النسيج التاريخي المعقد للإعلام والموسيقى في السودان

لقطة شاشة مأخوذة من راديو أم درمان السودان – Yaesu FTDX10. الاستخدام العادل.

تم نشر هذه المقالة للمرة الأولى على موقع Music in Africa في 6 يوليو/تموز 2023 بقلم موسى أبيكا، وقد أعيد نشر نسخة منقحة عنها هنا بموجب رخصة المشاع الإبداعي – نسبُ المصنف CC BY-NC غير التجارية.

يتمتع السودان بمشهد إعلامي نشط ومرن يتأثر بشكل كبير بالسياق السياسي في البلاد. منذ استقلال السودان في عام 1956، لم يكن للبلاد سوى رئيسين منتخبين ديمقراطيًا أطاح بهما الجيش بسرعة. ومن المعروف أن الحكومات العسكرية المتعاقبة تمارس سيطرة صارمة على وسائل الإعلام، وغالبًا ما تقمع الأصوات البديلة بينما تبتدع روايات مهيمنة.

عُززت السيطرة السياسية على وسائل الإعلام من خلال التشريعات، ما جعل قوانين الإعلام الحالية ضعيفة وغير فعالة لحد كبير في الدفاع عن حرية الصحافة. مع هذه التحديات، لعبت وسائل الإعلام دورًا رئيسيًا في دعم الفنون، وساهمت بشكل كبير، قبل الاستقلال، في تطور الموسيقى السودانية.

تأثير الإذاعة السودانية في الماضي والحاضر

تعتبر الإذاعة الوسيلة الإعلامية الأكثر تأثيرًا في البلاد في التاريخ السوداني. تم إطلاق إذاعة جمهورية السودان، المعروفة براديو أم درمان، في مايو/أيار 1940 من قبل الإدارة الاستعمارية البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية لبث معلومات عن الصراع، وشكلت الإذاعة قوة رئيسية في نمو الموسيقى السودانية الأولى ونشرها. تبث الإذاعة الأخبار والموسيقى والبرامج الثقافية يوميًا، بعد أن كانت في البداية تبث الموسيقى بالدرجة الكبرى، وذلك بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تبث برنامجًا موسيقيًا أسبوعيًا مخصصًا للموسيقى الشعبية والإقليمية.

كما شكلت فرقة موسيقية حية في الاستوديو، هي أوركسترا راديو أم درمان، تضمنت عازفي الكمان، والتشيلو، والفلوت، والعود والغيتار، وأنتجت موسيقى هجينة تحمل تأثيرات أوروبية ومصرية وسودانية. ونتيجة لذلك، انطلقت من إذاعة أم درمان المسيرة المهنية للعديد من الموسيقيين السودانيين في ستينيات القرن العشرين، حيث كانت المحطة تقيم جلسات تسجيل منتظمة لفنانين موهوبين بدعم من الفرقة الموسيقية.

لم يكن الظهور على الإذاعة دون منافسة، فقد كان قسم البرمجة الموسيقية في المحطة يُخضع الفنانين لعملية اختبار من أربعة مستويات لتقييم المواهب الصوتية وموهبة التوزيع والتأليف الغنائي من بين معايير أخرى.

من بين الفنانين المشهورين من ذاك “العصر الذهبي للموسيقى السودانية” الطيب عبد الله، المعروف أيضًا “إلفيس بريسلي السوداني”، مع أكثر من 40 أغنية مسجلة في استوديوهات راديو أم درمان، ومنها أغنية “يا فتاتي” الشهيرة، من تأليف الشاعر طيب محمد سعيد العباسي.

من بين الأسماء الأخرى سيد خليفة، المشهور بالأغاني الوطنية مثل “المامبو السوداني“، ومحمد أحمد عوض، “ملك الشعبي السوداني”، الذي ظهر بشكل بارز في برامج الموسيقى الشعبية الأسبوعية التي كانت تبث على الإذاعة.

غير أن الفرقة الموسيقية لراديو أم درمان توقفت عن العمل في عام 1995، بسبب القمع السياسي والأنظمة الإسلامية المتشددة التي أدخلت أحكام الشريعة الإسلامية إلى البلاد.

اليوم، يضم السودان عدة محطات إذاعية تتناوب على أثيرها البرامج الموسيقية والترفيهية بدرجة عالية. وتشمل المحطات التي تبث هذه البرامج مانجو 96 إف إم، وكابيتال 91.6 أف أم، وراديو الرابعة 94 إف إم، وفيجن إف إم، و106.6 برو إف إم. أما المحطات الإذاعية التي تركز على الأخبار والسياسة فتشمل راديو دبنقا، ومرايا إف إم، وراديو سوا السودان، وراديو هلا 96، وراديو تمازج.

يعد راديو كابيتال 91.6 إف إم، المؤسس من قبل منسق الموسيقى الشهير طه الروبي، مثالًا بارزًا في هذا السياق. تبث هذه المحطة مجموعة متنوعة من البرامج الموسيقية في برامجها اليومية، وتستضيف المشاهير المحليين كمقدمي برامج وتستخدم اللغة الإنجليزية في الغالب. كما تتميز المحطة بعروض موسيقية أسبوعية تُبث من الأحد إلى الخميس، وتتخللها “أغانٍ فرحة” معاصرة من حول العالم. كما تناقش البرامج أخبار المشاهير، والموسيقى العالمية، من بين مواضيع أخرى. تشتهر المحطة أيضًا بعرض المواهب الناشئة والفنانين غير المعروفين على الهواء.

المشهد التلفزيوني في السودان

تخضع محطات التلفزيون المملوكة للدولة السودانية، مثل تلفزيون السودان، لرقابة صارمة من قبل الحكومة. يضم تلفزيون السودان قناتين ويتبع الهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني، ويعتبر المصدر الرئيس للرسائل الحكومية. تشمل برامجه الأخبار والصلوات، وتلاوة القرآن، ومجموعة متنوعة من البرامج الترفيهية، مثل برامج الأطفال، ومسابقات المواهب، والدراما، والأفلام الوثائقية. يعمل مراقب عسكري مع تلفزيون السودان لضمان سياسات الحكومة في البرامج.

مع ذلك، ثمة بعض المحطات التلفزيونية الأخرى التي تستخدم القمر الصناعي نايل سات، وهي خدمة تناظرية مجانية. مؤخرًا، بدأ بعض المشاهدين، الذين يملكون أجهزة استقبال الأقمار الصناعية، بالانتقال إلى نظام الجيل الثاني من الأقمار الصناعية لبث الفيديو الرقمي (DVB-S2).

ثمة أيضًا قناة سودانية 24، وهي محطة خاصة تستضيف برامج ترفيهية ومقابلات حية مع الموسيقيين. في الوقت نفسه، تعد قناة النيل الأزرق وتلفزيون أم درمان والشروق محطات شعبية أخرى، لكن مع محتوى ميال أكثر إلى السياسة والشؤون الراهنة.

في الآونة الأخيرة، أصبحت قنوات مثل سودان بكرة، بالنسبة للعديد من الأسر، مصدرًا أساسيًا للبرامج عالية الجودة التي تبث على مدار الساعة، وتعتبر غير متحيزة، وغير خاضعة للرقابة. في ظل عمليات حجب الإنترنت والشبكات الخلوية منذ نزاع أبريل/نيسان 2023 في السودان، تحول الناس لهذه القناة للحصول على معلومات غير منحازة. علاوة على الأخبار، تبث المحطة أعمالًا للمبدعين والفنانين السودانيين الشباب، فيما تشمل برامجها الثقافية موسيقى من أجزاء مختلفة من السودان. كما تشتهر القناة بتعزيز القيم المشتركة والمبادئ الديمقراطية.

عصر الإنترنت في السودان

حسب موقع DatalReportal، بلغ عدد سكان السودان حوالي 45 مليون نسمة في يناير/كانون الثاني 2022. يبلغ معدل انتشار الإنترنت في البلاد 30.9 في المئة، أي حوالي 14 مليون مستخدم للإنترنت.

تحظى وسائل الإعلام عبر الإنترنت بشعبية كبيرة في السودان، باعتبارها وسيلة بديلة لوسائل الإعلام التقليدية المقيدة. يتوفر عدد من الصحف على الإنترنت مثل سودان تريبيون، وسودانيز أونلاين، لكنها تبث محتوى موسيقيًا وترفيهيًا محدودًا.

أصبحت أنداريا، مجلة رقمية على الإنترنت، منصة ثقافية تعمل على نشر القصص من القرن الأفريقي. عملت على تنظيم الجولات والمهرجانات الصغيرة والفعاليات الثقافية في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى. أنداريا منصة رقمية ثنائية اللغة، تعمل من السودان وجنوب السودان وأوغندا، تسعى جاهدة لتكون منصة رقمية رائدة ومبتكرة ومتعددة الوسائط للقضايا المعاصرة والتعليم الترفيهي مع إنشاء القصص الثقافية وتنسيقها.

إضافة لذلك، يمتلك العديد من الفنانين مواقعهم الإلكترونية الشخصية، وينشرون الموسيقى على مزودي الخدمات الرقمية مثل ريفيرب نايشن (ReverbNation)، وأوديوماك. كما يعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات البث مثل X (المعروفة سابقًا بتويتر) ويوتيوب وفيسبوك خيارًا شائعًا للفنانين الذين اختاروا تجاوز القنوات الإعلامية التقليدية في السودان.

نضال الإعلام المطبوع في السودان

تخضع وسائل الإعلام المطبوعة في السودان لقيود كبيرة بشكل عام، وفي حالات عديدة، صادرت الحكومة معدات وسائل الإعلام وأغلقتها. لا تولي الصحف السودانية اهتمامًا كبيرًا بالمحتوى الموسيقي والترفيهي. على سبيل المثال، الانتباهة، وسودان فيجن صحف موالية للحكومة، ما يعني أنها نادرًا ما تتعرض للاستهداف، وتتلقى أكبر قدر من عائدات الإعلانات.

في المقابل، استهدف جهاز الأمن والمخابرات الوطني الصحيفتين التابعتين للحزب الشيوعي السوداني، الميدان والأيام، وصادر أعدادهما بانتظام.

شهد السودان على مدى عقود استهداف وسائل الإعلام على أساس المصالح السياسية، وتأثر بعمق بالديناميكيات السياسية والرقابة طوال تاريخه. فقد كانت سيطرة الحكومة مهيمنة في البلاد، منذ اضطلاع المحطات الإذاعية بدور تاريخي في الترويج للموسيقى السودانية، وصولًا إلى سيطرة الدولة على التلفزيون وظهور المنصات الإلكترونية والتحديات التي تواجهها وسائل الإعلام المطبوعة. مع ذلك، بدأت تتجلى علامات التقدم مع ظهور محطات إذاعية خاصة، مثل كابيتال 91.6 إف إم، ومنصات مثل أنداريا، لتوفر أصواتًا بديلة.

للاطلاع على عينة من الموسيقى السودانية على مر العصور، انظر قائمة التشغيل أدناه؛ وراجع حساب الأصوات العالمية على Spotify لسماع أعمال موسيقية أخرى مختارة من جميع أنحاء العالم.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.