنت أقل من الرجال، الأمر الذي يعكس فجوة عدم المساواة الجندرية، وتقع اليمن وسوريا وليبيا في قاع الترتيب من بين جميع البلدان.
يساهم مزيج عوامل الأعراف الاجتماعية المتحفظة، ومحدودية الوصول للتعليم والموارد المالية، بالاضافة إلى عدائية البيئة ضد النساء على الإنترنت في الحد من قدرة النساء على التواصل، والوصول للمعلومات عبر الإنترنت، كما تنتقص من حق مشاركتهن بالمناقشات المطروحة عبر الإنترنت.
الإنترنت: تكلفة عالية، سرعة بطيئة ولا يُعتمد عليه
يضطر المستخدمون في ليبيا، وسوريا، واليمن، الدول الممزقة بسبب الصراعات والفوضى الاقتصادية لمواجهة بطء سرعة الإنترنت والتكاليف التعجيزية مقابل الخدمة.
تمتلك اليمن أبطأ سرعة للإنترنت عالميًا، بمعدل سرعة يصل فقط إلى 0.38 ميجابايتس في الثانية في عام 2019، قد تصل مدة تحميل فيلم حجمه 5-جيجا بايت إلى أكثر من 30 ساعة. في يناير/كانون الثاني سنة 2020، أدى التلف الذي وقع في خط الإنترنت البحري إلى انقطاع الإنترنت في اليمن لأكثر من شهر.
أدت جائحة كوفيد-19 إلى عمليات إغلاق للمدارس بشكل ضخم، مما أثر على 90% من الطلاب في العالم، والذي أدى بدوره إلى شيوع ثقافة التعلم عن بُعد وعبر الإنترنت، ولكن لا يمكن تطبيق هذه الطرق بدون امتلاك مصدر للإنترنت بسرعات عالية يمكن الاعتماد عليها.
الأمر الذي يحرم الناس من التواصل، ويمنع الصحفيين من نشر الأحداث والوصول لعدد كبير من المتابعين. السرعات البطيئة تجعل من الصعب تصفُح الإنترنت، وتحميل أو رفع الوسائط والتواصل مع مصادر المعلومات، كما تحرم أيضًا امكانية الوصول إلى المصادر القيمة الضرورية لكتابة التقارير، والقصص الإخبارية، والأحداث اليومية.
بدون إنترنت يُعتمد عليه،غالبا ما تتعرض المحادثات عبر الإنترنت أو المكالمات الهاتفية عبر تطبيق واتساب أو فيسبوك للتشويش والانقطاع.
الحجب ونقص المحتوى العربي
الحرب غالبًا ما تتضمن محاربة المعلومات مع محاولة العديد من الأطراف المتنازعة للتحكم بشعوبها، فهم يحجبون الإنترنت على المواطنين ويُخضعونهم للمراقبة الشديدة.
على سبيل المثال، السلطات بمدينة صنعاء اليمنية ودمشق السورية يحجبون عددًا كبيرًا من المواقع، من ضمنها: المواقع الإخبارية القومية والأجنبية. تحُد هذه القيود من امكانية الوصول للمعلومات الضرورية الخاصة بالجائحة.
لتخطي هذا الحجب، يتجه المستخدمون المُلمّون بالمعرفة التقنية إلى الشبكات الافتراضية الخاصة (VPNs) للوصول إلى المحتوى المحظور، بالرغم من تردد الكثيرين من استخدام هذه الشبكات، “حيث تضيف المزيد من الحمل على عرض النطاق الترددي (bandwidth) المقيد مسبقًا، مما يجعل سرعة التحميل أكثر بطًأ” حسب كودا ستوري.
على الرغم من أن الناطقين بالعربية يمثلون حوالي 4.5% من سكان العالم، إلا أن المحتوى العربي يمثل أقل من 1% من جملة المحتوى العالمي على الإنترنت.
التزايد السريع في أعداد مستخدمي الإنترنت الناطقين بالعربية لم يُترجم بعد إلى مزيد من المحتوى العربي – تظل اللغة العربية واحدة من أكثر اللغات المُمَثّلة بشكلٍ ضعيف على الإنترنت. حوالي 70% من المواقع على الإنترنت هي باللغة الإنجليزية، معظم مصادر المعلومات عن الجائحة على الإنترنت متاحة بالإنجليزية الأصلية أو باللغات الأم، مما يجعل الوصول للمعلومات الضرورية عن الصحة العامة أكثر صعوبةً بالنسبة لاولئك الأُمّيين أو غير المتمكنين من اللغة الإنجليزية.
تعتبر امكانية الوصول للإنترنت عاملًا جوهريًا لتمكين حقوق الانسان، فالحكومات في كل أنحاء العالم عزمت على توفير مصادر عالمية للإنترنت وفي متناول اليد قبل انتهاء 2020، ولكن قطاعات كبيرة من سكان ظلت مهملة.
جائحة كوفيد-19 كشفت الغطاء عن الفجوة الكامنة بين أولئك الذين يملكون مصدرًا للإنترنت يمكن الاعتماد عليه وأولئك الذي يعتبر الإنترنت بالنسبة لهم أمرًا بعيد المنال. الصراع القائم في الشرق الأوسط يزيد فقط من عمق هذه الفجوات.