يؤدي استمرار الأحكام المُسبقة التي يتخذها البعض في الهند بشأن ممارسة الجنس قبل الزواج إلى وصم النساء غير المتزوجات بالعار من قِبل مقدمي الخدمات الطبية وذلك عند محاولتهنّ الحصول على الخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية.
تشهد الأعراف المجتمعية في البلاد تغيرًا بالفعل، إذ تتزايد أعداد النساء التي تختار تأجيل الزواج. وتحتل الهند حاليًا المركز الرابع عالميًا في استخدام تطبيقات المواعدة الإلكترونية. ولكن رغم تطور خصائص الحياة الاجتماعية والجنسية وسِماتها، ما زالت السلوكيات المُتبعة في المجال الطبي فيما يتعلق بالمشكلات الجنسية، حتى في المدن الكبرى داخل الهند، مُقيَّدة بالتفكير المحافظ.
على مدار الأربعة أعوام الماضية نجحت حملة تُدعى “الأولوية للصحة لا للوصم” (Health Over Stigma)، التي تقودها المنظمة الشبابية الكائنة في دلهي هيايا “Haiyya”، في التصدي لهذا النظام من خلال إمداد النساء غير المتزوجات بخدمات الصحة الجنسية والصحة الإنجابية — وتغيير وجهات نظر أطباء الأمراض النسائية في الهند.
قابلتُ سريجاني مالاكار، المسؤولة عن حملة Health Over Stigma، في فبراير/شباط من العام 2020 التي أوضحت ما يلي:
If you are sexually active, the precondition is that you are married. If you are not married, and having sexual relationships, you are considered impure and the doctor will not treat you. It is a social stigma; doctors and medical professionals are products of the social system. And the level of shame involved is so great that women often cannot bring themselves to seek the services they need.
إذا كنتِ نشطة جنسيًا، ينبغي لكِ مُسبقًا أن تكوني متزوجة. وإذا لم تكوني متزوجة وتقيمين علاقات جنسية، فستُعتبرين آثمة ولن يعالجكِ الطبيب. إنه وصم اجتماعي؛ إن الأطباء والأخصائيين الطبيين هم نِتاج هذا النظام الاجتماعي، ونتيجةً لذلك تشعر النساء بقدر كبير من العار لدرجة تمنعهنّ أحيانًا من السعي للحصول على الخدمات التي يحتاجونها.
وفقًا للتقاليد الهندوسية، يُعتبر الجنس قبل الزواج مصدر دَنَس، ويُوصَم بالعار من يمارسه خارج إطار الزواج؛ وهو مُحرمٌ أيضًا في الإسلام. وحسب تصريحات مالاكار، فإن هذه السلوكيات التي يتبعها الأطباء تدفع النساء غير المتزوجات إلى عدم إعطاء أولوية لاحتياجاتهنّ المتعلقة بالصحة الجنسية ويمتنعن عن الحصول على الخدمات الملائمة.
بحسب استطلاع أجابت عنه نساء غير متزوجات يَعِشن في دلهي، أُجرِيَ على مدار 2018، تبيَّن لمنظمة Haiyya أن ما نسبته 5 بالمئة فقط من النساء المجيبات على الاستطلاع حصلن على المعلومات المتعلقة بالجنس أو وسائل منع الحمل من الأخصائيين الطبيين. بينما اعتدمت أغلبهنّ، حسب الاستطلاع، على الإنترنت أو أصدقائهنّ.
أظهرت إحصائيات أخرى عواقب هذا الفراغ، حيث كشف الاستطلاع ذاته أنّ 20 بالمئة فقط من النساء اللاتي أَجَبنَ على الاستطلاع كنّ على دراية بحقوقهنّ المتعلقة بالإجهاض. وعلى صعيدٍ آخر كشف استطلاع أجرته الشركة الإلكترونية المُختصة بأبحاث السوق YouGov India عام 2018 أنّ 15 بالمئة من النساء يعتبرن وسائل منع الحمل الطارئة ليست مناسبة كوسيلة منتظمة لمنع الحمل؛ في حين كانت 49 بالمئة من النساء غير متأكدين تمامًا.
“الصيدلي يدَّعي عدم سماعي بشكل صحيح”
شاركت سابنا ديفي (ليس اسمها الحقيقي)، وهي إمرأة شابة غير متزوجة، تجربتها معي في فبراير/شباط الماضي خلال لقاء أجريته معها في مدينة جايبور مسقط رأسها، حيث قالت، “كان عمري 18 عامًا حين التقيتُ بآخر صديق لي على فيسبوك. تواعدنا على مدار عامين وكنا نتقابل في الفنادق حيث لا يمكن لأحد أن يرانا.”
وصفت سابنا كيف رفض أول طبيب أمراض نسائية لجأت إليه علاجها كونها إمرأة غير متزوجة، لكنها حاولت مرة أخرى مدعيةً هذه المرة أنها مخطوبة واستطاعت حينها الحصول على حقن لمنع الحمل. تعرَّضت سابنا لنزيف في الشهور التالية على مدار فترات غير منتظمة، لكنها شعرت بعدم قدرتها على الذهاب إلى الطبيب، وفي النهاية لجأت مجددًا إلى الأوقية الذكرية ووسائل منع الحمل الطارئة.
تُعتبر حبوب منع الحمل الطارئة – التي تبلغ تكلفتها 1.50 دولار أمريكي للجرعة – أحد أكثر خيارات وسائل منع الحمل توفرًا للنساء في الهند إلى حدٍ كبير، حيث كشف استطلاع أُجرِيَ قبل الجائحة أن 77 بالمئة من النساء العازبات يستخدمنها كوسيلة منتظمة لمنع الحمل، على الرغم من الشكوك المتعلقة بالآثار الجانبية الناتجة عن استخدامها على المدى الطويل.
وقالت ديفي، “دائمًا ما يدَّعي الصيدلي عدم سماعي بشكل صحيح، مما يجعلني أكرر طلبي مرتين، لكنني لا أهتم؛ فهو أسهل خيار بالنسبة لي.”
بناء الشبكات ذات الصلة
إنّ القصص المماثلة لقصة ديفي هي ما دفعت منظمة Haiyya لبدء تدشين حملة Health over Stigma في العام 2017.
ففي تلك الأثناء، أدارت منظمة Haiyya مجموعة من المقابلات أسمَتها “حوارات نسائية”، حيث تم تشجيع النساء غيرالمتزوجات على التحدث بشأن تجاربهنّ المتعلقة بالصحة الجنسية. وأظهرت هذه الحوارات مدى عُمق المشكلة حيث قررت Haiyya على إثرها توسيع نطاق الحركة بالنزول إلى الشوارع والطلب من النساء مشاركة قصصهنّ.
تبيَّن لمنظمة Haiyya، على سبيل المثال، أن العديد من الأطباء يرفضون إجراء فحوصات داخلية للنساء غير المتزوجات؛ وتُرفض طلبات الحصول على وسائل منع حمل آمنة، علاوةً على إحالة النساء اللاتي يحتجن إجراء عمليات إجهاض إلى عيادات باهظة التكلفة، وغير قانونية في كثير من الأحيان، على الرغم من أن عمليات الإجهاض المتعمد قانونية في الهند لمدة تصل إلى 20 أسبوعًا من الحمل وبغض النظر عن الحالة الاجتماعية.
يعني انخفاض الإمداد الحكومي لخدمات الإجهاض والإخفاق في ضبط أداء مقدمي تلك الخدمات من القطاع الخاص أنّ تكاليف الإجهاض، وخاصةً بالنسبة للنساء غير المتزوجات، تتجاوز القدرة الإنفاقية لمعظم المريضات.
وفي هذا الصدد، يعرض وسم الحملة، #MyGynaecStory، شهادات توضِّح بعضًا من العواقب الوخيمة — على المستوى البدني والعقلي — الناتجة عن نظام الرعاية الصحية الذي شكَّله مجتمع محافظ جنسيًا للغاية.
وصرَّحت الكاتبة والمغنية والنسوية أسميتا في تغريدة لها عام 2019:
Going to the gynaec as an unmarried woman is already an v stressful experience. The taboo of premarital sex, fear of parents finding out.. all of this makes it very hard to prioritize our sexual health! Doctors should NOT be adding to this by dishing out judgment. #MyGynaecStory
— Asmita (@asmitaghosh18) November 5, 2019
الذهاب إلى طبيب أمراض نسائية كإمرأة غير متزوجة هي تجربة مجهدة بالفعل. إن التعامل مع ممارسة الجنس خارج إطار الزواج كأمر محظور اجتماعيًا علاوةً على الخوف من اكتشاف الوالدين للأمر يجعلان من الصعب للغاية إيلاء الأولوية لصحتنا الجنسية! لا يجوز للأطباء تعقيد الأمور أكثر من ذلك بإصدار الأحكام الطائشة على النساء.
في حين قالت الكاتبة مانجيما ميسرا:
Right to healthcare is a basic human right. It provides a social safety net to people across the socio-economic hierarchy. Consulting a gynecologist should be an affordable right accessible to those who are disadvantaged due to age and lack of finances.#MyGynaecStory
— Manjima Misra (@ManjimaMisra) November 5, 2019
إن الحق في الحصول على الرعاية الصحية هو حق أساسي من حقوق الإنسان، فهو يوفِّر شبكة أمان اجتماعي للأشخاص على جميع مستويات التسلسل الهرمي الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. ينبغي أن تكون استشارة أحد أطباء الأمراض النسائية حقًا ميسور التكلفة وفي متناول الفئات الأقل حظًا بسبب عامليّ السن ونقص الموارد المالية.
مُدعمةً بهذه الشهادات، كانت الخطوة التالية لمنظمة Haiyya هي استهداف الأطباء، مدركةً أن دعمهم مطلوب لفرض التغيير فيما يتعلق بتقديم خدمات الرعاية الصحية.
وفي هذا الشأن، تعاونت د. شيهلا جمال – التي حضرت واحدة من النقاشات الأولية التي أدارتها منظمة Haiyya بين الأطباء ونساء غير متزوجات – مع الحملة حتى الآن لأكثر من ثلاثة أعوام، وفي حديثها معي عبر الهاتف من دلهي أَدلت بما يلي:
Prior to this, I used to judge every unmarried girl I treated, and I am not even that old, I’m only in my early 30s. But that type of societal thinking, it is engrained. We tend to think in one way, whatever we have been taught, whatever we have been seeing around us. But until someone comes and makes us aware of the necessity of this issue, the issue is not going to be taken up, no one is going to give it even a second thought.
قبل ذلك اعتدتُ إصدار الأحكام على كل فتاة غير متزوجة أعالجها، وأنا لستُ حتى كبيرة في السن لهذه الدرجة، فأنا في أوائل الثلاثينات من عمري فقط. لكن هذا النوع من التفكير المجتمعي مترسِّخ للغاية، فنحن نميل للتفكير بطريقة أحادية، بغض النظر عن ما تعلمناه أو ما نراه من حولنا. لكن حتى يأتي شخص يجعلنا على دراية بضرورة التصدي لهذه المشكلة فلن تُناقَش مطلقًا ولن يمنح أي شخص نفسه فرصة التفكير في الأمر ولو لمرة ثانية.
وضعت الحملة بعدها حدًا أدنى من المعايير للأطباء عند تعاملهم مع النساء لأغراض تتعلق بالأمراض النسائية. تُعتبر”الوصايا العشر” هذه – التي تتضمن قواعد مثل الحفاظ على سرية المريضات والتعامل معهنّ كأشخاص مستقلين – ضرورية إذ غالبًا ما يطلب الأطباء إذن الزوج قبل تقديم العلاج.
في انتصارٍ هام سجلته الحملة، تبنى مجلسان طبيان هذه المعايير عام 2019، بما في ذلك المجلس الطبي في دلهي، وهو من أكبر الجمعيات الطبية في دلهي.
كنتيجة للاهتمام الشديد المُوجَّه للتصدي لجائحة فيروس كورونا، فإن الحصول على خدمات الصحة الجنسية لم يكن أصعب مما هو عليه الحال الآن بالنسبة للنساء غير المتزوجات في الهند، وعليه اتجهت حملة Health Over Stigma للانتشار عبر الإنترنت حيث تسعى للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المتابعين. ويُعد حساب الحملة على إنستجرام وسيلة التواصل الأساسية حيث تشارك الحملة جهات اتصال خاصة بأطباء أمراض نسائية مستعدين للانضمام والتعاون علاوةً على تنسيق “أيام للوصول إلى مقدمي الخدمات”، حيث يمكن للنساء التحدث مع الأطباء بشأن مخاوفهنّ المتعلقة بصحتهنّ الجنسية عبر الإنترنت.
اجتماع جارٍ للمدافعات عن الحق في الحصول على خدمات الصحة الجنسية والصحة الإنجابية (SRH Defenders) – يسعدنا أن نعلن نحن فريق @healthoverstigma عن بدء التدريب اليوم. شهد اليوم الأول مشاركة نساء من مختلف أنحاء البلاد لمشاركة قصصهنّ والمساهمة بشجاعتهنّ في أن نُحدث الفارق معًا. شاهدوا هذا المقطع للاطلاع على مزيد من المستجدات!
تشهد الحملة الآن مرحلة تحضيرية لبناء شبكة مُكوَّنة من نساء متطوعات غير متزوجات، يُعرَفن بـ”المدافعات”، إلى جانب الأطباء الراغبين في علاج المريضات دون الحكم على حالتهنّ الاجتماعية، وذلك على مستوى الأربع المدن وهنّ دلهي ومومباي وكولكاتا وغواهاتي. تجتمع هذه المجموعات عبر الإنترنت حاليًا وتشارك القصص وتضع استراتيجيات تتعلق بكيفية إحداث تغيير. تشهد الحركة انتشارًا سريعًا، لكن في ظل تنامي البنية الاجتماعية في الهند، فما زال هناك الكثير للقيام به.
في جايبور، حدَّثتني ديفي التي أصبحت عازبة مؤخرًا وهي تعبث بطعامها شولي بهاتور دون شهية قائلة، “الجميع يمارس الجنس في الهند،” “لكن يحدث هذا الأمر في الخفاء.” وللتواصل مع أخريات مثلها، أنشأت ديفي حسابًا على فيسبوك.