فهم البلقان بشكل خاطئ: أخطاء تغطية الأحداث من قبل الصحافة الأجنبية

تغاضت عنها الصحافة الدولية: الحزب العمالي المناهض للفاشية في صربيا. بلغراد، عيد العمال في عام 2022. تقول اللافتة “دعونا نتحد ضد الفقر والفاشية والحرب”. تصوير سارة ريستيتش (CC BY-NC 2.0)

نُشِرت هذه المقالة في الأصل بقلم ناتالي  ساركيك تود على موقع Battleground، وأعيدَ نَشرُها على موقع الأصوات العالمية كجزء من اتفاقية لمشاركة المحتوى.

تشتهر البلقان الغربية بصعوبة فهمها، نتيجة تعقيد الخريطة الإقليمية المتغيرة للبلدان، والحدود، والمجموعات العرقية، والأديان لدرجة تتطلب مزيدًا من التحضير الفهم مقارنةً بأجزاء أخرى من أوروبا.

إن معرفة السياسات والمؤسسات المحلية لا يُعتبر كافيًا، بل تحتاجُ أيضًا لمعرفة الثقافة والمجتمع.

ههنا المردود، كما تقول السفيرة التشيكية في الجبل الأسود، جانينا هربيكوفا، في بودغوريتشا في إصدار كتابها الأخير “تاريخ الجبل الأسود“، بقلم مُرافِقُها وزميلها المتخصص في البلقان، فرانتيسك سيستيك.

تشكل الدبلوماسية الناعمة ضرورة أساسية لفهم منطقة البلقان. لذلك، فأن الأمر الأكثر إثارةً للدهشة هو خطأ الدبلوماسيين في فهم الموضوع. لنأخذ على سبيل المثال حالة السفير الفرنسي في الجبل الأسود، كريستيان ثيمونييه، الذي تعرضَ لانتقادات شديدة بسبب تعليق غير مدروس أدلى به في مارس/آذار، بشأن حادثة تتعلق برئيس الجبل الأسود المنتخب ياكوف ميلاتوفيتش.

في إحدى المحطات الانتخابية الرئاسية في ستنيي في شهر مارس/آذار الماضي، التقى المتظاهرون المحليون الغاضبون بميلاتوفيتشن بسبب الشائعات، التي أنكرها المرشح، بتقليل مخاطر حياة سكان الجبل الأسود، عندما فرضت الشرطة تنصيب المطران الصربي الأرثوذكسي في ستنيي عام 2022.

واجه المتظاهرون ميلاتوفيتش وتعامل أفراد أمنه الشخصي بخشونة. تم الإبلاغ عن الحادثة على أنها “هجوم” في وسائل الأعلام.

وصف ثيمونييه ذلك بأنه عمل من أعمال “العدوان الفاشي” لصحيفة وطنية، ووجد نفسه وسط عاصفة إعلامية.

يبدو أنه نسي حقيقة كون مدينة ستنيي قلعة شهيرة لمقاومة المتظاهرين ضد الفاشية.

اضطر السفير لتوضيح تعليقه عن سكان مدينة ستنيي، والاعتراف بمناهضتهم التاريخية للفاشية.

بالانتقال إلى مقدونيا الشمالية، نأخذ الزيارة التي قام بها الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية في شهر مارس/آذار، جوزيب بوريل، إلى منتجع أوهيرد على ضفاف البحيرة.

هناك، ترأسَ بوريل اتفاقًا توسط فيه الاتحاد الأوروبي بين الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، ورئيس الوزراء ألبين كورتي من كوسوفو.

أشاد مسؤول السياسة الخارجية في المفوضية الأوروبية بهذه الخطوة التي طال انتظارها في تطبيع العلاقات بين الدولتين. رفض فوتشيتش التوقيع على الاتفاقية، تاركًا لبوريل إعلان النجاح، ولكن ليس على الورق.

بعد أيام قليلة، تراجع الرئيس الصربي عن الاتفاق، تاركًا الاتفاق حبرًا على ورق، لكن ليس قبل أن تحصل صربيا على أكبر التزام تمويلي من الاتحاد الأوروبي بقيمة 600 مليون يورو (652,400 دولار أميركي).

يبدو أن ألكسندر فوتشيتش سحب ورقة لعب فيكتور أوربان، التي نجحت جيدًا في هنغاريا، وليس بالنسبة للاتحاد الأوروبي. لا يكف المحللون عن الدهشة حول دور الاتحاد الأوروبي في البلقان.

لا يقتصر الأمر على الدبلوماسيين وكبار السياسيين الذين يمكنهم أن يخطئوا في التعامل مع البلقان. بل أن وسائل الأعلام أيضًا ترتكب أخطاء.

أنتجت حروب يوغوسلافيا في التسعينيات مجموعة من المراسلين الأجانب الذين اكتسبوا خبرة كبيرة في البلقان، إلا أن معظمهم رحلوا منذ مدة. لا تزال وكالة أسوشيتد برس، المملوكة للولايات المتحدة، وإذاعة أوروبا الحرة، أيقونة الحرب الباردة، المدعومة من الحكومة الأمريكية، تقدمان تقارير دقيقة، وإن كانت مقتصدة.

من غير المستغرب أن تتخذ قناة الجزيرة القطرية المبادرة الأكثر أهمية، حيث أنشأت علامتها التجارية الإقليمية الخاصة، قناة الجزيرة بلقان، قناة صربية كرواتية مقرها في سراييفو مع استوديوهات محلية، في بلغراد وسكوبي وزغرب.

قناة الجزيرة بلقان هي استثناء من القاعدة. لم تعد معظم وسائل الأعلام الدولية اليوم قادرة على الاحتفاظ بمراسلين في المنطقة، ولا تعتبر منطقة غرب البلقان أولوية، إذ فقدت الخبرة الإقليمية. معظم التغطية الأجنبية للمنطقة غير مكتملة، ويقدمها مراسلون صحفيون غير متفرغون، وصحفيون محليون يملكون برامجهم الخاصة.

يتم زرع “الصحفي النجم” من حين لآخر من الخارج، عندما تفرض الأحداث التغطية العالمية، أو عندما تقرر منصة إخبارية أجنبية الاستثمار في قصة كبيرة.

المشكلة هي صعوبة الحفاظ على صحافة مستقلة ومتعمقة في مثل هذه الظروف، حيث تحدث الأخطاء إما إغفالًا أو قصدًا.

كان المثال الأحدث الأكثر وضوحًا هو خريطة شبكة التقارير الاستقصائية في البلقان (BIRN)، للمنظمات اليمينية المتطرفة في غرب البلقان، المنشورة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. مما يثير الفزع، أنها ضمت متظاهرين سلميين وصحفيين ونشطاء مدنيين. اندهشت مجموعة المدافعين عن حقوق المرأة التي احتجت بصمت ضد بطريركية الكنيسة الأرثوذكسية في الجبل الأسود، عندما وجدت اسم المجموعة مدرجة في القائمة.

كيف أخطأت شبكة التقارير الاستقصائية في البلقان في فهم الأمر إلى هذا الحد؟ بعد قراءة مجموعة مختارة من المقالات حول الجبل الأسود التي نشرتها شبكة التقارير الاستقصائية في البلقان، خذلتهم جودة تقاريرهم المحلية.

أعلنت شبكة التقارير الاستقصائية في البلقان عن إجراء مراجعة مستقلة لتقريرها الاستقصائي، حيث تقوم بتعيين فريق جديد لتغطية الجبل الأسود. إن العثور على صحفيين ذوي عقلية مستقلة هو مفتاح نجاحهم.

لدي تجربتي الخاصة مع وقوع وسائل الإعلام فريسة لروايات كاذبة حول البلقان، عندما عملت في بروكسل لصالح شبكة إعلامية تابعة للاتحاد الأوروبي، التي أصبحت هدفًا لعمليات التأثير الروسية. ليس بشكل مباشر، أو واضح بالطبع. لكن عندما تم تكليف أحد الوكلاء بإعداد تقرير حول “الأزمة السياسية في الجبل الأسود”، سرعان ما أدركت المؤشرات.

في ذلك الوقت، مرت الانتخابات بسلام، على الرغم من محاولة الانقلاب وراء الكواليس، التي تبين فيما بعد أنها مرتبطة بعملاء روسيينن وتم تجنب أزمة ديمقراطية محتملة.

كان الهدف من التقرير التأثير على الرأي السياسي والعام، في محاولة أخيرة لعرقلة الانضمام إلى الناتو، وكان توقيته تمامًا مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة، وإبداء تحفظاته بشأن التحالف.

كان الرئيس الأمريكي هو الموّقع الوحيد المتبقي الذي يقف في طريق المسار الأوروبي الأطلسي للجبل الأسود. دقّت ناقوس الخطر مع الإدارة، موضحة الدوافع المحتملة والمخاطر التي تهدد السمعة لوسائل الإعلام.

لا أستطيع القول أخذهم مخاوفي على محمل الجد، لكن المحرر العام فعل ذلك، وعمل بجد لجعل التقرير أكثر توازنًا وموضوعية، مما يمكن أن يكون عليه.

بعد سنوات قليلة، تم ذكر الطرف الثالث الذي كلف في إعداد التقرير في التحقيق في الانقلاب المُحبَط، وكان يشتبه في استخدامه الأموال الروسية لدفع تكاليف حملات التأثير السياسي والإعلامي.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا عن عالم الجريمة الإجرامي الذي يحوم حول الرئيس الصربي فوتشيتش. رغم أن أغلب هذه الأحداث صادمة في وحشيتها، إلا أنها لا تشكل مفاجأة لأولئك الذين يتابعون السياسة في البلقان.

مع ذلك، ينبغي أن يكون بمثابة دعوة للاستيقاظ لإدارة بايدن، والمفوضية الأوروبية، الذين تهاونوا في التعامل مع صربيا وجعلوا بقية المنطقة رهينة لمصالحهم، كان يجب أن يعرفوا أكثر.

بفضل الصحافة الجيدة، أصبحوا يفعلون ذلك الآن.

بطبيعة الحال، هناك صحفيون مخضرمون في منطقة البلقان، مدربون على التقاليد اليوغوسلافية السابقة في وسائل الإعلام العامة. كانوا يخوضون معركة خاسرة ضد سيطرة الدولة والشركات، متمسكين بمبادئهم الصحفية، على الرغم من التهديدات التي تتعرض لها سمعتهم وشخصهم في كثير من الأحيان.

لنأخذ على سبيل المثال دراسكو دورانوفيتش, رئيس تحرير أقدم صحيفة يومية في الجبل الأسود، بوبجيدا. كان دور دورانوفيتش منتقدًا قويًا للحكومة، وتعرض لهجوم شخصي من قبل رئيس الوزراء دريتان أبازوفيتش، بينما كان رئيس الوزراء يكافح من أجل بقائه السياسي.

كما تم تهديد وسائل إعلام أخرى تنتقد رئيس الوزراء.

تعيد Battleground أحيانًا نشر تحليلات بوبجيدا السياسية ومقالات الرأي التحريرية باللغة الانجليزية. يمكن أن يكونوا منتقدين بشدة وساخرين بشكل خانق، ولكنهم لا يكونون غير محترفين أبدًا.

لحسن الحظ، هناك عدد متزايد من منظمات تقصي الحقائق، تثابر في دحض المعلومات المضللة في البلقان.

تُعد ميتا م ك، ميتامورفوسيس، وشبكة مكافحة التضليل في البلقان بعضًا من مبادرات مكافحة التضليل، والتي تتبادل معها Battleground المحتوى، بفضل شراكتنا مع شبكة الإعلام الدولية جلوبال فويسز.

من خلال توحيد الجهود، نقوم بتضخيم التحليل القائم على الحقائق لمواجهة الروايات المضللة داخل المنطقة وخارجها، ومساعدة القراء على فهم ما يحدث في جزء من أوروبا، لا يزال يثير الفضول والإرباك بنفس القدر.

لذلك عندما يتعلق الأمر بغرب البلقان، هناك بعض القواعد الذهبية:

تحقق من آرائك المنحازة، وكذلك تحيزات مصادرك؛ والحكم على زعماء المنطقة من خلال أفعالهم، وليس أقوالهم؛ إلزام الحكومات والسياسيين بالمعايير الدولية للديمقراطية والمسائلة، والأخذ في الاعتبار أن وسائل الإعلام المستقلة في البلقان مهددة بالانحلال، وأن المنطقة مليئة بالمعلومات المضللة.

من المؤكد أن تصحيح الأمور في غرب البلقان يشكل تحديًا كبيرًا، ولكنه التحدي الذي سيؤتي ثماره. نظرًا لدور المنطقة في إشعال شرارة الحرب العالمية الأولى، وعودة القومية الأوروبية بعد الحرب الباردة، فإن الأسباب واضحة للغاية.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.