يقود نظام بشار الأسد وحلفائه الروس حملة جديدة ضد مدينة درعا في جنوب سوريا، حيث كانت انطلاقة الثورة السورية. فمنذ 25 يونيو، فُرض حصار على عدة أحياء من المحافظة، وذلك للضغط على أهالي المنطقة انتقاما منهم لموقفهم الرافض للانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو الفائت والحراك الشعبي الذي شهدته المنطقة حينها.
الانتخابات التي أعلن النظام فوز بشار الأسد فيها باكتساح، اعتبرها الكثيرون زائفة، وقرر نطاق واسع من الشعب مقاطعتها لتسجيل اعتراضهم عليها.
بالإضافة إلى التضييقات الأمنية في أحياء درعا البلد ومخيم النازحين وحي طريق السد، فإن الحصار يخنق حوالي 11 ألف عائلة أو 50 ألف شخص بحسب تقدير ناشطين وصحفيين.
حسن الحريري، عضو لجنة صياغة الدستور في المعارضة السورية ورئيس المجلس السوري للتغيير، أكد في رسالة الكترونية للأصوات العالمية أن العديد من أحياء مدينة درعا الآن تشهد حصاراً خانقاً من قبل قوات نظام الأسد بهدف عقاب أهل هذه المدينة على رفضهم الانتخابات الرئاسية ومقاطعتهم إياها. ,الرفض، كما أوضح الحريري، كان مؤثرا لأنه جاء في مركز المدينة وأرياف درعا الشرقي والغربي، مما نتج عنه إفشال الانتخابات في المحافظة كلها — وهي سابقة لنظام الأسد (الأب والابن).
فغرد الناشط الحقوقي السوري أحمد أبازيد:
صور من السواتر الترابية التي رفعتها قوات النظام على مداخل #درعا_البلد
بدأت إجراءات الحصار وقطع الطرق منذ 24 حزيران الحالي، بعد ضغوط روسية وطلب تسليم السلاح الخفيف من الأهالي #فكوا_الحصار_عن_درعا_البلد pic.twitter.com/JDqWMX62B9— أحمد أبازيد (@abazeid89) June 29, 2021
في حوار هاتفي مع محمد – وهو اسم مستعار لدواع أمنية – أحد أعضاء اللجنة المركزية في مدينة درعا المكلفة من عشائر المنطقة للتفاوض مع نظام الأسد وروسيا، قال للأصوات العالمية أن التصعيد على أحياء المدينة بدأ بعد الانتخابات مباشرة. وأوضح أن تدريجيا بلغ التصعيد حصارا كاملا وأغلقت الطرقات المؤدية إلى أحياء درعا البلد وطريق السد، بحواجز أمنية وسواتر ترابية، بإستثناء منفذ وحيد تتمركز عليه قوات تتبع للأمن العسكري والذي يمارس الضغوطات والتهديدات والاعتقال والاختطاف على المارة المدنيين.
وكتب عمر الحوراني، مراسل قناة الجزيرة، واصفا الوضع الإنساني في درعا قائلا:
استفزازات وإجراءات أمنية خطيرة
أشار محمد بأن نظام الأسد وراء هذا التصعيد بدعم من روسيا التي تلعب دور الضامن في مفاوضات اتفاق تسوية 2018، والذي أصبحت بموجبه درعا خاضعة لنظام الأسد. بحسب محمد، فإن روسيا أصبحت هي المشرف على هذه الاستفزازات بقيادة جنرالها “أسد الله” ذو الأصول الشيشانية، والذي تسلم قيادة العمليات في جنوب سوريا منذ شهرين.
وأوضح محمد دورهم في اللجنة المركزية في المفاوضات المستمرة، ورفضهم لمطالب الجنرال الروسي بتسليم السلاح الخفيف ودخول جيش نظام الأسد للتفتيش، فقال:
ما بقي من أسلحة فردية هو ملك شخصي لبعض الأفراد ولم يعد هناك سلاح بعد تفكك الفصائل وتسليم سلاحها ضمن اتفاق التسوية مقابل الشروط المتفق عليها، وهي انسحاب الجيش من المدن والقرى وإخراج المعتقلين ورفع القبضة الأمنية وإعادة الموظفين إلى وظائفهم ولكن لم يتم الإيفاء بأي شرط من هذه الشروط .
وقال محمد بأن التصعيد العسكري كان متوقعا وخاصة بعد جلب العناصر الأمنية وتهديدات الطيران الحربي من خلال تحليقه فوق المنطقة. بالرغم من ذلك، استمرت المفاوضات مع الجنرال الروسي، التي أكد الأهالي فيها أن امتلاكهم هذا السلاح ليس بهدف الحرب وإنما للدفاع عن النفس في وقت الحاجة، مضيفاً: “نحن لا نريد الحرب نريد أن يعم الأمن والاستقرار”.
“سوريا المفيدة سياسيا”
يعتبر جنوب سوريا من أهم مناطق سوريا جيوسياسيا. فبحسب وصف الحريري، الجنوب السوري يمثل “سوريا المفيدة سياسيا” لأهمية موقعها الاستراتيجي واشتراكها في الحدود مع أكثر من دولة عربية وأهمها فلسطين.
ومنذ فرض النظام سيطرته على الجنوب السوري ضمن اتفاق 2018 للتسوية، والذي تم مع فصائل المعارضة برعاية وتفاهمات دولية ودعم روسي، شن نظام الأسد وموسكو في محافظة درعا العديد من الحملات العسكرية وتوالت التهديدات بالتصعيد، فلم تتحسن الأوضاع الإنسانية والأمنية. فشهدت المنطقة عمليات عنف واعتقالات واغتيالات على مدار الثلاث سنوات. ونقلت مؤسسة نبأ الإعلامية عن مكتب توثيق الشهداء – وهو كيان مستقل يرصد انتهاكات النظام ومواليه في جنوب سوريا – أن أعداد القتلى في النصف الأول من العام الجاري وصل إلى 173 قتيلا و75 جريحا فعلى يد النظام، وقدرت عمليات الاغتيال التي بلغ عددها 279 عملية معظمها في ريف درعا الغربي .
ويزيد الحصار من تدهور الأوضاع الإنسانية في ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي تعيشها سوريا في الوقت الحالي. فيوضح لورنس أبو أدم، صحفي مقيم في الأحياء المحاصرة، للأصوات العالمية تردي أحوال المعيشة في هذا الحصار. وفي إشارة إلى تفاقم الوضع الطبي إثر إغلاق الطريق الوحيد المؤدي الى المشافي والمراكز الطبية في مركز المدينة، ونقص المستلزمات الأساسية للحياة بشكل حاد، وصف أبو آدم الوضع الإنساني “بالمأساوي”. كما أوضح لورنس أن الصحفيون العاملون في المناطق المحاصرة يتلقون التهديدات، وباتت حياتهم مهددة بعد إدراج نظام الأسد أسماء العاملين في هذا المجال على لوائح الإغتيال و لوائح الإرهاب.
نتيجة لذلك، تعالت الدعوات للتضامن مع درعا، منها الذي صدر عن ميسون بيرقدار، طبيبة سورية مقيمة في ألمانيا:
تحت وسم #فكوا_الحصار_عن_درعا_البلد، أطلق العديد من النشطاء والصحفيين السوريين والعرب الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي تضامنا مع مدينة درعا والأحياء المحاصرة هناك، ونظم آخرون دعوات للخروج بتظاهرات سلمية تنادي برفع الحصار.
فغردت الصحفية الفلسطينية منى حوا قائلة:
درعا تبعد عن القدس مسافة 3 ساعات و20 دقيقة بالعربة، تبعد مسافة أغنيتين لأم كلثوم، وصرخة.. في عالم آخر كان يمكن في نفس اليوم أن نأكل المليحي في حوران ونشرب القهوة مع الكنافة في نابلس. درعا المهد والحب المسكوت عنه والصرخة اليتيمة. باسمها وباسم أحرار الأرض من فلسطين، هنا #درعا.
— مُنى حوّا • Muna Hawwa (@MunaHawwa) June 28, 2021
تحركات ومناشدات لرفع الحصار
على الصعيد الدولي، لم يصدر موقف للدول المعنية بالشأن السوري حول الأحداث الجارية. أما المعارضة السورية، فأطلقت عبر الجهات والمؤسسات المختلفة، نداءات للجهات الدولية للتدخل قبل وقوع كارثة إنسانية تهدد حياة الآلاف بالخطر. فبحسب الحريري، فإن المجلس السوري للتغيير- وهو منبر سوري سياسي وثوري مقره فرنسا - خاطب العديد من المنظمات الدولية المعنية، كما التقى مباشر بالعديد من الشخصيات السياسية لاتخاذ موقف حاسم فيما يتعلق بالأحداث الدائرة. أما الائتلاف السوري المعارض، فقد خاطب المنظمات الإنسانية والخارجيات العالمية وأصحاب الرأي العالمي.
وفي تحد للنظام وتعبيرا عن الصمود، خرجت تظاهرات في درعا البلد المحاصرة يوم الجمعة 2 يوليو، اليوم التاسع للحصار، وانضمت لها تظاهرات في مناطق مختلفة من سوريا – منها قرىً في شمال غرب إدلب – مطالبين برفع الحصار وإسقاط نظام الأسد.
بأهازيجها الجميلة تستمر مظاهرات #درعا_البلد وسط تهديدات النظام باقتحام المدينة #درعا_البلد_مهد_الثورة pic.twitter.com/Lo3NgtcJJv
— Omar Alhariri (@omar_alharir) July 2, 2021