“ذي فورتي أكرس”، أول مقر لنقابة الشغل، اتحاد العمال الفلاحين، ديلانو، كاليفورنيا. صورة التقطها “إيفان سيغال” (CC BY 4.0).

هذا المقال هو جزء من سلسلة بقلم “ج. ناثان ماتياس” رحلة الدراجة لأكثر من 800 كيلومتر في شهر يونيو/حزيران 2023، لجمع تبرعات لمشروع “رايزينج فويسز”، برنامج لمنصة “جلوبال فويسز” مخصص للغات السكان الأصليين المهددة بخطر الانقراض وكذا شبكة العدالة البيئية بكاليفورنيا الوسطى. للمبادرة انقر هنا.

قبل تسلم “ماريا لوبيس” و”دانييلا موسكيدا” شهادة الثانوية في ديلانو، كاليفورنيا، كانتا تدركان أين تلتقطان صور تتويجهما: “فورتي أكرس“، المقر القديم لاتحاد العمال الفلاحين. تمنح محطة الوقود ذات النمط التبشيري، المحاطة بأشجار جميلة وطويلة خلفية ممتازة للصور، ولكن “فورتي أكرس” لها أيضًا دلالات أخرى لأسباب أخرى: الإضراب عن الطعام لمدة 25 يوم للناشط النقابي “سيزار شافيز” الذي استقطب أنظار العالم عام 1967.

من يأتي لالتقاط صور تسليم الشهادة في مكان أقيم فيه إضراب عن الطعام؟ غيرت تمامًا زيارة “دانييلا” و”ماريا” وعائلاتهما وهما تخرجان من سياراتهما بثوب وقبعات التتويج مفهومي لموقع رأيته فقط في كتب التاريخ. كما ساعدتنا على فهم لما حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بصدد دراسة وضع “فورتي أكرس” كحديقة وطنية مقترحة.

(من اليسار إلى اليمين)، “إيفان سيغال”، “إليزا لوبيس”، “ماريا لوبيز”، “دانييلا موسكيدا” و”ج. ناثان ماتياس” خارج “فورتي أكرس”. صورة من عائلة “لوبيس”.

عندما وصلت “ماريا” و”دانييلا”، كنا أنا و”إيفان سيغال” نسند دراجاتنا على جدار من الأجر في المحطة، رحلة الدراجة 112 كيلومتر عبر وادي الأوسط بكاليفورنيا. أنا و”إيفان” معًا بصدد اقتفاء طريق مسيرة العمال الفلاحين لسنة 1966 وسرد قصص عن الناس الذين نتعرف إليهم. وصلنا إلى “ديلانو” في نهاية يومنا الأول بحثًا عن أسطورة مكرسة في وسائل الإعلام والأفلام وخيال العالم بأسره.

تاريخ “فورتي أكرس” هو الفصل الثاني من مسيرة العمال الفلاحين لسنة 1966 المشهورة، عندما سار على الأقدام قُرابة مائة فلاح ومنظمات نقابية نحو “ساكرامينتو”، عاصمة ولاية كاليفورنيا، عام 1966، وحاولوا البحث عن أثر بإنشاء أسطورة. بتأثير من “مهاتما غاندي” و”مارتين لوثر كينج جي آر.” كانوا يأملون في إلهام العمال الفليبينيين واللاتينيين للاتحاد، والحصول على دعم عمومي لعمال الوادي كله.

سارت خطتهم على أحسن وجه، فعندما وصلوا إلى “ساكرامينتو”، رفع العمال الفلاحون “القضية” إلى الاهتمام الدولي، بتحالف قوي مع سياسيين وطنيين وفاوضوا عقودهم النقابية الأولى.

دراجات “إيفان سيغال” و”ناثان ماتياس” مستندة على جدار محطة البنزين بـ “فروتي أكرس”. صورة التقطها “إيفان سيغال” (CC BY 4.0).

لكن، كيف نرى حركة عندما لا تكون حركة في حدّ ذاتها؟ هذا هو السؤال الذي حفز اتحاد العمال الفلاحين لشراء “فورتي أكرس” في ذلك العام، بمثابة محطة بنزين تعاونية للمقاطعة. أنشأ المتطوعون المحطة لتشغيلها كمحطة للوقود، والإصلاح، والخدمات المجتمعية. كانت تستعمل مداخيل بيع البنزين لتعويض العائلات المضربة المحتاجة للمستلزمات الأساسية، وأضافوا بعدها دارًا للمسنين خاصة بالعمال الفلبينيين المطرودين بسبب مشاركتهم في الإضراب.

في عام 1968، أعرب “شافيز” عن قلقه إزاء بعض أعضاء الحركة الذين كانوا ينوون الرد على عنف أصحاب المزارع والشرطة بأعمال تخريب وعنف. مستلهمًا من “غاندي”، أعلن في شهر فبراير/شباط 1968 بقيامه بالصوم، ولن يتناول إلا الماء، وهذا ما كان يدافع عنه بوسائل غير عنيفة، وطالب أصحاب مزارع العنب التفاوض مع القادة النقابيين بخصوص الأجر. بعد مرور خمسة وعشرين يومًا، أقنع المرشح للرئاسة الأمريكية “روبرت ف. كينيدي” شافيز التوقف عن الإضراب، وفي حملة إعلامية كبيرة، اتخذت له صورًا عندنا جلبوا له قطعة من الخبز (يظهر الحادث الرمزي في العرض الأولي للفيلم التالي). في غضون أقل من عام واحد، ظهر “سيزار شافيز” في غلاف مجلة “تايم” كونه “شخصية العام”. في نهاية العام التالي، تفاوض أصحاب مزارع العنب مع العمال بخصوص العقود النقابية.

كوني شخص أجنبي عن “ديلانو”، كنت أعرف فقط الأسطورة والانتقادات عن “شافيز” كقائد مشهور، كما وصلت للوادي الأوسط بتساؤلات عن فكرة إحياء ذكرى حركة لا يزال العمل فيها لم يكتمل بعد، ولكنني نسيت الأسباب الأخرى الهامة التي جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية تنشأ حديقة وطنية.

لماذا تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية ببعض الأماكن للحماية والصيانة والاستعمال العمومي؟ وصلنا إلى الوادي الأوسط بعقلية “فريمان تيلدن” الذي بين أن الحدائق تشجعنا على إعادة تصور افتراضاتنا بتواصلنا مع أماكن هامة، كما أن السلطة الرمزية لهذه المواقع له ثقله في الفترات المدنية الهامة مثل زيارة السيدة الأولى جيل بايدن “فورتي أكرس” في فترة صعبة من جائحة كوفيد-19.

محطة بنزبن في “فورتي أكرس”. صورة التقطها “إيفان سيغال” (CC BY 4.0).

لكن للحدائق غايات أكثر عمقًا. حسب الفيلسوف البيئي “جون موير”، الحدائق هي أماكن حيث اللعب والصلاة يمكنها أن “تشفي وتسعد وتقوي الجسد والروح معًا”.

منذ زيارتنا لـ “فورتي أكرس” فهمت أن الحدائق الوطنية بمثابة أماكن نخلق فيها معانٍ وننشأ قصصًا للأجيال، ولا نبحث فقط في الماضي. يدفعنا هذا الصرح التاريخي للتخمين في العمل، واللاعنف، وقوة الشهرة المعقدة، ولكن في أمسية يوم الثلاثاء، في مطلع شهر يونيو/حزيران، كانت محطة البنزين هذه المبنية بالآجر مكان لامرأتين شابتين لم تدون بعد حكاياتهما الرائعة، واختارتا أن تسجلا بداية رحلة سفرهما المقبلة.

اقرأ المزيد عن تاريخ هذه الرحلة، بما فيها أهدافها ومسار “إيثان” و”إيفان” على صفحتنا للتغطية الخاصة.