تنزانيا: دراسة قضايا تغير المناخ وشح المياه، واستكشاف حلول عملية

اعتماد التنزانيات على مياه الآبار. الصورة من كالفن كولايا عبر ويكيميديا كومنز (نَسب المُصنَّف – الترخيص بالمثل 4.0 دولي).

بقلم سيلفستر ماتياس

تواجه تنزانيا، شرق أفريقيا، تحديًا كبيرًا أمام شح المياه. ترتبط هذه القضية ارتباطًا وثيقًا بالتغير المناخي، الذي يغير أنماط الطقس ويُفاقم محدودية توافر الموارد المائية.

ترتب عن تغير المناخ مجموعة من التداعيات، أبرزها تأثيره على الموارد المائية. أدى تغير أنماط الطقس وهطول الأمطار غير المتوقع في تنزانيا لتفاقم شح المياه. باتت الموارد التقليدية للماء، كالأنهار، والبحيرات، والمياه الجوفية، أقل مستوى بسبب تغييرات أنماط هطول الأمطار. أدت فترات الجفاف الطويلة، وهطول الأمطار غير المنتظمة لانخفاض مستويات المياه، مما أثر على المجتمعات الريفية والحضرية على حد سواء.

في هذا المقال، سنتعمق في القضية الملحة المتعلقة بشح المياه في تنزانيا، ونكتشف تأثيرها على البلاد، وندرس مختلف التحديات الناجمة عنها.

إضافة لذلك، سنلقي الضوء على الحلول والمبادرات الواعدة التي تنفَّذ لمعالجة هذه المسألة.

التحديات والمخاطر التي يفرضها شح المياه

يفرض شح المياه تحديات ومخاطر عديدة على المجتمع التنزاني.

تواجه نياكاهورا في منطقة كاجيرا، قرية يبلغ عدد سكانها نحو 52 ألف نسمة، الآثار الضارة لشح المياه. تعتبر تكلفة المياه في هذه المنطقة أعلى بكثير مقارنة بمتوسط الدخل التنزاني. على سبيل المثال، دلو ماء سعة 20 لتر (5 غالون) يكلف 500 شلن تنزاني (حوالي 20 دولار أمريكي).

Sikiliza Bro, mimi siwezi kukesha kisimani halafu nije nikuuzie maji lita 60 kwa sh 1000.Ni bora ningebaki nyumbani nikalala na mke wangu.We fikiria nilipeleka dumu20. lakini nimebahatika kuchota Dumu 5 tu!

اسمع يا صاح، لا يعقل أن أقضي الليل بطوله في البئر لأبيعك 60 لترًا من الماء مقابل ألف شلن. كان ينبغي لي النوم في منزلي بجانب زوجتي. لك أن تتخيل فقط! كان يتعين علي إحضار 20 مستوعب، لكني محظوظ لتمكني من سحب 5 مستوعبات!

كان التصريح أعلاه رد بائع ماء يُعرف باسم “منيوكورو”، عندما طلبت منه بيعي 60 لترًا (16 غالون) مقابل ألف شلن تنزاني (40 دولار أمريكي).

تعتمد الزراعة، المسؤولة عن نسبة كبيرة من اقتصاد البلاد، بشكل كبير على وفرة المياه. مع ندرتها، تتراجع عائدات المحاصيل، ما يؤدي لانعدام الأمن الغذائي والنكسات الاقتصادية للمزارعين. علاوة على ذلك، لشح المياه آثار ضارة على الصحة العامة، نظرًا لزيادة الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والتيفويد، بسبب محدودية الوصول للمياه النظيفة.

الآثار الاجتماعية والاقتصادية

يترتب عن محدودية الموارد المائية آثار اجتماعية واقتصادية وخيمة تتجاوز التحديات الواضحة المتعلقة بالماء. في الكثير من الحالات، تتحمل النساء والأطفال العبء الأكبر في جلب المياه من مصادر بعيدة، ويكرسون ساعات لا تحصى يوميًا لهذه المهمة الأساسية التي تستهلك الكثير من الوقت. نتيجة لذلك، تتقلص فرصهم في التعليم والتنمية الشخصية، مما يحصرهم في حلقة من الفقر. فضلًا عن ذلك، غالبًا ما يحل السعي لتوفير الدخل ثانيًا لتأمين هذه الضرورة الأساسية.

في المناطق الحضرية، يلوح شبح شح المياه في الأفق وقد يؤدي لاضطرابات اجتماعية. تنقلب المجتمعات على بعضها في صراع للحصول على الموارد المائية المحدودة المتاحة. قد تؤجج هذه المنافسة التوترات القائمة وتشكل تهديدًا للاستقرار الاجتماعي، مما يوضح أن مسألة معالجة شح المياه ليست ضرورية بيئيًا وحسب، بل تمثل تمثل جانبًا بالغ الأهمية لضمان تنمية اجتماعية واقتصادية متكافئة.

مبادرات وسياسات مكافحة شح المياه

اعترافًا منها بالضرورة الملحة لقضية شح المياه، نفذت تنزانيا مبادرات وسياسات مختلفة لمواجهة هذا التحدي. تشدد السياسة الوطنية للمياه لعام 2002 على الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وتعزيز ممارسات التنمية المستدامة لضمان الاستخدام الفعال للمياه. كما استثمرت الحكومة في مشاريع البنية التحتية، مثل السدود ومحطات معالجة المياه، لتعزيز الوصول إلى المياه النظيفة. تهدف هذه المبادرات لتحسين توافر المياه، وزيادة سعة تخزين المياه، ورفع جودة المياه في أنحاء البلاد.

كما طورت المجتمعات المحلية في تنزانيا حلولها وابتكاراتها الخاصة بها لإدارة المياه على نحو مستدام. على سبيل المثال، طُبِّقت أنظمة لجمع مياه الأمطار في المناطق الريفية والحضرية لحجز وتخزين مياه الأمطار لأغراض مختلفة. إضافة لذلك، شُكِّلت لجان مجتمعية لإدارة المياه لضمان التوزيع العادل والاستخدام المستدام لموارد المياه. تمكن هذه المبادرات الشعبية المجتمعات المحلية من تولي زمام إدارة المياه وتعزيز الممارسات المستدامة.

دور التعاون الدولي

تتطلب معالجة شح المياه في تنزانيا التعاون على مستوى عالمي. تعاونت منظمات دولية، مثل الأمم المتحدة، مع تنزانيا لتقديم الخبرة التقنية، والدعم المالي، ومبادرات بناء القدرات. تهدف هذه المشاريع لتعزيز ممارسات إدارة الموارد المائية، ودعم استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ، وتحسين الوصول للمياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي في المناطق النائية.

بالنظر للمستقبل، من الضروري أن تضع تنزانيا استراتيجيات للتكيف كي تحد من آثار تغير المناخ وتؤمِّن الموارد المائية للأجيال القادمة. الاستثمار في بنية تحتية قادرة على التكيف مع التغير المناخي، وتعزيز تقنيات الكفاءة المائية، وإدماج اعتبارات تغير المناخ في تخطيط الموارد خطواتٌ حاسمة من شأنها تحقيق ذلك. إضافة لذلك، ستؤدي توعية السكان وتثقيفهم بشأن الحفاظ على المياه والممارسات المستدامة دورًا مهمًا في معالجة هذه المسألة.

تمثل مشكلة شح المياه الملحة، التي زادت حدتها جراء تداعيات التغير المناخي، عقبة ضخمة أمام تنمية تنزانيا، واستقرارها الاقتصادي، ورفاهها العام. إلا أن هنالك بصيص أمل يظهر من خلال نهج متعدد الأوجه يجمع بين المبادرات الحكومية، والحلول الشعبية المجتمعية، والتعاون على الصعيد الدولي.

يكمن السر في تنفيذ ممارسات إدارية مستدامة للمياه، حيث يصبح التوزيع الدقيق لهذا المورد الثمين والحفاظ عليه أمر بالغ الأهمية. في الوقت ذاته، قد يؤدي تعزيز الحلول المبتكرة التي تسخر التقنية والمعرفة المحلية لتخفيف الأعباء المتعلقة بالمياه بصورة كبيرة. تبني استراتيجيات التكيف، مثل أصناف المحاصيل المقاومة للجفاف وتقنيات الري الفعالة، من شأنه أن يضمن مرونة القطاع الزراعي في تنزانيا، ما يعد حيويًا للأمن الغذائي والنمو الاقتصادي.

مع ذلك، في مواجهة كل هذه المحن، تتمتع تنزانيا بالقدرة على تأمين مواردها المائية، ما يمهد الطريق لمستقبل أكثر مرونة، وازدهارًا، واستدامة لمواطنيها. بتسخيرها لقوة التعاون، والابتكار، والتخطيط الاستراتيجي، سيتسنى للأمة خوض تحديات شح المياه والخروج منها أقوى من ذي قبل.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.