بعد أشهر قليلة من إطلاقه في دور العرض، من الممكن القول إن أحدث أفلام ديزني “إنكانتو” قد حقق نجاحًا كبيرًا في كولومبيا. على الرغم من ارتباط أفلام ديزني لفترة طويلة بالأميرات والقصص الخيالية فإن “إنكانتو” فيلم يفخر به الكولومبيون؛ بفضل الجهود الكبيرة التي بذلها صانعو الفيلم في البحث عن الثقافة والتقاليد الكولومبية.
يروي فيلم “إنكانتو” قصة عائلة أموميّة تعيش في منزل ساحر في قلب كولومبيا. كل فرد من أفراد الأسرة لديه موهبة سحرية مثل القوة الجسدية، والتنبؤ بالمستقبل، والقدرة على الشفاء، الجميع باستثناء حفيدة الأسرة ميرابيل مادريجال التي تحاول إيجاد مكان لها في الأسرة.
قام مخرجا الفيلم جاريد بوش وبايرون هوارد بجانب لجنة من ديزني بإجراء أبحاث حول كولومبيا منذ عام 2016.
كما استعانوا بنصيحة خبراء كولومبيين من بينهم في مجالات الأنثروبولوجيا والنبات، والهندسة المعمارية، والموسيقى، واللغة. ومن المثير للاهتمام أن الدبلجة الإسبانية للفيلم قام بها طاقم ممثلين هسبان بالكامل من بينهم مطربين وممثلين كولومبيين مثل كارلوس فيفيس وسيباستيان ياترا ومالوما.
يعود مصدر إلهام الفيلم في الجوانب الجميلة والمجهولة نسبيًا في كولومبيا. حتى الكولومبيين أنفسهم اندهشوا من الواقعية السحرية المذهلة في الفيلم، والتي هي مشابهة لأسلوب الكاتب الكولومبي الحائز على جائزة نوبل في الأدب جابرييل جارسيا ماركيز.
استخدام الفيلم لرقصة الكومبيا، والسالسا، والأغاني المختلفة يدعو المشاهدين إلى رؤية كولومبيا كبلد متعدد الثقافات، وهو ما يتضح من الرموز التقليدية مثل الأكورديون، والروانا، وحقيبة وايو موتشيلا، وحذاء الإسبادريل، والقبعات والأزياء التقليدية الأخرى، ويوجد أدناه مقطع فيديو للمغني الكولومبي الشهير روبين داريو سالسيدو.
يضم “إنكانتو” أيضًا مجموعة من الشخصيات المتنوعة عرقيًا، وجميعها تتمتع بمجموعة متنوعة من ألوان البشرة، وألوان العيون، والطول، وملامح الوجه، وأنواع الشعر.
من حيث الرياضة يعرض الفيلم بعض الألعاب الرياضية المحلية المفضلة مثل تيجو (وهي رياضة كولومبية تقليدية يتم فيها إلقاء أقراص معدنية لمسافة 20 مترًا نحو هدف ينفجر عندما يصطدم به القرص) وكرة القدم. وبالإضافة لذلك فإن شخصية لويزا مادريجال هي تكريم لرافعة الأثقال ماريا إيزابيل أوروتيا التي فازت بأول ميدالية ذهبية لكولومبيا في أولمبياد سيدني عام 2000، ويمكن أن يكون جسم لويزا العضلي تكريمًا لفرناندو بوتيرو الرسام والنحات من أنتيوكيا.
بالنسبة للثقافة الشعبية الكولومبية تظهر العديد من الخرافات الشائعة في الفيلم؛ شوهد برونو وهو يلقي الملح على كتفه للحماية في مواجهة المواقف الصعبة أو الخطرة حسب المعتقد الشائع، وتنعكس ثقافة القيل والقال بشكل أساسي في شخصية دولوريس مادريجال، حيث إنه من المنتشر في كولومبيا سماع أشخاصًا من جميع مناحي الحياة وهم ينشرون الشائعات والنميمة.
عُرِضَت مجموعة متنوعة من المطابخ الإقليمية الكولومبية مثل مثلث القهوة، والساحل، ووسط مدينة بوجوتا، ويظهر ذلك في السيراميك المطلي والمصنع في بلدة إل كارمن دي فيبورال في شرق أنتيوكيا، وتُعرف المدينة باسم “مهد صناعة الخزف اليدويّ” وأُعلنت تراثًا ثقافيًا غير مادي في عام 2020.
يحتوي الفيلم على إشارات للقهوة، والاريباس، والذرة، والبونيويلو، والأجياكو أو (شوربة الدجاج والبطاطس)، بالإضافة إلى الأعشاب وفوائدها الطبية كما هو موضح في شخصية جولييتا مادريجال، والدة ميرابيل، لتي تحتفظ بالنباتات الطبية في جيوبها.
ينجح الفيلم في تصوير دولة شديدة التنوع؛ حيث تختلط فيها النباتات والحيوانات وسط ثراء المناظر الطبيعية الأمازونية المصوّرة ببراعة، ويبدو أيضًا أن الجبال المحيطة بقرية إنكانتو مستوحاة من وادي كوكورا.
ترتدي ميرابيل مادريجال زهرة الأوركيد، الزهرة الوطنية لكولومبيا، في شعرها، وتمتلك إيزابيلا أخت ميرابيل القدرة على جعل الأزهار تتفتح حسب الرغبة، والتي يشار إليها أيضًا في عروض الزهور وأشجار النخيل التي تحيط بالمنزل، ويعرض هذه الزهور، التي تسمى سيّيتاس، مزارعون في قرية سانتا إيلينا عبر إطارات خشبية كأساس لترتيبات الأزهار الخاصة بهم. الإطارات مزودة بحبل حتى يتمكن المزارعون، ويطلق عليهم اسم سيّيتروس، من حملها على ظهورهم. وتُقام هذه العروض في مهرجان الزهور السنوي في ميديين لإحياء ذكرى الطريقة التي حمل المزارعون بها الزهور على ظهورهم والمشي لمسافات طويلة لبيعها في وسط مدينة ميديلين.
تشمل الحيوانات التي ظهرت في الفيلم المكاو القرمزي، والحمير، والكابيبارا (خنزير الماء)، والنمر الأمريكي، والطيور الطنانة، ويبدو أن الفراشات الصفراء تكريم للحائز على جائزة نوبل للآداب جابرييل جارسيا ماركيز؛ حيث ظهرت في روايته “مئة عام من العزلة”.
مع ذلك أعتقد شخصيًا أنه كان بإمكانهم تضمين المزيد من التفاعل مع بعض جيران عائلة مادريجال أو المنطقة المحيطة لتوضيح المشاكل الاجتماعية في البلاد، مع أن الفيلم يظهر في البداية أن عائلة مادريجال قد نزحت بسبب العنف، وهو أمر موثوق به نظرًا لكون كولومبيا أكبر دولة في العالم ها نازحين بالداخل في العالم.
الفيلم مستوحى من نظرة متفائلة لكولومبيا حيث كل شيء متوفر بينما الحقيقة على النقيض من ذلك، فتُظهر إحصاءات من تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن نسبة كبيرة جدًا من الكولومبيين يعانون من الجوع.
الحقيقة هي أن “إنكانتو” (وهي كلمة إسبانية تعني السحر) حرفيا ساحر، كل من يشاهده ستتاح له الفرصة للاسترخاء والاستمتاع بالتأثير العاطفي سواء كان الإعجاب، أو الضحك، أو الغضب، أو البكاء. كما أن الفيلم يلهمنا، أكثر من أي شيء آخر، أن نحلم؛ لأنه يجسد هذه النسخة الإيجابية والجميلة من البلد التي لطالما أردنا نحن الكولومبيون أن نمتلكها وأن نتباهى بها أمام العالم.