تراجع آمال السلام مع التصعيد الأخير بين أرمينيا وأذربيجان

الصورة من كاتبة المقال أرزو جيبولا ييفا

على مدار ثلاثة عقود، تبادلت أرمينيا وأذربيجان الاتهامات بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين البلدين في عام 1994 بعد حرب كاراباخ الأولى. استعادت أذربيجان جميع الأراضي المحتلة سابقًا بالإضافة إلى السيطرة الكاملة على كاراباخ، المنطقة الانفصالية التي كانت في قلب النزاع بين البلدين في أعقاب حرب كاراباخ الثانية في عام 2020 والعملية العسكرية في سبتمبر/أيلول 2023.

انخرط البلدان، منذ حرب كاراباخ الثانية عام 2020، في عملية سلام حول التوصل إلى اتفاق ثنائي نهائي وتسوية الخلافات المتبقية بينهما. لكن لم يتم إحراز تقدم كبير يُذكر. مع انتهاء الحرب، إلا أن التوترات لا تزال قائمة – هذه المرة، مع اتهامات بأن الطرف الآخر يتلاعب بعملية السلام أو يتظاهر بالالتزام بها.

في هذه الأثناء، تتواصل الاشتباكات القاتلة. في 13 فبراير/شباط، قُتل أربعة جنود أرمن وأصيب آخر في أول حادث مميت منذ الهجوم العسكري في سبتمبر/أيلول 2023. اتهمت أذربيجان أرمينيا بالاستفزاز، حيث ورد أن جنديًا أذربيجانيًا أصيب بجروح في 12 فبراير/شباط، وبررت إطلاق النار في اليوم التالي بأنه انتقام من الاستفزاز وأطلقت عليه اسم “عملية الانتقام”. كان لأرمينيا رأي مختلف تمامًا بشأن التصعيد، ووصفته بأنه “ذريعة” لمهاجمة أرمينيا، حسب بيان وزارة الخارجية الأخيرة.

لعبة السلام

كانت هناك آمال كبيرة في أعقاب حرب كاراباخ الثانية لإمكانية توصل البلدين إلى السلام أخيرًا. لكن حتى مع عدد لا يحصى من الاجتماعات، التي توسط فيها أصحاب المصلحة الدوليون، بالإضافة إلى العديد من البيانات والتعبير عن حسن النية، يبدو أن انعدام الثقة والعلاقات الفاترة بين البلدين عميقة وستبقى موجودة – على الأقل في الوقت الحالي.

عُقد آخر اجتماع بين كبار المسؤولين من أرمينيا وأذربيجان في يناير/كانون الثاني 2024، عندما ناقش الجانبان ترسيم الحدود الأرمينية الأذربيجانية. يظل هذا الأخير عقبة رئيسة أمام اتفاق سلام ثنائي شامل اقترحته أذربيجان في مايو/أيار 2022. تألف هذا الاتفاق من خمسة مبادئ، بما في ذلك الاعتراف بالسلامة الإقليمية لكل طرف، وغياب المطالبات الإقليمية، والامتناع عن التهديدات، وترسيم الحدود، وفتح طرق النقل.

مسألة طرق النقل مهمة أيضًا. على وجه التحديد، الطريق عبر أرمينيا إلى جيب ناختشيفان الأذربيجاني – الواقع بين أرمينيا وتركيا وإيران. أثارت مطالب أذربيجان الإقليمية في المنطقة التي تشير إليها أرمينيا باسم سيونيك (تشير أذربيجان إلى المنطقة باسم زانجيزور) مخاوف الأرمن من أن أذربيجان تخطط لغزو منطقة سيونيك جنوب أرمينيا، حيث يمر الطريق المذكور.

قبل ثلاث سنوات فقط، في عام 2021، قال الرئيس علييف: “نحن ننفذ ممر زنكازور، سواء شاءت أرمينيا أم لا. إذا فعلوا ذلك، فسيكون من الأسهل علينا التنفيذ؛ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسننفذه. تمامًا كما “قبل وأثناء الحرب، قلت إن [أرمينيا] يجب أن تخرج من أراضينا، وإلا سنطردهم بالقوة. هكذا حدث. ينطبق الشيء نفسه على ممر زنجازور”.

وقع تبادل إطلاق النار في 13 فبراير/شباط بالقرب من قرية نيركين هاند في سيونيك.

حسب قول توم دي وال، زميل بارز في مركز كارنيغي أوروبا المتخصص في أوروبا الشرقية والقوقاز، فإن المفاوضات حول طريق النقل زانجيزور/سيونيك قد تضع أرمينيا “تحت ضغط كبير من كل من باكو وموسكو، باستخدام أساليب مختلفة، للانضمام إلى خطة لممر زانجيزور الذي لا يناسب يريفان ولا القوى الغربية”. تريد أرمينيا وجودًا دوليًا كافيًا لأسباب أمنية، ولضمان تنفيذ اتفاق السلام الثنائي النهائي بشكل عادل. هذا أمر مهم، خاصة وأن اتفاقيات السلام الدولية غالبًا ما تميل إلى الانهيار خلال خمس سنوات، وفقًا لما ذكره دي وال.

تضيف اللغة الدبلوماسية لحكومة أذربيجان المزيد من الأسئلة حول ما إذا كانت مهتمة فعلًا بإحلال السلام. ردًا على بيان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيف بوريل في 14 فبراير/شباط عقب إطلاق النار، اتهمت وزارة الخارجية الأذربيجانية أرمينيا بنشر مرتزقة بمباركة الاتحاد الأوروبي. دعا بيان بوريل الجانبين إلى “ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتهدئة الوضع”.

اتهمت منصة مؤيدة للحكومة تم إنشاؤها مؤخرًا، تدعى مجتمع أذربيجان الغربية، بعثة الاتحاد الأوروبي “خلق غطاء عسكري واستخباراتي للجانب الأرمني”.

نشر الاتحاد الأوروبي لأول مرة قدرة الاتحاد الأوروبي على المراقبة في أرمينيا (EUMCAP) في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بعد اجتماع مشترك في براغ بين رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بتيسير من رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. جاء الاجتماع وقرار نشر البعثة بعد شهر من شن أذربيجان الهجوم داخل أرمينيا. حسب تصريحات البلدين، قُتل أكثر من 200 جندي نتيجة لذلك. في 15 سبتمبر/أيلول 2022، وقع البلدان على وقف إطلاق النار بوساطة روسية.

في ديسمبر/كانون الأول 2022، طلبت أرمينيا مهمة أخرى على أمل أن يؤدي وجودها على طول الحدود الأرمينية الأذربيجانية إلى منع المزيد من التصعيد العسكري مثل الذي حدث في سبتمبر/أيلول 2022.

في فبراير/شباط 2023، نشر الاتحاد الأوروبي بعثة الاتحاد الأوروبي المدنية في أرمينيا (EUMA) بتفويض مدته عامين. في ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت عن زيادة تواجدها على الأرض من 138 إلى 209 موظفين. انتقدت كل من روسيا وأذربيجان نشر المهمة الثانية، كما شكك المسؤولون في البلدين في تصريحاتهم بغرض المهمة. في حديثه في مؤتمر صحفي في باكو، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن الغرض من المهمة مشكوك فيه “من حيث شرعيتها ووظائفها وتفويضها ومدتها”، مرددًا مزاعمه السابقة بأن مراقبي الاتحاد الأوروبي “لا يمكنهم إلا جلب مواجهات جيوسياسية للمنطقة”، واتهم الاتحاد الأوروبي بعرقلة “جهود الوساطة الروسية بأي ثمن”.

كما غيّر المسؤولون الأذربيجانيون وجهة نظرهم تجاه الدبلوماسية الغربية. بتشجيع من انتصارها في سبتمبر/أيلول 2023، تركز رواية الدولة هذه الأيام على توصل البلدين إلى اتفاق نهائي دون تدخل. قال الرئيس إلهام علييف يوم الثلاثاء 14 فبراير/شباط أثناء أدائه اليمين بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية المبكرة في 7 فبراير/شباط: “يجب إسقاط عملية التطبيع بين أرمينيا وأذربيجان من جدول الأعمال الدولي. لأن كل من ليس لديه ما يفعله يريد التدخل في هذه القضية. لماذا لا يذهبون ويهتمون بشؤونهم الخاصة”.

اضطلع الاتحاد الأوروبي، منذ عام 2021، بدور أكثر نشاطًا في الوساطة بين أرمينيا وأذربيجان، حيث قاد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل الاجتماعات بين باشينيان وعلييف.

لكن عملية السلام، بوساطة غربية، تعثرت بعد العملية العسكرية في سبتمبر/أيلول 2023. حيث شُن الهجوم بالرغم من تطمينات أذربيجان للوسطاء الغربيين بعدم لجوئها لمثل هذه الإجراءات.

الناس على الأرض

بجانب التصريحات الرسمية، هناك أيضًا مسألة المواقف العدائية بين الأذربيجانيين والأرمن. في كلمتها أمام جلسة رفيعة المستوى لمجلس اللوردات في المملكة المتحدة في 10 يناير/كانون الثاني 2024، نوهت مارينا ناجاي، مديرة برنامج القوقاز في منظمة الإنذار الدولي، أن اتفاق السلام الذي يلوح في الأفق ليس فقط بين الحكومات ولكن بين الناس أيضًا، وأن ذلك “إن جمع هؤلاء الأشخاص معًا سيستغرق أكثر من قطعة من الورق”، نظرًا للمشاعر السلبية الناتجة عن ثلاثين عامًا من العداء. لا يساعد خطاب الدولة العدواني كثيرًا في تغيير المشاعر العدائية، خاصة في السياق الأذربيجاني.

وصفت مفوضة حقوق الإنسان الأذربيجانية (Ombudsman)، سابينا علييفا، في بيان لها، أعمال العنف التي وقعت في 12 فبراير/شباط بأنها جزء من “سياسة أرمينيا الخبيثة”.

كانت منطقة ناغورنو كاراباخ تحت سيطرة سكانها العرقيين الأرمن كدولة أعلنت نفسها منذ الحرب التي اندلعت في أوائل التسعينيات، والتي انتهت بوقف إطلاق النار وانتصار عسكري أرمني في عام 1994. في أعقاب الحرب الأولى، تم إنشاء جمهورية ناغورني كاراباخ الجديدة بحكم الأمر الواقع، وغير المعترف بها دوليًا. احتلت القوات الأرمنية سبع مناطق مجاورة. نتيجة لتلك الحرب، “أُجبر أكثر من مليون شخص على ترك منازلهم: فر الأذربيجانيون من أرمينيا وناجورنو كاراباخ والأراضي المجاورة، بينما ترك الأرمن منازلهم في أذربيجان”، وفقًا لمجموعة الأزمات الدولية.

استمرت التوترات على مدى العقود التالية، وبلغت ذروتها في حرب كاراباخ الثانية في عام 2020 والعملية العسكرية في سبتمبر/أيلول 2023. مهدت الأخيرة الطريق أمام أذربيجان لاستعادة السيطرة الكاملة على كاراباخ. مع ذلك، مع تأكيدات بأن حقوق الأرمن في كاراباخ ستتم حمايتها والحفاظ عليها، فر 104 ألف أرمني من كاراباخ بعد هجوم سبتمبر/أيلول 2023، وفقًا لأحدث البيانات. من غير المرجح أن يعودوا في ظل الظروف الحالية. قال دي وال في مقابلة لراديو أزاتوتيون، الخدمة الأرمنية لإذاعة الحرية: “قد يرغبون في الزيارة واستعادة ممتلكاتهم، وقد يرغبون في زيارة مقابر عائلاتهم، أو نقل تلك القبور إلى أرمينيا. لكنني لا أعتقد أن أحدًا يتحدث عن حق العودة في أي وقت قريب”.

حتى لو توقفت التطورات الأخيرة لعرقلة آفاق السلام على الخطوات المتخذة في الأشهر المقبلة؛ في الوقت الحالي، أصبح السلام بين أرمينيا وأذربيجان معلقًا بخيط رفيع مرة أخرى.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.