عندما يجد البشر أنفسهم أمام معلومات أولية مثل أن “بوسطن تقع في ماساتشوستس”، على سبيل المثال؛ فجُل ما يحدث أن تنحصر ردود أفعالهم ببساطة فيما إن كانت تلك المعلومات “حقيقية” أم “كاذبة”. علينا الاعتراف بأن هذا الإطار المزدوج على قدر ما هو بسيط وبديهي إلا أن العالم أعقد من ذلك بكثير، والبشر يحتاجون إلى أطر تكون أكثر دقةً وحسمًا للوقوف بقدم ثابتة على الحقيقة.
في الوقت الذي قررت فيه شركات التكنولوجيا وأيضًا الباحثون المضي قدمًا في عملية بناء وتشكيل أطر لتصنيف المعلومات، أثبتت أنها غالبًا ما تكون عرضة للتحيز. وإلى الآن، مازالت تلك الشركات تحجب قراراتها عن عموم المواطنين الذين يستهلكون تلك المعلومات في النهاية بشكل يومي وبالتالي تشكل مجرى حياتهم.
في أفريقيا، حيث تنتشر حملات التضليل والتشويه على شبكات الإنترنت مرارًا، خاصةً في غمار الفترات المشحونة سياسيًا، تتحول شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الاجتماعية الأمريكية المنشأ والمقر إلى حكمًا على “الحقيقة،” ويستخدم ملايين الأفارقة تلك المحركات للبحث والمنصات مثل: جوجل، وتويتر، وأيضًا فيسبوك، التي تنتقي ما تمرره من معلومات عبر عدساتها المنحازة.
ولكي تزداد الأمور تفاقمًا، فإن هذه المنصات التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تعمل كبوابة رئيسية للأخبار وأيضًا للآراء، تتبنى أغلب الأحيان أطر غير اعتيادية تقوم على أساسها فرز المعلومات.
على سبيل المثال، طورت شركة جوجل، العملاقة في صناعة البحث، خاصية للتحقق من الادعاءات الفيروسية عن طريق فرز الأنباء باستخدام مقياس تدرَّج من: كاذبة، أغلبها كاذبة، نصفها صحيح، أغلبها صحيح، وأخيرًا صحيحة، و تستخدم فيسبوك تصنيف مماثل غير أنها تصب تركيزها في المقابل على تقييم التقارير المقدمة إليهم من حيث: كاذبة، كاذبة جزئيًا أو تقديرات للخطأ. في غضون ذلك، أعلنت تويتر مؤخرًا عن إطار عملها الذي يتضمن ثلاثة تصنيفات: معلومات مضللة، والمطالبات المتنازع عليها، وأيضًا المطالبات التي لم يتحقق صحتها.
علينا أن نضع في عين الاعتبار أن منظمات التحقق من الأخبار تختلف اختلافًا جذريًا في تصنيفها.
على سبيل المثال اخترعت بوليتي فاكت مقياس للحقيقة يسمى تروث-أوه- ميتر، وفي حين أنها تسير وفقًا للنموذج المعياري حيث: ” صحيحة، أغلبها صحيح، أغلبها كذب، وأخيرًا كاذبة”، فهي تستخدم أيضًا تصنيف يُدعى “بانتس أون فاير” من أجل التصريحات ” غير الدقيقة والتي تقدم مزاعم سخيفة.” يستخدم سنوبس طريقة مختلفة جدًا لها أربعة عشر تصنيفًا.
في المقابل، تستخدم أفريقيا تشك ثمانية تصنيفات، حيث يقيَّمون الوقائع أمامهم ليسترشدوا بها في صنع قراراتهم، ويتركون عبء الإثبات على عاتق المتحدث، منصرفين إلى الأثر الذي يمكن أن تتركه تلك الوقائع، ومستخدمين أفضل الأدلة المتاحة آنذاك مع الالتزام بتحديث المعلومات، وتوضيح الأخطاء حينما ” تظهر أدلة إما أن تكون حديثة أو أفضل من سابقاتها.”
في الوقت نفسه، لا تستخدم منظمة الحقيقة الكاملة، منظمة لتقصي الحقائق في المملكة المتحدة، أي تصنيف على الإطلاق – الأمر الذي يترك للقارئ كامل القدرة على الحُكم.
بيد أن المنصات التقنية حينما تطلق برامج شراكة مع منظمات تقصي الحقائق عادةً ما تطالب شركائها بالالتزام بإطار التصنيف الخاص بهم. على سبيل المثال، تنتظر شركة فيسبوك أن تعمل منظمات تقصي الحقائق التابعة لها على تقييم المحتوى المُستعرض وفقًا لإطار العمل المنشور على فيسبوك. سيؤدي هذا حتمًا بمرور الوقت إلى رؤية العالم من وجهة نظر أحادية المنظور ؛ مما يخلق من فيسبوك حكمًا مطلقًا على الحقيقة.
تصدر العديد من التصنيفات الأخرى من دون أي إطلاع بالمبررات وما يمكن أن يكون لها من منطق، وإلى الآن يُطلب إلى المستخدمين في كل يوم تبنيها بل والالتزام بها. متى تغير تلك المنصات تصنيفاتها، استنادًا واعتمادًا على آراء القلة من خبرائها ومهندسيها، يكون على المجتمع وفقًا لذلك، أن يتكيف بل ويحدّث من نظرته إلى العالم مرة أخرى.
حاول الباحثون العثور على حلول لمشاكل تصنيف المعلومات المعقدة؛ فابتكرت كلير واردل، باحثة لها باعها في هذا المجال، تصنيفًا من سبعة أنماط: ساخر أو محاكاة ساخرة، محتوى مضلل، محتوى مزيف، محتوى ملفق، ربط زائف، سياق زائف، وأخيرًا محتوى مُتلاعب به.
كما تبنى بيل أدار، الأستاذ في مختبر ديوك ريبورتس، نهجًا فريدًا في تصنيف المعلومات بواسطة تصنيف ميدياريفيو الخاص به، الذي يقتضي الانخراط في التداول الديمقراطي لتصنيف المعلومات من خلال استطلاع الرأي العام.
غير أن التصنيف يتجاوز كونه مجرد مشكلة تقنية، فإن له عميق وعظيم الأثر على تفكير المواطنين وتفسيراتهم للعالم من حولهم. قد أظهر خبراء علوم الإدراك الأهمية الكامنة خلف التصنيف مع الذين يزعمون أن ” التمييز هو عين التصنيف.”
يحذِّر البعض من خطر عملية التصنيف تلك؛ فكتب ديريك كابرا، الأستاذ في جامعة كورنيل، مقالًا بعنوان “الجوانب المظلمة للتفكير التصنيفي.” كما صاغ بارت دي لانغ و فيليب فرنباخ مقالًا طرحته مجلة هارفرد بيزنس ريفيو بعنوان ” خطر التفكير التصنيفي الأبعاد.”
يمثل تصنيف المعلومات السلطة الفعلية – لكنها تحت الستار. يستطيع أولئك الذين يملكون السلطة لتصنيف المعلومات، من دون إدراك، فرض قناعاتهم وتصوراتهم الخاصة على المواطنين.
وإجمالًا نقول أن تصنيف المعلومات يُعد ضرورة دامغة لا غنى عنها، ولكن يتعين على المواطنين أن يتوخوا الحذر فيما يتعلق بمن يملك السلطة اللازمة للقيام بذلك؛ ولهذا لابد لعملية التصنيف أن تتسم بالشفافية، بل وأن تخضع للترشيد المستمر والتحقيق العلني من جانب المجتمع.