بينما تتزايد أعداد الدول المُعلنة مقاطعتها لأولمبياد بكين الشتوية، بعدم إرسال دبلوماسيين كما جرت العادة، إلا أن أذربيجان أحجمت عن المقاطعة. لم يتضح – حتى وقت كتابة هذه الكلمات – ما إذا كانت أذربيجان ستُرسل أي ممثلين رسميين أم لا، إلا أن قادة الدولة ولجنتها الأولمبية الوطنية التزموا الصمت عند مناقشة سجل الدولة المُضيفة المُروع في مجال حقوق الإنسان.
استضافت أذربيجان مجموعة من الأحداث الرياضية على مدار السبع سنوات الماضية لتنضم إلى قائمة الدول المُتهمة – الصين والإمارات العربية المتحدة وقطر وروسيا والمملكة العربية السعودية – بالتستر على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تحدث في البلاد عبر تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى… سيُمثل فلاديمير ليتفينتسيف، وإيكاترينا ريابوفا أذربيجان في بكين الجمعة القادمة ضمن منافسات التزلج الفني على الجليد.
صرّحت جو مين – بدرجة سفير مفوض فوق العادة لجمهورية الصين الشعبية في أذربيجان – مؤخرًا لمنصة Report الإخبارية المحلية:
“A diplomatic boycott is not right at all. This is, first of all, an Olympic solemnity. We need solidarity to show the Olympic spirit, especially against the backdrop of the pandemic. In this regard, we are very grateful to the Azerbaijani government for its assistance and support. We wish the Azerbaijani delegation and athletes great success in advance of Beijing 2022.”
المقاطعة الدبلوماسية تصرفًا لا يمت للصحة بصلة. هذا احتفال أولمبي أولًا وقبل كل شيء. نحتاج إلى التضافر لإظهار الروح الأولمبية ولا سيما إثر جائحة كورونا. بناء عليه، نحن ممتنون للغاية لحكومة أذربيجان على مساعدتها ودعمها. نتمنى لوفد أذربيجان وللرياضيين كل التوفيق قبل انطلاق أولمبياد بكين 2022.
انتقدت عِدة حكومات ومنظمات دولية الصين أثناء الاستعداد لأولمبياد بكين لاستغلال الرياضة لصرف الانتباه عن الفضائح والاتهامات بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان – ما يُسمى “التبييض الرياضي (sportswashing)”. مصطلح ليس بالغريب عن أذربيجان، فلقد صيغ أثناء استعدادات الدولة لاستضافة نسخة الألعاب الأوروبية الأولى عام 2015 – حدث رياضي شبيه بالأولمبياد تُنظمه اللجان الأولمبية الأوروبية.
نشر سيزار خيمينيز مارتينيز ومايكل سكي في موقع The Conversation عام 2018:
“Such sporting mega-events operate as a means to launder a national government’s global image and reputation — even to the extent that adversarial countries will be prepared to engage with them. The effect is similar to greenwashing, whereby organizations use PR and marketing to claim their environmentally-friendly credentials in order to boost their reputations,”.
تُعد مثل هذه الأحداث الرياضية الكبرى وسيلة لتحسين صورة الحكومة وسمعتها العالمية، لدرجة استعداد الدول المعادية للمشاركة. التأثير مشابه لنشر ادعاءات زائفة لحماية البيئة أو ما يُسمى “التمويه الأخضر greenwashing” حيث تستعين الشركات بالتسويق والعلاقات العامة للمطالبة بشهادات تُثبت بأن الشركة ومنتجاتها غير ضارة بالبيئة لتحسين سمعتها.
حدثت المقاطعة من قبل مع أذربيجان مثلما تحدث الآن مع بكين، حيث تجنب معظم القادة الأوروبيين السفر إلى أذربيجان لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأوروبية 2015 “على الرغم من حضور معظم الحكام المحليين المستبدين من بينهم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو، والرئيس التركي رَجَب طيّب أردُوغان.” وفقًا لما ذكره جوشوا كيتنج في مجلة “سلايت Slate” الأمريكية آنذاك.
لا تقتصر الأحداث الرياضية المقامة في أذربيجان على دورة الألعاب الأوروبية، بل شملت استضافة دورة ألعاب التضامن الإسلامي، وسباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 (Formula 1)، ونهائي الدوري الأوروبي 2019، وبطولة أمم أوروبا 2020.
أوجه التشابه عِدة بين الصين وأذربيجان، منها التبييض الرياضي والعلاقات الدبلوماسية والاتفاقيات الدائمة بين اللجان الأولمبية لكلتا الدولتين حول التكنولوجيا والرياضة، إلا أن أهم ما يتشاركه البلدان هو مدى التحكم بالبيانات. حيث ذكرت مديرة أبحاث منظمة “فريدم هاوس Freedom House” في الصين وهونج كونج وتايوان – سارة كوك – مؤخرًا لمجلة The Diplomat الإخبارية:
As Beijing prepares to open the 2022 Winter Olympics on February 4, the Chinese Communist Party (CCP) leadership will be dialing up the world’s most sophisticated apparatus of information control, using censorship, surveillance, and legal reprisals to curb political, religious, and other speech that deviates from the party line.
سيستعين قادة الحزب الشيوعي الصيني (CCP) بأجهزة التحكم في المعلومات الأكثر تطورًا في العالم – مع استعداد بكين لافتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022 في الرابع من فبراير/شباط – باستخدام الرقابة والمراقبة واتباع إجراءات الانتقام في ظل القانون لقمع الأحاديث السياسية والدينية وغيرها من الخطابات التي تُعارض سياسة الحزب واتجاهه.
بالعودة إلى 2015، حين كانت أذربيجان على استعداد لاستقبال 6 آلاف رياضي للمشاركة في الألعاب الأوروبية، نجد أن الدولة امتلكت بالفعل معدات مراقبة متطورة لفحص الحزم العميقة DPI – أو ما يُسمى استخلاص المعلومات وتفتيش الحزمة الكامل – ما سمح لجهاز الأمن الوطني بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الاتصالات مثل فيسبوك وفايبر وواتساب، إلا أن سبب اهتمام وزارة الأمن القومي الأذربيجانية بمراقبة هذه المنصات لم يتضح بعد.
حظر المسؤولون في مدينة باكو – خلال دورة ألعاب التضامن الإسلامي عام 2017 – تطبيقات فايبر وواتساب وسكايب طوال فترة البطولة، وأنكروا مسؤوليتهم في البداية ليعترفوا بها بمجرد انتهاء المنافسات. صرحت وزارة النقل والاتصالات والتقنيات العالية آنذاك بأن هناك أسباب أمنية وراء حظر هذه التطبيقات، إلا أنهم لم يُقدموا أي تفسيرات حول كيفية تنفيذ ذلك. يُشير البحث – المتوفر لوقتنا هذا – إلى أن مثل هذا التضييق لم يكن ممكنًا لولا ترسانة تكنولوجيا المراقبة التي كدستها الحكومة على مر السنين.
بجانب المراقبة، غالبًا ما تكون الأحداث الرياضية في دول مثل الصين وأذربيجان أداة لصرف الانتباه عمّا يحدث من انتهاكات للحقوق والقيود المفروضة على الحريات.
صرّح دينيس كريفوشيف في حوار مع صحيفة الغارديان عام 2015:
Far from advancing the goals of press freedom and human dignity enshrined in the Olympic charter, the legacy of these games will be to further encourage repressive authorities around the world to view major international sporting events as a ticket to international prestige and respectability.
حث السلطات القمعية بكافة أرجاء العالم على النظر إلى الأحداث الرياضية الدولية الكبرى باعتبارها تذكرة لتحسين سمعتها الدولية ونيل الاحترام بين أقرانها سيكون إرث هذه الألعاب بدلًا من النهوض بالأهداف المنصوص عليها في الميثاق الأولمبي من حرية الصحافة والارتقاء بالكرامة الإنسانية.
مُنع ممثلو منظمة العفو الدولية من السفر إلى أذربيجان قبل انطلاق الألعاب الأوروبية، حيث كانوا يعتزمون نشر تقرير جديد يُبرز حالة الحرية في البلاد. بعد أربعة أعوام – ومع استعداد أذربيجان لاستضافة نهائي الدوري الأوروبي 2019 بين أرسنال وتشيلسي – صرّحت مديرة منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة – كيت ألين – لصحيفة الغارديان:
All too often, governments are using high-profile sporting competitions to distract attention from repressive policies and human rights violations, to instead project an image of openness. This couldn’t be further from the truth with the current administration, and the Arsenal-Chelsea clash is just the latest reminder of this.
تستغل الحكومات أبرز الأحداث الرياضية – مثلما يحدث دائمًا – لصرف الانتباه عن السياسات القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان ولإعطاء صورة التحرّر عوضًا عن ذلك. هذا ليس بتُرهات خاصة مع الحكومة الحالية، واستضافة نهائي الدوري الأوروبي 2019 بين أرسنال وتشيلسي آخر تذكير لنا.
لم يحدث تغيير يُذكر في السنوات الأخيرة حين يتعلق الأمر باستغلال القادة القمعيين للأحداث الرياضية. وفقًا لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان (HRW) فإن أولمبياد بكين الشتوية تُقام “وسط حالة من جرائم الحكومة الصينية ضد الإنسانية باستهداف أقلية الأويغور، والقمع في التبت وهونج كونغ، والخطر غير المسبوق الذي يُهدد الرياضيين في العصر الأولمبي الحديث.” وأضافت منظمة مراقبة حقوق الإنسان (HRW):
Designed to “sportswash” the Chinese government’s abysmal human rights record, these Winter Games are a centerpiece of President Xi Jinping’s effort to burnish China’s image on the world stage.
نُظمت أولمبياد بكين الشتوية بهدف “تبييض” سجل الصين المروع في مجال حقوق الإنسان “بالرياضة”، فهي محور جهود الرئيس (شي جين بينغ) لتلميع صورة الصين على الساحة العالمية.
حذرت لجنة بكين المُنظمة للألعاب الأولمبية الرياضيين من إبداء رأيهم، إلا أن هذه أقل المشاكل التي يُوجها بعض اللاعبين من بينهم فلاديمير ليتفينتسيف حامل علم أذربيجان في افتتاح أولمبياد بكين الشتوية 2022، حيث صرّح للأصوات العالمية:
I am concerned about the training time allocated during the stay. Not sure if its because of pandemic restrictions, but we only have 35 minutes per day for a training. This is very little. It's less than half of a normal training time, and I normally have two of those.
أشعر بالقلق حيال الوقت المُخصص للتدريب أثناء إقامتنا.. لم نُمنح سوى 35 دقيقة يوميًا للتمرن.. لا أعلم السبب، هل الأمر يتعلق بإجراءات وباء كورونا؟! هذا ليس بالوقت الكافِ فلم يصل لنصف الوقت المعتاد للتمرن، عادة حصتين تدريبيتين.
في أثناء ذلك، نصح روبرت كوهلر – المدير العام لأشهر المنظمات الرياضية العالمية للدفاع عن الرياضيين (الرياضيين العالميين Global Athlete): “المنافسة هي كل ما نطلبه.. والتحدث عند العودة لأوطانهم”. يوافق فلاديمير ليتفينتسيف على ذلك حيث أجاب في أحد المقابلات: “اسألني مُجددًا بعد عودتي.. لا تعليق حاليًا”.